رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"وفى الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل أسمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف واسم العذراء مريم.." (لو 1: 26، 27). أولا: منذ خمسة أشهر سبق فبشر الملاك زكريا الكاهن، والآن مع بداية الشهر السادس جاء يبشر القديسة مريم، لكن شتان بين البشارتين، البشارة الأولى لزكريا الكاهن تمت داخل الهيكل أثناء العبادة الجماعية، وبطريقة شعر بها الكهنة والشعب الذي كان واقفا يصلى بالخارج، كانت بشارة بميلاد أعظم المواليد من النساء؛ يوحنا المعمدان!! أما البشارة الثانية فتمت في بيت مجهول في قرية فقيرة بطريقة سرية لم يلمسها حتى صاحب البيت نفسه.. يوسف النجار.. وقد كانت بشارة بتجسد الكلمة نفسه!! لقد أخلى الابن ذاته حتى في البشارة به، لم تتم بين الكهنة ولا في داخل الهيكل ولا على مستوى الجماعة، إنما تمت مع فتاة فقيرة في مكان بسيط.. ثانيا: أرسل الملاك إلى "عذراء مخطوبة لرجل"... لماذا لم يرسل إلى عذراء غير مخطوبة؟ إن وجود الخاطب أو رجل لمريم ينزع كل شك من جهتها عندما تظهر علامات الحمل عليها.. لقد وصفها الكتاب المقدس بصفتين في آن واحد، أنها زوجة وعذراء، فهي عذراء لأنها لم تعرف رجلا -سواء قبل أو بعد ولادة السيد المسيح- وزوجة حتى تكون في نظر الناس بلا شائبة من جهة عفتها وطهارتها. كانت الخطبة في التقليد اليهودي تعادل الزواج بالمفهوم السائد الآن ما خلا العلاقات الجسدية... لهذا دعيت القديسة مريم "امرأة يوسف". إن وجود القديس يوسف في حياة العذراء مريم يشكك الشيطان في أمر المولود ويربكه من جهة التجسد الإلهي، لقد سبق للسيد المسيح أن أوصى تلاميذه ألا يقولوا لأحد أنه المسيح (مت 16: 22).. كما منع الذين شفاهم من إظهار أسمه، وأمر الشياطين ألا تتكلم عن ابن الله (لو 4: 35). ثالثا: كرر الإنجيلي كلمة "عذراء" وكأنه أراد تأكيد عذراويتها ليعلن أن السيد المسيح ليس من زرع بشر. رابعا: جاءت تحية الملاك: "سلام لك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت في النساء " لو 1: 28 لم تكن بالتحية العادية وإنما جاءت تحية فريدة حملت كل معنى الفرح، إنه فرح شعب الله بعمل مثير يمس خلاصهم، وكأن القديسة مريم العذراء قد نالت بأسم الكنيسة كلها التي هي عضو فيها فرحا فائقا خلال تجسد الله الكلمة وحلوله فيها. انفردت العذراء بدعوتها " الممتلئة نعمة "، إذ وحدها نالت النعمة التي لم يقتنها أحد غيرها، إذ امتلأت بمواهب النعمة. التحفت بالنعمة الإلهية كثوب.. وامتلأت نفسها بالحكمة الإلهية.. في القلب تنعمت بالزيجة مع الله.. وتسلمت الله في أحشائها. حديث الملاك للعذراء " فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية.. فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريم، لأنك وجدت نعمة عند الله " (لو 1: 29، 30). لقد اضطربت العذراء ولم تستطع أن تجاوبه إذ لم يسبق لها أن قدمت تحية لرجل من قبل، لكنها إذ عرفته من هو أجابته، هذه هي التي كانت تخاف الحديث مع رجل صارت تتحدث مع ملاك بلا خوف. لا نستطيع أن ننكر أن ما اتسمت به العذراء من حياء شديد وتكريس كامل لحساب الرب، وعدم رغبتها في الزواج كما يظهر من قولها للملاك: [ كيف يكون لي هذا وأنا لست أعرف رجلا ] لكنها كانت الإنسانة الفعالة في الجماعة المقدسة، فعالة بصلواتها وتقواها، وفعالة أيضا بقبولها عطية الله الفائقة (تجسد الكلمة في أحشائها)، وفعالة في الخدمة ففي أول معجزة للسيد المسيح طلبت منه "ليس لهم خمر"( يو 2: 3)، ورافقت السيد المسيح حتى الصليب وبعد الصعود كانت مع التلاميذ تسندهم، فالبتولية لا تعنى السلبية إنما إيجابية الحب الباذل المعلن خلال العبادة والعمل في حدود مواهب الإنسان التي يتسلمها من الرب نفسه، لذلك يقول القديس أغسطينوس: لا تكرم البتولية من أجل ذاتها وإنما لانتسابها لله.. جاء الوعد الإلهي للقديسة مريم على لسان الملاك: " وها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيما وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية " (لو 1: 32). إذ سمعت القديسة مريم الوعد الإلهي بروح الاتضاع وفي إيمان دهشت إذ كان الوعد فريدا لم تسمع في الكتب المقدسة إنسانا ناله لهذا تساءلت: " كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا؟! فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله " (لو 1: 34، 35). يظهر من حديث العذراء أنها قد نذرت البتولية، فلو أنها كانت تود الزواج لما قالت هكذا ؛ بل تقول " متى يكون هذا؟! "..... منتظرة تحقيق الوعد خلال الزواج، لقد وضعت في قلبها أن تكون بتولا للرب فحل البتول فيها ليقدس فيها بتولية الكنيسة الروحية.. وكما يقول القديس أغسطينوس: [ اليوم تحتفل الكنيسة البتول بالميلاد البتولي... فقد أكد السيد المسيح بتولية القلب التي يريدها للكنيسة أولا خلال بتولية جسد مريم، فالكنيسة وحدها هي التي تستطيع أن تكون بتولا فقط حين ترتبط بعريس، ألا وهو البتول، إذ تقدم له ذاتها تماما]. أمام هذا الإعلان أحنت رأسها بالطاعة لتقول: " هوذا أنا أمة الرب ليكن لي كقولك " (لو 1: 38). زكريا الكاهن شك في إنجاب زوجته، ولكن العذراء سمت بإيمانها على الكاهن ؛ فالكاهن أخطأ وتوارى والعذراء قامت بإصلاح الخطأ ]. العذراء تصف نفسها أمة للرب مع أنها اختيرت أما له، فإن الوعد الذي تحقق لم يسقطها في الكبرياء. لقاء مريم بأليصابات إن كانت القديسة مريم قد صارت ممثلة للبشرية المؤمنة، أو ممثلة للكنيسة بكونها قبلت الأيمان بوعد الله وانحنت ليحل كلمة الله فيها، فإنها إذ تمتعت بالكلمة داخلها لم تستطع إلا أن تنطلق " بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا " (لو 1: 39) – لتلتقي بنسيبتها أليصابات... صورة حية للكنيسة الحاملة للعريس فيها والتي لن تستريح بل تنطلق عبر الأجيال كما على الجبال لكي تقدم عريسها لكل نفس في العالم. حسب المنطق البشرى كان يلزمها أن تتوارى وتبحث الأمر في نفسها كما مع خطيبها لتدبير أمر الحبل والميلاد، لكنها وقد حملت ذاك الذي يحمل هموم العالم ويدبر كل الأمور لم تفكر فيما هو لنفسها بل بروح الخدمة انطلقت إلى الجبال إلى مدينة يهوذا تخدم أليصابات. نلاحظ في هذا اللقاء المبارك: 1- حسب المنطق الإلهي فإن الكبير يطلب الصغير.. ويبحث عنه لكي يضمه بالحب ويحمله على منكبيه... هكذا " الله أحبنا أولا "، لقد بادر بالحب ونزل إلينا إذ لا نقدر نحن أن نرتفع إليه.. هو ينحني ليحملنا من التراب وينتشلنا من الأعماق ليدخل بنا إلى أحضان الآب ويرفعنا إلى سمواته، يسوع وهو في بطن العذراء يسرع بتقديس يوحنا المعمدان الذي كان لم يزل بعد في بطن أمه، ويسوع ذهب إلى يوحنا إذ أراد يسوع أن يقدس معمودية يوحنا بنفسه ليعتمد. إن حملنا مسيحنا القدوس نتقدس فننطلق إلى كل موضع مشتاقين أن يقدس الكل معنا! 2- استحقت مريم أن تكون والدة الإله فصار عليها أن تصعد الجبال وتبقى في المرتفعات! 3- إذ حملت القديسة مريم كلمة الله محب البشر جاء لقاؤها مع أليصابات رقيقا للغاية، تحمل روح الخدمة في اتضاع. 4- دخلت مريم لبيت أليصابات تحمل عريسها في أحشائها لذلك إذ سلمت عليها يقول الإنجيلي: " فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت أليصابات من الروح القدس "(لو 1: 41). ليتنا في زياراتنا ولقاءاتنا مع الآخرين نحمل إليهم مسيحنا القدوس الذي يبهج أحشاءهم الداخلية ويلهب روحه القدوس فيهم، عوض أن نحمل معنا أفكارا شريرة وكلمات إدانة فنملأهم غما ونطفئ الروح في داخلهم. وقد لاحظ الدارسون أن كلمة " ارتكض " بالعبرية جاءت بمعنى "رقص"، هي ذات الكلمة التي استخدمت حين رقص داود النبي أمام التابوت. بينما كانت العذراء وأليصابات يتحدثان بكلمات النعمة ؛ كان الجنينان يحققان في الداخل عمل المراحم الإلهية. إذ امتلأ يوحنا من الروح القدس تقدس وهو في بطن أمه لكي يعمد الرب. 5- انطلق لسان أليصابات يعلن عما في داخلها منسجما ومتناغما مع جنينها يوحنا غذ " صرخت بصوت عظيم وقالت: مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك، فمن أين لي هذا أن تأتى أم ربى إلى؟! فهوذا حين صار صوت سلامك في أذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني، فطوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب " (لو 1: 42 – 45). لقد طوبت أليصابات مريم لأنها صارت أما لله خلال تجسد الكلمة، وقد بقيت الكنيسة عبر الأجيال تطوبها، فقد وقف القديس كيرلس الكبير يتحدث أمام آباء مجمع أفسس، قائلا: [ السلام لمريم والدة الإله، كنز العالم كله الملوكي، المصباح غير المنطفئ، إكليل البتولية، صولجان الأرثوذكسية، الهيكل غير المفهوم، مسكن غير المحدود، الأم وعذراء، السلام لك يا من حملت غير المحوى في أحشائك البتولية المقدسة ". تسبحة العذراء إذ انطلق لسان أليصابات يطوب العذراء لأنها آمنت بالمواعيد وحملت كلمة الله في أحشائها، انطلق أيضا لسان العذراء بالتسبيح لله، وهكذا تحول اللقاء إلى ممارسة لحياة تعبدية على مستوى تسبيحي ملائكي، يمجد الله ويعلن أسراره الفائقة بفرح. "فقالت مريم: تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي" (لو 1: 46 – 47). هنا النفس والروح يشتركان في التعظيم، لقد أساءت حواء إلى خالقها حين شوهت روحها بالعصيان وأفسدت خليقة الله الصالحة، فلم تعد حياتها تمجد الخالق ولا أعماقها تعلن عن بهائه، وقد جاءت القديسة مريم تحمل كلمة الله في أحشائها يرد لنفسها جمالها الأول وتصير روحها مبتهجة بكونها صورة الله ومثاله. " تعظم نفسي الرب.... " عندما يزداد بر الإنسان بداخله يزداد بهاء الرب ولمعانه بداخله، أما عندما نخطئ تصغر الصورة وتبهت!! " تبتهج روحي بالله مخلصي.... ".. هذا القول يحمل مفهوما لاهوتيا هاما أن القديسة مريم مع سموها العظيم تحتاج إلى " الخلاص " كسائر البشر. " نظر إلى اتضاع أمته.... " لم تقل أن الله نظر إلى صلواتها وأصوامها أو سهرها، لقد عرفت الطريق الذي به تنطلق إلى مراحم الله وتغتصب عطاياه وهو " الاتضاع "، فإن كان عدو الخير فقد مركزه خلال الكبرياء، فبالاتضاع تعود النفس إلى الله. " فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني.... " إننا نطوبها عبر العصور لا كعذراء عاشت ثم ماتت وإنما كعذراء تجلى في حياتها عمل الله الخلاصي الفائق، لقد تمتعت العذراء بأمومة للسيد المسيح إذ حملته متجسدا في أحشائها، وقبل هذا حملته بالأيمان في قلبها. " صنع قوة بذراعه، شتت المستكبرين بفكر قلوبهم "... تشير " بالذراع " إلى الرب يسوع المسيح الذي ولدته، "وبالمستكبرين" إلى إبليس وجنوده. " أنزل الأعزاء عن الكراسي، ورفع المتضعين "... غرق إبليس وحكماء الإغريق وكتبة اليهود وفريسوهم في بحر العظمة الفارغة والخيلاء الكاذبة فأذلهم الله ورفع عليهم قوما اتضعت قلوبهم وخلصت ضمائرهم فقد أعطوا سلطانا ليدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يصرهم شيء.. " أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين ".. جميع البشر ما عدا اليهود أعوزهم مجد الله وذاقوا مرارة الجوع، لم يكن هناك من بين الناس سوى اليهود الذين استمتعوا بلذة الناموس وتثقفت عقولهم بتعاليم الرسل والأنبياء إذ " لهم التبني والمجد والعهود والاشتراع والعبادة والمواعيد " رو 9: 4، ولكن قادهم غرورهم إلى هاوية الشموخ. لم يقبل اليهود سلطان الحياة وصلبوا المخلص وهجروا ينبوع الماء الحي ولم يقدروا قيمة الخبز الحي النازل من السماء، فلا غرابة بعد ذلك أن ذاقوا مرارة جوع لا يضارعه جوع آخر، أما الأمم الذين قبلوا المخلص فقد أشبعت نفوسهم من دسم الكلمة الإلهية وارتوت قلوبهم بالماء الحي الشافي لأنهم قبلوا الرب يسوع المسيح فحظوا بالمواعيد التي كانت لليهود قبلا. "عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة".. لم يعضد شعب إسرائيل حسب الجسد وهو الذي امتاز بالكبر والخيلاء وشمخ بأنفه معتمدًا على حسبه ونسبه بل عضد إسرائيل حسب الروح، وتشير الآية أيضا إلى جمهور اليهود الذين قبلوا الرب فاديًا ومخلصًا". إذا كان حضور العذراء مريم إلى أليصابات وسلامها جعلا يوحنا وهو جنين يرتكض مبتهجا وأليصابات تتنبأ بعد أن امتلأت بالروح القدس.. إن كان هذا كله قد تم خلال ساعة واحدة، فلنا أن نتصور مقدار النعمة التي حلت على أليصابات ويوحنا طوال فترة الثلاثة أشهر التي مكثتها العذراء في منزل أليصابات لتخدمها - فى هذه الأشهر الثلاثة كان يوحنا يتقوى في حلبة الأبطال ويعد وهو في بطن أمه لميلاد عجيب وتثقيف أعجب ... هكذا كان النبي يوحنا يأخذ المسحة المقدسة ويتهيأ للمعركة الكبرى. ميلاد صديقنا السماوي " وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد، فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته في المذود إذ لم يكن لهما موضع في المنزل " (لو 2: 6 – 7) كيف دخل المسيح البكر إلى العالم وهو بعيد عن العالم بطبيعته ويختلف عن الجبلة البشرية بطبيعتها؟ دخله بأن الله صار إنسانا، ومع أنه ابن الله الوحيد إلا أنه بكر لنا لأننا جميعنا أخوة له وبذلك أصبحنا أبناء الله. وجد الله أن الإنسان قد انحط إلى مستوى الحيوان ولذلك وضع نفسه كطعام في المذود حتى إذا نبذنا الطبيعة الحيوانية ارتفعنا إلى درجة الفهم والإدراك التي تليق بالطبيعة الإنسانية، فباقترابنا إلى المزود إلى مائدته الخاصة لا نجد طعامُا ماديُا بل خبزًا سمائيًا هو الجسد الحي. لم يجد له موضعا بين البشر، إنما وجد له موضعا في المذود، بين البسطاء والأبرياء، لهذا قال الرب في الإنجيل: " للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه ". بينما استقبلت الأرض خالقها في صمت رهيب، لكن لم يكن ممكنا للسماء أن تصمت فقد جاء ملاك الرب إلى جماعة من الرعاة الساهرين الأمناء في عملهم وربما كانوا في بساطة قلوبهم منشغلين بخلاصهم، جاءهم ووقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم، فخافوا خوفا عظيما، " فقال لهم الملاك: لا تخافوا، فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب، وهذه لكم العلامة تجدون طفلُا مقمطُا مضجعُا في مذود" (لو 2: 10 – 12). هؤلاء الرعاة هم رمز للرعاة الروحيين الذين يظهر لهم الرب يسوع المسيح فيبشرون باسمه في كل مكان كما بشر رعاة بيت لحم بالمسيح في بلدتهم هذه على أثر سماعهم أنشودة الفرح والأبتهاج من الملائكة الأطهار. لننظر مجد المسيح على الأرض وقد تلألأ بالنور وسطع على الرعاة وجمهور الملائكة ينشدون أناشيد الفرح والسرور فقد تنبأ موسى منذ قرون عديدة فقال: " تهللوا أيها الأمم شعبه ". إشعياء النبي قال: " ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل، زبدا وعسلا يأكل متى عرف أن يرفض الشر ويختار الخير لأنه قبل أن يعرف الصبي أن يرفض الشر يختار الخير " (أش 7: 14 – 15). هوذا " بيت لحم " تضاهى السماء، فتسمع فيها أصوات تسبيح الملائكة من الكواكب، وبدلا من الشمس أشرق شمس البر في كل جانب. طوبى لمن يصير قيثارة لتسبيحك، فإن نعمتك تكون هي مكافأته! انفتحت السماء لتنزل جوقة من الملائكة تشاركنا بهجتنا الروحية، يقول الإنجيل: " وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين: المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة (الإرادة الصالحة) " (لو 2: 13 – 14). إذ مضت الملائكة تشاور الرجال معا منطلقين بشوق وبسرعة، ليلتقوا بهذا المولود العجيب.... جاءوا يشهدون بما قيل لهم عنه، فصاروا كارزين به، إذ قيل: " وكل الذين سمعوا تعجبوا مما قيل لهم من الرعاة ".. يقدم القديس مار أفرام صورة مبهجة للقاء الرعاة بالطفل الراعي، إذ يقول: جاء الرعاة حاملين أفضل الهدايا من قطعانهم: لبنا لذيذا ولحما طازجا وتسبيحا لائقا... أعطوا اللحم ليوسف، واللبن لمريم، والتسبيح للابن!! أحضروا حملا رضيعا وقدموه لخروف الفصح! قدموا بكرا للابن البكر، وضحية للضحية، وحملا زمنيا للحمل الحقيقي، إنه لمنظر جميل أن ترى الحمل يقدم إليه الحمل! اقترب الرعاة منه وسجدوا له ومعهم عصيهم، حيوه بالسلام.. قائلين: السلام يا رئيس السلام، هوذا عصا موسى تسبح عصاك يا راعي الجميع، لأن موسى يسبح لك، مع أن خرافه قد صارت ذئابا، وقطيعه كما لو أنه قد صار تنينا! تأثرت جدا القديسة مريم بهذا اللقاء، وكما يقول الإنجيلي: "وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذه الكلمات متفكرة به في قلبها " - يقول القديس أمبروسيوس: [ من كلمات الرعاة تحصد مريم عناصر إيمانها ] التشابه بين القديسة مريم والكنيسة: القديسة مريم والكنيسة كلاهما أم وعذراء في نفس الوقت، كل منهما قد حملت بالروح القدس بغير زرع بشر، معطية ميلادا للابن الذي بلا عيب، فالقديسة مريم هي أم الكلمة الإلهي ولدته حسب الجسد، والكنيسة أم أعضائه ولدتهم بالمعمودية ليشاركوا السيد المسيح حياته. فى هذا يقول القديس أغسطينوس: "كما ولدت مريم ذاك الذي هو رأسكم، هكذا ولدتكم الكنيسة، لأن الكنيسة هي أيضا أم (ولود) وعذراء، أم في أحشاء حبنا، وعذراء في إيمانها غير المنثلم، هي أم لأمم كثيرة الذين يمثلون جسدا واحدا، وذلك على مثال العذراء مريم أم الكثيرين وفي نفس الوقت هي أم للواحد ". القديسة مريم عذراء حسب الجسد والروح، أما الكنيسة فيمكن دعوتها عذراء إذ لا تنحرف قط عن الأيمان بل تبقى أمينة على تعاليم السيد المسيح إلى النهاية. تحمل الكنيسة ذات لقب القديسة مريم، أي " حواء الجديدة ". فإن القديسة مريم قد ولدت " الابن المتجسد " واهب الحياة للمؤمنين، أما الكنيسة فهي أم المؤمنين الذين يتقبلون الحياة خلال اتحادهم بالرأس، الإله المتجسد. تشابه الكنيسة القديسة بكونها " أمة الرب " فهي كأمة الرب المتضعة ترفض كل المجهودات البشرية الذاتية، وتصير علامة لنعمة الله، الذي يطلبنا في اتضاع طبيعتنا ليقودنا إلى مجد ملكوته. دعى كل من القديسة مريم والكنيسة ب " المقدسة أو القديسة ". يفسر القديس هيبوليتس التطويب الذي ذكره موسى "مباركة من الرب أرضه، تبقى له وتتبارك بندى السماء " (تث 33: 13) كنبوة عن قداسة مريم، الأرض المباركة إذ تقبلت كلمة الله النازل كندى السماء، يعود فيقرر أنها نبوة تشير إلى قداسة الكنيسة، قائلًا: " يمكن أن تُقال عن الكنيسة، إذ تباركت بالرب، كأرض مباركة، كفردوس البركة، أما الندى فهو الرب، المخلص نفسه". شفاعة القديسة هي نموذج لعمل الكنيسة، حيث يلتزم أعضاؤها المجاهدون والمنتصرون الاقتداء بالقديسة مريم، مصلين بغير انقطاع من أجل تجديد العالم كله في المسيح يسوع ". شهر كيهك وشفاعة السيدة العذراء تحتفل الطوائف المسيحية الأرثوذكسية ابتداء من اليوم بالشهر المريمي (شهر كيهك القبطي) – حيث تشدو الألحان بتسبيح السيد المسيح من خلال والدة الإله القديسة مريم.. بعد حوالي شهر من الآن نستقبل السيد المسيح – الإله المتجسد – طفلًا مولودًا في مذود للبقر بمدينة بيت لحم،.. هناك احتفلت السماء مع الأرضيين من بسطاء الناس من رعاة للغنم مهللين مرنمين الأنشودة الجميلة: " المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة. " إن تسابيح كيهك في الحقيقة تمثل سيمفونية سماوية، لا تمدح القديسة مريم وحدها كوالدة الإله، بل تمدح الكنيسة كلها بكونها المسكن المقدس للإله المتجسد، بمعنى آخر، خلال تجسد ابن الله في الأحشاء المقدسة للقديسة مريم نرى أبن الله ساكنا في نفوسنا بتقديس روحه القدوس. وبجانب تسبيح السيدة العذراء خصص كثير من التسابيح في مديح بعض القديسين أيضا، وكأنهم يجتمعون معنا لتسبيح الإله المتجسد، مخلص البشرية. ونحن نقدم للسيدة العذراء باقة ورد وحب مبادلة منا لحبها الكبير للبشرية، وشفاعتها الدائمة عنا أمام ابنها يسوع المسيح لمغفرة خطايانا. من منا لم يشعر بحب وحنان السيد العذراء له في حياته، من منا طلب منها معونة بإيمان فتخلت عنه، إنها تطلب عنا دون أن نسأل، فكم لو سألنا،، لقد بدأت خدمة السيد المسيح في عرس قانا الجليل، (يوحنا 2: 1 – 5) وهناك أجرى أول آياته ومعجزاته، بتحويل الماء إلى خمر.. فمن الذي طلب منه ذلك؟ إنها السيدة العذراء؟! نلاحظ هنا أن خدمة السيد المسيح بدأت ومعها شفاعة من السيدة العذراء!! كان المدعوين هم جنس البشر، والخمر التي فرغت هي رجاء البشر، الذي يحتاجه العالم في كل زمان، والسيدة العذراء التي تشفعت في أهل العرس " ليس لهم خمر " كانت شفيعة العرس كله، بل وشفيعة كل المتكئين من مشارق الأرض ومغاربها، وستظل هكذا إلى الأبد أم قادرة رحيمة ومعينة. وشفاعتها هي فى أول الشفاعات، وأقوى الشفاعات، تأتى قبل شفاعة الشهداء وجميع القديسين، فهي دائمة الحضور عن يمين الملك، تسأله بدالة الأم والعبدة، فكيف يرفض لها طلبا؟ والسيدة العذراء وهي تمارس تقديم حاجتنا إلى السيد المسيح، تمارس عملها معنا كأم ومربية ومعلمة.. إذ توجه قلوبنا خفية نحو وصايا الله لنتممها بكل دقة وأمانة، كما أوصت أصحاب العرس " مهما قال لكم فافعلوه "!! – وذلك عندما نظهر لها احتياجنا ويبدو أمامها لائقا مستحقا الشفاعة كما كان أهل العرس يستحقون. ونحن حينما نقول عن العذراء " الملكة الحقيقية " التي قامت عن يمين الملك لا نعطيها من عندنا لقبا فخريا بل في الحقيقة هو إشارة إلى مسئولية وعمل العذراء في العرش الإلهي، فإن كان العبد الأمين قد أقامه الرب على عشر مدن فالعذراء الأم الأمينة قد أقامها الله على الكنيسة. وشفاعة السيدة العذراء لا تبخل بها على غير المسيحيين، فإننا نرى أهل الأديان الأخرى يكرمون العذراء ويتشفعون بها. والذين ينكرون قوة وشفاعة السيدة العذراء من بعض طوائف المسيحيين هم جهلة يعزلون أنفسهم عن دائرة الحب والرحمة، ويتحججون بالآية التي وردت في رسالة يوحنا الأولى الأصحاح الثاني: "وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا...." إنهم يخلطون بين الشفاعة الكفارية التي قام بها السيد المسيح على الصليب لخلاص جنس البشر، والتي لا يستطيع أحد أن يقوم بها لا رئيس ملائكة ولا نبيًا، بل السيد المسيح وحده لمصالحة آدم وبنيه مع الله الآب عن خطية آدم الأصلية. أما شفاعة السيدة العذراء والقديسين فهي شفاعة توسلية من أجل مغفرة خطايانا التي نرتكبها كل يوم، ومن أجل الاستجابة لطلباتنا التي تتفق مع مشيئة الله. هلموا ترتمي في أحضان السيدة العذراء معانقين إياها "بالسلام" يدرك الكل بلا استثناء... بأنها العذراء مريم التي استأهلت أن تحمل في أحشائها الذي يحمل المسكونة والساكنين فيها. فهي عذراء قبل ولادتها ربنا يسوع المسيح.. وعذراء أثناء ولادته... وعذراء بعد الولادة. كأوراق الخريف تتساقط الكلمات أمام وصفك.. أيتها القديسة الطاهرة مريم العذراء وتتوارى الورود خجلي استحياء أمام جمالك.. الذي لا يدانيه جمال يا من ولدت الأبرع جمالا من بنى البشر. سيدتي العذراء من أين آتى بكلمات تستطيع أن تترجم كمالاتك وطهرك.. وتفردك بصفات لم ولن توجد في أحد من البشر عبر التاريخ... أجل أيتها العذراء طوبى للأفواه التي تتغنى باسمك والقلوب التي تلهج بحبك... يا من ارتفعت عن السموات وسموت فوق الشاروبيم... حقا تطلع الرب من السماء فلم يجد من يشبهك... يا ملكة متوجة بالكمال... وزمردة مزدانة بالجلال والجمال. "من أجل حواء أغلق باب الفردوس. ومن قبل مريم العذراء فتح لنا مرة أخرى" (التسبحة) |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أن صوت البوق إنما يرمز للكرازة بالتجسد الإلهي |
كتاب البشارة بالتجسد الإلهي - للقمص تادرس يعقوب ملطى |
البشارة بالتجسد الإلهي |
البشارة بالتجسد الإلهي |
الفرح المسيحى الكامل بالتجسد الإلهي |