رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
احملوا اثقال بعض
يواجه الإنسان في جميع مراحل حياته مشاكل متنوعة اجتماعية, واقتصادية ودينية، أو عاطفية, ويقضي الإنسان عمره محاولاً التغلب على الصعاب والتوافق مع بيئته بما فيها مشكلات التي بعضها موجودة في البيئة أصلاً, وبعضها لا ذنب له فيها, وبعضها هو كان السبب فيها نتيجة سوء اختياره للفرص المتاحة له, وعلى قدر نجاح الإنسان في حلّ مشكلاته أو التوافق معها يكون نجاحه في حياته. كما تختلف المشكلات في النوع تختلف أيضاً في الشدة, فقد يكون حلّ المشكلة سهلاً, بالاعتذار مثلاً, وقد يكون صعباً لتراكم الأخطاء دون حلّ, فلا بدّ هنا من خبير ناضج متفهّم صادق حياديّ موضوعيّ مشحون علماً وثقة وصبراً، وهذا يُدعى المشير، أما المستشير فهو طالب الاستشارة صاحب المشكلة ابتغاء لرؤية واضحة لحلّ مشكلته. المشورة ليست وصفة, فالتعامل هنا مع إنسان له مشاعر وعلى المشير الاهتمام به كإنسان محاولاً إعادة الاتزان لطالب المشورة المضطرب. في المشاكل التي تمسّ المشاعر, تنشأ هنا علاقة تتحدّد بشخص المشير ذاته , فلا بدّ من إبداء الحب والاهتمام والإصغاء دون ملل, أو لوم أو إدانة, وهذه أعظم علاج نفسي, وهذا هو الأساس الكتابي للمشورة. فالرسول بولس يقول: لا تنظروا كل واحد لما هو لنفسه بل كل واحد لما هو للآخرين, أيضاً ساعدوا وشجعوا بعضكم بعضاٌ, شجعوا ضعاف النفوس , أسندوا الضعفاء، تأنوا على الجميع, فرحاً مع الفرحين وبكاءً مع الباكين , كذلك احملوا بعضكم أثقال بعض. المشورة عملية تبادلية, كلاهما يشعر بالراحة والاطمئنان والسكينة. إذ لها فوائد كونها تساعد الناس على أن يكونوا أكثر فاعلية وأقلّ توتر، وتحرّر الإنسان من صراعاته الروحية والنفسية ويعيش بسلام مع نفسه والآخرين. يعلّمنا الكتاب أنّ الإنسان مخلوق على صورة الله وهو قادر على التجاوب مع الله ومشيئته. ومن يقدّم المشورة سواء أكان طبيباً أو قسيساً أو خادماً يجب أن يكون موضع ثقة لا يُفشي سراً, وقادراً على الإرشاد مشحوناٌ حباً واحتراماً، وكون المشير سيدخل إلى قلب الموقف قد يؤلم طالب المشورة أو يجرحه, وهذا ما يفعله الله مع كل واحد منا. تستلزم المشورة التفهم لحساسية الاحتياج, والقدرة على التعامل مع الأفراد كل حسب عمره, والمشير المتمرّس يكتشف ما خلف المشاعر من سلوك وفكر, ولا يحاول تغيير المشاعر بل تغيير الفكر ليتماشى مع الفكر الكتابي والمفاهيم المسيحية ليكون فيكم هذا الفكر, وبالتالي يتغير السلوك إلى سلوك مسيحي وتصبح المشاعر مقدّسة. لماذا يختلف الأفراد تجاه الموقف الواحد؟ السلوك الإنساني ليس استجابات أو ردود أفعال آلية لكنه أكثر تعقيداً لأنه ناشئ عن تفاعل المؤثر مع النفس الإنسانية بكل ما تحوي من قيم وخبرات وعواطف جياشة، فالإنسان يتأثر سلوكه بمؤثرات تحدد طريقته في السلوك نسمّيها محدّدات، فهناك محدّدات بيولوجية موروثة كالعنف في حلّ المشاكل أو العكس، ومحددات بيئية أي ما يحيط بالإنسان منذ أن كان خلية صغيرة حتى نهاية حياته، وكذلك البيئة الاجتماعية, فمثلاً: تصرّف الإنسان الذي تربى في بيئة مثقفة متدينة يختلف عن تصرّف الإنسان الذي نشأ في بيئة متخلّفة وأسرة مفككة. ولا ننسى أن الانسان ابن بيئته فهو لا يختارها لكن البيئة تشكّله وتطبعه بطابع معين رغماً عنه. لمساعدة الآخر على حلّ مشكلته عليه أن يغيّر الظروف إذا كانت هي المشكلة، ولكن إن لم تكن تكون هي ردود أفعال الآخرين حول الظروف المحيطة وتعامل الناس معها. يقول العلماء: إن استجابتنا للأحداث تُبنى على تقييمنا لهذه الأحداث, وهذا التقييم يعتمد على فروض أساسية للحياة موجودة في اللاشعور مثل ردّ فعل إنسان تجاه الأصوات العالية والصخب والفوضى الذي يختلف عن الآخر, لذا فعامل اللطف والحب مهمّ. لأنّ المشاعر تُعامَل بمثلها, ولا تُعامل بالفكر والمنطق العقلي. مثلاً رجل يبكي فقدان زوجته فيقول له أحدهم: هذا عيب إذ لا يجوز أن يبكي الرجال! أو مثلاً قسيس يخاف دخول غرفة العمليات, فيقول له أحدهم: كيف تخاف وأنت تعظ الناس ألا يخافوا؟ فالمشكلة التي تلعب المشاعر فيها دوراً كبيراً تقابل بمثلها، أما الأمور العقلانية والمنطقية, كمشاكل الوظيفة والأمور المادية فتحَلّ بالعقل، لذا على المشير أن يتفهم وباهتمام, كإبداء التجاوب أو هزّ الرأس، وإن تلعثم يساعده على إتمام جملته المخنوقة. والأهم عدم التثاؤب, أو النظر في الساعة كيلا يُحبط الشاكي ويبتلع همّه وتتحوّل إلى عقدة نفسية تقلب عنده المقاييس. ويجب لفت الانتباه عند المشير حول أنّ ما يُعتبر سلوكاً عادياً في مرحلة معينة يكون شاذاً إذا استمرّ لمراحل لاحقة. فالسلوك الإنساني مرتبط بالعمر, وهو عامّ ويشمل كلّ الجنسيات, فتعامُل المشير مع المراهق المتمرّد لا يُحسب أنه مريض نفسي ويُعامل على أساسه, ولكن يُعتبر كذلك إذا استمرّ إلى ما بعد مرحلة النضج والشباب. عملية إظهار الحب المسيحي الحقيقي وحمله على قبول المسيح على أنه فدانا ومات من أجلنا يهدّئ من عصبيته شيئاً فشيئاً، ولا شك أنّ قيم المشير وأخلاقياته واتجاهاته ومعتقداته لها أهمية كبرى ليكون موضع ثقة وملجأ للاستفادة. تبدأ المشورة بتحديد موعد لطلب المساعدة ثم تخصيص مكان هادئ إذ أنّ هدوء المكان مهمّ لنجاح المهمة, بعيداً عن الضوضاء وجرس الهاتف وجرس الباب وعبث الأطفال. وهذه المقابلة لها خصوصية للتعرّف وجهاً لوجه دون وسيط لأخذ المعلومات الصحيحة, كذلك إمكانية رصد كثير من التصرفات والجوانب الانفعالية لدى الشاكي, وتسلسل أفكاره أو تناقضها, كذلك تساعد على بناء الثقة المتبادلة, وعادة يبدأ الحديث بالترحيب والتحدث بمواضيع شخصية مع ترك الباب مفتوحاً للحديث بصراحة دون إحراج أو خجل، فصاحب المشكلة يوصلها بالكلام ويتلقى الاستجابة بحركات توحي بالاهتمام. المشير الناجح لا يستمع لما يقوله الشاكي بل لما يريد قوله دون لفظه، ويستخدم أذنيه وعينيه لملاحظة ما تصله من رسائل معبّرة، فالإصغاء هنا مهمّ بطريقة لبقة جداً, وعلى المشير عدم إظهار ردود فعل سلبية أو مستنكرة مهما كان وقعها, ولا مانع من توجيه الأسئلة بطريقة نصح لاستكمال الموقف ثم الرقة في مواجهة الحقيقة وعدم الإدانة والغضب, ثم التفسير أي كشف الواقع الحقيقي وهذه تحتاج لمهارة عالية خصوصاً بالكشف عن نقاط القوة والضعف للاستنارة الروحية, ولأنّ المشير محترف أصلاً لذا يقوم بالإرشاد والقيادة والتوجيه لإراحته كما جاء في غلاطية 6: 1: "إن انسبق إنسان فأخذ في زلّة ما، فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة، ناظراً إلى نفسك لئلا تُجرب أنتَ أيضاً" لا تقف موقف الدّيان, وتجرّد من الاندماج العاطفيّ, وحافظ على اتزانك الشخصي. أخيراً: إن لم يكن دافعك حبَّ الله وحبَّ الناس والرغبة في المساعدة, فلا تُقدم على المشورة, وليكن شعارك: احملوا بعضكم أثقال بعض. |
14 - 07 - 2016, 06:50 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| الإدارة العامة |::..
|
رد: احملوا اثقال بعض
ميرسي على الموضوع الجميل
|
||||
15 - 07 - 2016, 11:06 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | |||
..::| مشرفة |::..
|
رد: احملوا اثقال بعض
ميرسي علي مشاركتك الجميلة
|
|||
15 - 07 - 2016, 04:05 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: احملوا اثقال بعض
شكرا على المرور
|
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
احملوا اثقال بعض |
احملوا بعضكم اثقال بعض |
حمل اثقال الاخرين |
كان اتقال قدامنا |
قصة حمل اثقال الاخرين |