رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديس العظيم أنبا أنطونيوس بين الفلاسفةيُعتبر القديس أنطونيوس على وجه العموم أبا (بطريرك) الأسرة الرهبانية. ولد حوالي 251م من أبوين ثريين في مدينة كوما (قمن العروس) بمصر الوسطى. و عندما مات والداه كان في الثامنة عشرة من عمره، تركا له رعاية أخته الوحيدة ديوس، الأصغر منه. استوقفه فصل من الإنجيل كان يُقرأ عند دخوله الكنيسة – وكان ذلك بعد مرور ستة أشهر على وفاة والديه – حيث كان ربنا يحدث الشاب الغني: “إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء… وتعال اتبعني” (مت ۲۱:۱۹). أخذ هذه النصيحة بجدية كدعوة شخصية موجهة إليه من قبل الله. باع ثلثمائة فدان من أجود الأراضي، وقدم معظم الثمن للفقراء، محتفظاً بالقليل لأخته، التي أودعها في بيت للعذارى بالإسكندرية، وصار حراً مکرساً حياته كلها للنسك تحت إرشاد رجل قديس يعيش بجوار كوما. هكذا اعتاد النساك الشبان أن يبدأوا بالتلمذة على يدي معلم يدربهم علی أساسيات الحياة الروحية؛ الصلاة والصوم. بعد فترة رحل القديس أنطونيوس إلى الصحراء الغربية ليجاهد منفرداً بنفسه، فلجأ إلى قبر مهجور منحوت في جانب الجبل. وقد التزم صدیق له أن يأتي إليه بخبز من حين إلى آخر وهو في عزلته. وكان القديس يصارع ضد التجارب الجسدية ومحاربات الشياطين أثناء توحده. في سن الخامسة والثلاثين ترك هذا الموضع الهاديء ليستقر على الضفة الشرقية من النيل على الجبل الخارجي في منطقة بسبير (حياته: ۱۲) حيث عاش في توحد تام. بعد مرور عشرين عاماً اجتذبت شهرته أتباعاً له صاروا يقطنون بجواره، مشتاقين إلى الامتثال بحياته القدسية. هكذا اقتحموا عزلته ليصير القديس أنطونيوس قائدهم، يعلمهم على الدوام بالكلام كما بالقدوة بحياته النسكية. بعد خمس سنوات عاد ليعتزل ثانية في البرية الداخلية بجبل القلزم، لم يجعل التوحد من القديس أنطونيوس إنسانا متأملا بمعنی عدم الاكتراث بمصير إخوته، إنما خلق منه أباً روحياً قبل كل شيء. لقد هرب من اهتمامات العالم لا من الحب. لهذا التزم بزيارة الإسكندرية أثناء اضطهاد المسيحيين بواسطة مكسيمينوس دایا ۳۱۱م. كان يهدف نحو التقدم للاستشهاد إن أراد الله له ذلك، وقد قضى وقته يخدم المعترفين داخل المناجم والسجون (حياته 46). حزن لأن الله لم يسمح له بالاستشهاد، وإذ انتهى الاضطهاد عاد إلى قلايته ليصير “شهيداً كل يوم بالنية، مصارعاً في معارك الإيمان”. مرة أخرى زار الإسكندرية في 352م لیسند البابا أثناسيوس ضد الهرطقة الآريوسية، فخرج الوثنيون كما المسيحيون يحيون القديس الشيخ، لكنه سرعان ما عاد إلى البرية، إذ شعر أنه كالسمكة خارج الماء متى كان في المدن. جاء إليه أناس من كل أنحاء العالم إلى داخل أعماق البرية ينشدون البرء من أسقام أجسادهم وعقولهم وأرواحهم، وكما حدث في منطقة بسبير, هكذا جاء إليه رهبان أحبوه ووثقوا به طالبين مشورته. حُورب القديس أنطونيوس بأفكار عن ممتلكاته، والقلق على أخته، وتذكر أصحابه، ومحبة المال والشهرة، والتلذذ بمباهج حياة الترف. إذا عاش متوحداً هاجمه الضجر، فسقطت نفسه في الملل وتشويش الأفكار، فبدأ يقول الله: “يارب، أريد أن أخلص لكن هذه الأفكار لا تتركني وحدي، ماذا أفعل في حزني؟ كيف أخلص منها؟” بعد قليل إذا نهض صار يمشي في الهواء الطلق فرأى شخصا يلبس رداء طويلاً متوشحاً بزنار صليب مثل الإسكيم وعلى رأسه قلنسوة وكان يجلس ليعمل، ثم يقوم ليصلي. ثم يعود يجلس ويضفر من سعف النخيل. هذا كان ملاك الرب أرسل ليحذر القديس أنطونيوس ويحثه قائلا: “افعل هذا فتخلص”، عندئذ امتلأ فرحاً وتشجع. وصار هذا الزي هو زي الرهبنة، وأصبح العمل اليدوي من أساسيات الحياة الرهبانية. إذ نال الغلبة على أفكاره وعلى الضجر حاربته الشياطين من الخارج كما حارب الشيطان الرب في البرية ولم يجد فيه موضعاً له. بلغت هذه التجارب ذروتها عندما ذهب القديس أنطونيوس إلى إحدى المقابر وأغلق على نفسه، فهاجمته الشياطين (ضربته) حتى جاء أصدقاؤه ووجدوه فاقد الوعي، فحملوه إلي كنيسة القرية ظانين أنه مات. استيقظ في الليل وصمم على العودة إلى القبر في تحد لهجمات الشياطين التي لم تستطع أن تغلبه. أخيرا أستجيبت صلواته الملحة وشتت نور المسيح الهاديء الخيالات الشيطانية، عندئذ عاتب القديس الرب قائلا: “أين كنت؟ لماذا لم تظهر من البداية لترفع عني آلامي؟” سمع الإجابة: “كنت هنا يا أنطونيوس، لكنني انتظرت لأشاهد جهادك، فإنك إذ صمدت ولم تستسلم، أكون عوناً لك على الدوام، وأجعل اسمك معروفا في كل مكان”. :نذكر قصة من سلوكه جاءت في “الأبوفثجماتا (أقوال الآباء)” تكشف عن طول أناته مع كل أحد: حدث أن أخاً بدير أبا إيليا حلت به تجربة فطرد من الدير، فجاء إلى الأنبا أنطونيوس في الجبل، وإذ مكث معه بعض الوقت أعاده أنطونيوس إلى الجماعة التي كان يعيش فيها، وإذ رأوه طردوه مرة أخرى، فعاد إلى الأنبا أنطونيوس يقول له: “لم يقبلوني يا أبي”. عندئذ أرسل إليهم الشيخ يقول: “غرقت السفينة في البحر، وفقدت كل متاعها الذي تحمله، وبالجهد رجعت السفينة أخيرا إلى البر. هل ترغبون أن تغرقوا السفينة وهي على البر بعد أن رجعت سالمة من البحر؟!” بهذا عرفوا أن الأنبا أنطونيوس هو الذي رده، وللحال قبلوه. عام 356م تنيح وهو في الخامسة بعد المائة من عمره، ولم يفصح الراهبان مكاريوس والراهب الآخر عن الموضع الذي دفناه فيه، وقد ترك مقتنياته القليلة لأصدقائه، ثوبا من الجلد (فروة رداء للبابا أثناسيوس، وثوباً آخر من الجلد (فروة) للقديس سرابيون، وقميصاً من الشعر للقديسين مكاريوس وزميله اللذين دفناه. بين الفلاسفة أشكال الرهبنة كتاباته : كان القديس أنطونيوس يتمتع بالحكمة العملية بدرجة عالية جداً. جاءه مرة اثنان من الفلاسفة ظانين أنهما يستطيعان أن يختبراه، فعندما التقى بهما، قال لهما خلال المترجم: لماذا تتكبدان أيها الفيلسوفان كل هذه المشقة لتأتيا إلى إنسان غبي؟ وإذ أجاباه إنه ليس بالغبي بل بالحكيم جداً، قال لهما: “إن كنتما قد أتيتما إلى رجل غبي فتعبكما باطل، وإن حسبتماني حكيماً فامتثلوا بي، إذ يليق بالإنسان أن يمتثل بالصالح، إنني مسيحي”. مرة أخرى سأله فیلسوف: “كيف تصمد وأنت محروم من تعزيات الكتب؟”. أجابه: “كتابي أيها الفيلسوف هو الطبيعة، فإنني أستطيع قراءة لغة الله عندما أشاء”. خرج دیره ببسبير أبطالا كثيرين، منهم القديسين هيلاريون (إيلاريون) من غزة، ومكاريوس الإسقيطي، وآمون بجبل نيتريا، وبولس البسيط. كتب القديس العظيم أثناسيوس حياته، التي كان لها أثرها الفعال في نشر فكر الرهبنة في العالم المسيحي. جاء في كتاب القديس أثناسيوس (Vita Antonii 72f)، أن القديس أنطونيوس كان رجل “الحكمة الإلهية”، مملوءا نعمة ولطفا، مع أنه لم يتعلم القراءة والكتابة. القديس أنطونيوس يمثل نوعين من الرهبنة. أحدهما التوحد أو حياة الوحدة حيث يعيش كل راهب في عزلة، والآخر يمثل تطوراً للوحدة حيث يقطن الرهبان في قلالي منفردة أو مغائر أو أي مأوى آخر، تقترب من بعضها البعض لتكوين نوع من الصداقة. يمكن أن يكون بينهم راهب أب يرشدهم، مثل هذا التجمع كان يعرف باسم “laura” (دير يتكون من مجموعة قلالي يتقابل رهبانه للطعام وللعبادة). رسائله
عظاته
تعاليمه وأقواله : نذكر هنا بعض تعاليم وأقوال هذا الأب القديس، عن طريقها يمكننا أن نتعرف على مفهوم الرهبنة من مؤسسها نفسه:
|
|