لقد أعلنت الكنيسة هذه الحقائق عبر القرون وشهدت بأمانة لإنجيل يسوع. في نهاية الألف الثاني الميلادي مازالت هذه الرسالة بعيدة عن الوصول إلى الكمال[2]. من أجل هذا فإن صرخة بولس الرسول الإرسالية فيما يخص الالتزام الإرسالي لكل معمد: هي أكثر معاصرة من أي وقت مضى “فإذا بشرت، فليس في ذلك لي مفخرة، لأنها فريضة لابد منها، والويل لي إن لم أبشر” (1كور16:9). هذا ما يشرح العناية الخاصة التي توليها الرئاسة والهيئات الكنيسة لتشجيع وتدعيم رسالة الكرازة للكنيسة بالأخص بالنسبة للتقاليد الدينية في العالم[3]. وإذا أخذنا في الاعتبار القيّم التي تشهد بها وتقدمها تلك التقاليد الدينية للإنسانية بأسلوب منفتح وإيجابي، فإن الإعلان المجمعي عن علاقة الكنيسة بالديانات الغير مسيحية يؤكد: “إن الكنيسة الكاثوليكية لا ترفض شيئاً مما هو حق ومقدس في هذه الديانات. إنها تنظر بعين الاعتبار الصريح باحترام إلى طرق الحياة والسلوك، إلى تلك الشرائع والعقائد التي وإن اختلفت في نقاط كثيرة عما تؤمن به الكنيسة وتطرحه، لكنها كثيراً ما تعكس شعاعاً من تلك الحقيقة التي تنير لكل البشر”[4]. واستكمالاً لهذا الخط، فإن الالتزام الكنسي بإعلان يسوع المسيح: “الطريق والحق والحياة” (يو6:14)، يسري اليوم على الممارسة العملية للحوار بين الأديان، الذي لا يحل محل ولكن يرافق إعلان الإنجيل إلى الأمم، لأجل “سر الوحدة” الذي منه ندرك أن كل الرجال وكل النساء المخلّصين يساهمون ولو بطرق مختلفة في نفس السر الخلاصي ليسوع المسيح عبر الروح القدس”[5].
هذا الحوار الذي يشكّل جزءاً من رسالة الكنيسة في إعلان الإنجيل[6]، يحمل في طياته اتجاهاً للتفهّم وعلاقة تعارف وتبادل لما يثري داخل إطار الخضوع للحق واحترام الحرية[7].