رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بولس الرسول أسقف كورنتوس وكاهنها غذَّيتكم باللبن الحليب، لا بالطعام القويّ اعتبرت الجماعة في كورنتوس أنَّها لا تحتاج إلى تعليم. فاليونان حملوا الأدب والفلسفة والفكر إلى العالم. وماذا يعطيهم هذا »الثرثار«، كما قال عنه الآثينيّون؟ ولكنَّ بولس الآتي من الشرق ما خاف أن يجادل فلاسفة من تيّارات متعدِّدة. فهو ابن الجامعة في طرسوس موطنه. والشعراء سمعوه يقول مقاطع تعود إلى القرن السادس ق.م. ما كان بولس »معقَّدًا« لأنَّه جاهل، بل كان يعرف كما يعرفون. فخطَبَ حيث خطبَ سقراط، أبو الفلاسفة الكبار. ولكنَّ تعليمه غير تعليم »الحكمة« اليونانيَّة. أذكر هنا خاطرة من حياة خوري آرس. سأل ولدًا عن الطريق إلى آرس. فدلَّه. ثمَّ قال له: »وأنا أدلُّك على طريق السماء«. ابتسم ذاك الولد: هو لا يعرف الطريق إلى آرس ويعرف الطريق إلى السماء! ويمكن أن لا يعرف الكاهن علوم الفلك والكيمياء والفيزياء، أن لا يعرف الصعود إلى القمر. لا بأس. فهذا ليس اختصاصه. اختصاصه الكلام عن يسوع. علمُ يسوع هو علمُ العلوم. معرفة يسوع هي معرفة المعارف. وهي الأولى في حياة الكاهن، وإلاَّ يقع علينا حكم سعيد عقل القاسي: »دكتور في العلوم و... في علم الله«. أناس لا يتعدَّون التعليم المسيحيّ حين المناولة الأولى، ولا نريد أن نرفعهم مرّات عديدة. نتركهم وشأنهم. فأنا الكاهن مسؤول عن أبناء رعيَّتي، عن أبناء الكنيسة. فالربُّ نفسه قال في »صلاته الكهنوتيَّة«: »حفظتهم باسمك الذي أعطيتني، فما خسرتُ منهم واحدًا« (يو 17: 12). وحزقيال النبيّ يذكِّر الرعاة بمهمَّة التدبير: »يا ابن البشر، جعلتك رقيبًا في بيت إسرائيل، فتسمع الكلمة وتنذرهم عنّي« (حز 33: 7). فإن »قصَّرتَ عن إنذاره، من يدك أطلب دمه« (آ8). ذاك هو واجب الكاهن. جاء مرَّة إلى مدينة آرس معلِّمون كبار من باريس، وتعجَّبوا حين رأوا الجموع تحتشد في كنيسة ذاك الكاهن الذي خافوا أن يرسموه لأنَّه لم يعرف اللاتينيَّة لكي يفهم الدراسة التي تُعطى له. هم توقَّفوا عند العلوم، أمّا هو فوصل بالآتين إلى هذه الرعيَّة الصغيرة التي ما أراد أحد أن يهتمَّ بها، وصل بهم إلى يسوع. فتابوا وبدَّلوا حياتهم السابقة. هكذا قال يسوع للخاطئة: »مغفورة لك خطاياك... فاذهبي بسلام« (لو 7: 48-49). وبولس الرسول ما توقَّف في أثينة عند معارفه في الفلسفة والشعر، بل وصل بهم إلى يسوع المسيح، وهو عارف أنَّهم لن يقبلوا مثل هذا التعليم. أنهى خطبته فقال: لأنَّ الله »وقَّت يومًا يدين فيه العالم كلَّه بالعدل على يد رجل اختاره، وبرهن لجميع الناس عن اختياره بأن أقامه من بين الأموات« (أع 17: 31). والنتيجة: استهزأ به بعضهم. وآخرون قالوا: »سنسمع كلامك في هذا الشأن مرَّة أخرى« (آ32). أما كان يمكن أن يتجنَّب هذا الكلام الأخير؟ لو فعل، لشابه الأثينيّين »الذين يقضون أوقات فراغهم كلَّها في أن يقولوا أو يسمعوا شيئًا جديدًا« (آ21). جاءهم بولس بالجديد الجديد، فرفضوه. وهل يبدِّل موقفه؟ كلاّ. فهو الذي قال لأهل غلاطية: »لو كنتُ أريد أن أرضي الناس، لا أكون عبدًا ليسوع المسيح« (غل 1: 10). هكذا يكون الأسقف، الكاهن »مدبِّرًا حكيمًا«. يهتمُّ بالمؤمنين والمؤمنات، يزورهم، يكون معم في الأفراح والأحزان. ويوصل إليهم محبَّة الله وحنانه. وخصوصًا المرضى الذين لا يزورهم بعضنا ولا يحملون إليهم القربان إذا لم يكن هناك »بعض المال«. ومرّات كثيرة يكون الكسل مسيطرًا، مع أنَّنا نعرف كم اهتمَّ يسوع بالمرضى خلال حياته الرسوليَّة. قلت مرَّة لأحد الكهنة: »هل تزور الرعيَّة؟« قال: »كلاّ«. فأجبته: »لا بأس. شهود يهوه يزورونها«. ويعرفون متى يزورون ويكوِّنون جماعة »متلاصقة« في قلب رعيَّتنا. أمّا نحن فيأتي المؤمنون ونحن لا نعرفهم. يأتون إلى القدّاس لأنَّ ذلك واجب عليهم. ولكن هل يلتقون بالكاهن؟ هل يعرفهم ويعرفونه؟ هم يأتون إليه فقط إن احتاجوا ورقة رسميَّة ويدفعون ثمنها كما في إحدى الدوائر الرسميَّة. أمّا بولس فكان يعرف المؤمنين. يكفي أن نقرأ نهاية الرسالة إلى رومة لنكتشف عدد الأشخاص الذين يرسل سلامه إليهم. وقال لأهل فيلبّي: »أنتم دائمًا في قلبي وفي وثاقي (لأنَّه كان في سجن أفسس) وفي الدفاع عن الإنجيل« (فل 1: 7). يقول الكهنة: وكيف نزور الرعيَّة؟ هي كبيرة. قال المثل الصينيّ: مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. ومن نزور؟ قال يسوع: المساكين يبشَّرون. أمّا نحن فتقتصر زياراتنا على بيوت دون أخرى. في رعيَّة كنت فيها، والكهنة كثيرون، زرتُ بيتًا لم يطأه كاهن منذ سبعين سنة. بيت فقير. لا كرسيّ فيه. ولا نقول شيئًا عن الذين تهجَّروا وأتوا إلى رعايانا. يعطينا الحقّ القانونيّ حدود الرعيَّة: نحن نعمِّد، نحن نحتفل بالزواج في تلك البقعة، نحن نرشّ في الغطاس وفي عيد القدّيسين بطرس وبولس. والويل لمن يدخل إلى حدودنا. بل الزواج باطل. كم نستحقّ حكم النبيّ حزقيال علينا: »تأكلون اللبن، وتلبسون الصوف، وتذبحون الخروف السمين، ولكنَّكم لا ترعون الغنم« (حز 34: 3). ويعدِّد النبيّ: الضعيف، المريض، المكسور، الشارد، المفقود. ويتواصل الكلام: »تاهت غنمي في جميع الجبال (هناك كانت تقام العبادات الوثنيَّة)، وعلى كلِّ تلَّة عالية، وتشتَّتت على وجه الأرض ولا من يسأل ولا من يبحث« (آ6). وقال الربّ: أنا أتفقَّد غنمي، أُنقذها، أجمعها، أرعاها، أعيدها إلى حظيرتها. وفي ذلك الوقت ينام رعاتها. ويبيِّن لنا الرسول كيف تعامل مع المؤمنين. أوَّلاً، جعل أمامهم صليب المسيح: »لا أعرف فيكم سوى يسوع المسيح وإيّاه مصلوبًا«. ثمَّ أفهمهم أنَّ الحكمة البشريَّة، بما فيها من حسابات، هي جهالة لدى الله. ونزل إلى مستواهم ليرفعهم إلى مستوى كلام الله. بدأ فغذّاهم بالحليب مثل أطفال. وانتظر بعض الوقت لكي يعطيهم الطعام القويّ، طعام الناضجين (1 كو 3: 2). وترافق مع الجميع. هذا بلا شريعة (يهوديَّة)، صار معه »بلا شريعة« (مع أنَّ شريعتي هي المسيح). قال: »وصرت للضعفاء ضعيفًا لأربح الضعفاء. وصرت للناس كلِّهم كلا شيء لأخلِّص بعضهم بكلِّ وسيلة. وأعمل هذا كلَّه في سبيل الإنجيل« (1 كو 9: 22-23). هناك خلاف في الكنيسة، لا يتركه الرسول يستفحل. لماذا التعلُّق بالأشخاص؟ فكلُّنا خدّام لكم. وكلُّ واحد منّا يعمل بحسب موهبته. وإن أنتم »تحزَّبتم« بيَّنتم أنَّكم لم تزالوا »جسديّين«. فكيف تطيقون أن يكون »الحسد والخلاف« (1 كو 3: 3) في ما بينكم؟ ويأتي الافتخار، وهو الخطر الكبير في العمل الرعائيّ، أو في ما بين الكهنة. لا أريد أن أكون مثل الآخرين، فالسرّ الذي قبلته أسمى من السرّ الذي قبلوه. أريد أن أتميَّز عن الآخرين، بالاسم، بالوظيفة، بالكرامة، بالتسلُّط. رفض بولس كلَّ افتخار بشريّ: »لا يفتخر بشر أمام الله« (1 كو 1: 29). افتخر هؤلاء »المعلِّمون« على خوري آرس، فما كان لهم من افتخارهم! دعوه »حمارًا«. لا بأس. وكان جوابه جواب الحكماء: الله يعمل بي ما يعمل. ونحن نتذكَّر جحشة بلعام، ذاك الذي اعتبر نفسه نبيٌّا. يقول سفر العدد: »رأت الجحشة ملاك الربِّ واقفًا في الطريق... فمالت عن الطريق« (عد 22: 23). أمّا بلعام فاحتاج إلى وقت طويل لكي يعرف مقصد الله. قال: »خطئتُ لأنّي ما عرفت« (آ34). أمّا الجحشة فعرفت. وقال إشعيا النبيّ: »عرف الثور قانيه والحمار معلف صاحبه، أمّا شعبي فلا يعرف، ولا يفهم شيئًا« (إش 1: 3). أمّا جواب خوري آرس فكان رائعًا. قال لهؤلاء المعلِّمين منطلقًا من خبر شمشون وفكّ الحمار الذي به قتل كثيرًا من الأعداء، قال: »بفكِّ حمار قتل شمشون ألف رجل، فماذا يفعل الله بحمار كامل؟« فمضوا يلتحفهم الخزيُ والخجل. وأذكر كاهنًا خدم بلدتنا. تعلَّم 12 شهرًا فقط في مار يوحنّا مارون. ما كان مع هذا الحزب ولا مع ذاك، بل كان فوق هذا وذاك. كان رجل الصلاة. يقضي الساعات في الكنيسة يقرأ الكتاب المقدَّس وسائر الكتب. وبعد بعض سنوات جمع الرعيَّة كلَّها حوله وحول الربّ. بتواضعه وحضوره وخدمته ربح قلوب الجميع، فتفوَّق على الكثيرين الذين نظروا إليه من فوق لأنَّهم حملوا بعض الشهادات. في هذا قال بولس: »إن الله اختار ما يعتبره العالم حماقة ليُخزي الحكماء، وما يعتبره العالم ضعفًا ليخزي الأقوياء. واختار الله ما يحتقره العالم وما يزدريه ويظنُّه لا شيء، ليزيل ما يظنُّه العالم شيئًا« (1 كو 1: 27-28). والخلاصة: »من يفتخر فليفتخر بالرب« (آ31). ويواصل الرسول: »لا يخدع أحد نفسه. فمن ظنَّ أنَّه حكيم في هذا الدهر فليصر جاهلاً لكي يصير حكيمًا« (1 كو 3: 18). كم ننغشّ في حياتنا! كم نؤخذ بالظواهر البشريَّة! من أعظم، الخادم أم السيِّد؟ كلُّنا نقول السيِّد. أمّا يسوع فقال للرسل: أنا بينكم كالخادم. من أعظم، الأخ إسطفان نعمه أم الرئيس الذي كان في أيّامه! من أعظم، الرسل الأميُّون، أم قيافا وحنّان وعظماء الكهنة والكتبة الذين يسيرون بالحلل ويحبّون مقاعد الشرف والتحيّات في الأسواق (مت 23: 6-7). كم سوف نخجل في السماء حين نرى أنَّنا نحن الأوَّلين صرنا الآخرين، وكم دينونتنا ستكون كبيرة حين نعرف أنَّ الربَّ جعلنا »خدّامًا »للرعيَّة فأردنا أن نترأَّس ونعوِّض عمّا كنّا في العالم بسلطة روحيَّة فنشبه سيمون الساحر الذي رأى أن ينمّي سلطانه حين ينال الروح القدس (أع 8: 18-21). فجاء جواب بطرس قاسيًا. ويكون كلام بولس محذِّرًا: تذكَّروا، ما كان فيكم كثير من الحكماء بحكمة البشر ولا من الأقوياء ولا من الوجهاء« (1 كو 1: 26). ولا من الأغنياء ولا من الزعماء. وهكذا نصير من العالم (يو 15: 19) »ننتمي إلى العالم« (يو 17: 14) فنقع في حبال الشرّير. ونريد أن نقول مثل الرسول: »اقتدوا بي كما أنا أقتدي بالمسيح« (1 كو 11: 1). |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
راح ربنا بعتله ملاك يحايل فيه |
الله لا يحتاج إلى فلاسفة في الصلاة |
لا تخف ممن يجادل بل خف ممن يراوغ |
يديعوت: سفير مصر بواشنطن يجادل ليبرمان |
فلسفة | فلاسفة |