إذ دخلت الخطية إلى العالم، أصبح حال الخليقة وقوانين العناية التي تضبطها مجالاً جالَت فيه حكمة الإنسان الساقط، ودارَت فيه أفكاره المُنحرفة بالسقوط، فاحتضن المُعتقدات الزائفة عن الله. فمع أن الخليقة تُحدِّث بمجد خالقها إلا أن الإنسان الساقط قد نبذ التفكير في صلاح الله ومضى يبذل الجُهد لكي يصل إلى الحقيقة بافتراضات من ذهنه المُنحرف، وكانت النتيجة زيادة انحرافه وضلاله وشكوكه، مع أنه كان يمكنه أن يجد الطريق واضحًا لو أنه صدَّق الله في حُكم هذه الخليقة وإدارة دفتها حتى أدَّق دقائقها وأصغر ذرَّاتها. لكن بانحراف الإنسان وسقوطه رفض كل فكرة عن الله. وإذ لم يستطع أن يبقَى بدون إله لأن في أعماقه حاجة تدفعه إلى البحث عن إله، فقد قادَهُ قلبه الشرير إلى تأليه مخلوقات كثيرة يُشبع بها شهواته، وفي الحقيقة لم يكن سوى الشيطان كإله من خلف الستار. وما هذا إلا جُهد ضائع للعقل البشري في محاولته الوصول إلى إدراك الله. وإذ عجز عن الوصول إلى معرفته، انتهى به الأمر إلى إنكار الله والافتخار بنفسه.