|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أيها الآب مجد اسمك حينما تكلم السيد المسيح مع تلاميذه عن مجيء ساعة آلامه وموته، إذ قال: "قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان" (يو12: 23)، وقال إنه قد جاء إلى العالم لأجل هذه الساعة "لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة" (يو12: 27)، تحوّل السيد المسيح من حديثه مع التلاميذ إلى مخاطبة الآب السماوي ورد عليه الآب من السماء كما يلي: "أيها الآب مجد اسمك. فجاء صوت من السماء: مجدت وأمجد أيضًا" (يو12: 28). ويلزمنا هنا أن نسأل عن علاقة قول السيد المسيح: "قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان" (يو12: 23) بقوله للآب: "أيها الآب مجّد اسمك"، وما هي علاقة كل ذلك بآلام السيد المسيح وموته وقيامته من الأموات؟ ويلزمنا أيضًا أن نسأل عن الاسم الذي قصده السيد المسيح حينما قال: "أيها الآب مجّد اسمك". لقد أكّد السيد المسيح أهمية هذا الاسم الذي ردده كثيرًا أي "الآب"لذلك ففي مناجاته قبل الصلب التي سجلها القديس يوحنا في الأصحاح السابع عشر من إنجيله، رفع يسوع عينيه نحو السماء وقال: "أيها الآب قد أتت الساعة. مجّد ابنك ليمجدك ابنك أيضًا" (يو17: 1). وفي نهاية هذه المناجاة العميقة قال: "أيها الآب البار إن العالم لم يعرفك. أما أنا فعرفتك، وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني. وعرفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم" (يو17: 25، 26). عرّفتهم اسمك في تكرار السيد المسيح لهذا اللقب الجميل "الآب" كشف عن حقيقة الثالوث القدوس، لأنه لا يوجد آب بغير ابن. وفي قوله للآب: "عرفتهم اسمك" يعنى أنه قد كشف هذه الحقيقة الرائعة وهى أن إله إبراهيم هو ليس مجرد إله فقط، بل هو الآب وكلمته وروحه. الآب هو الأصل بغير بداية الذي منه يولد الابن قبل كل الدهور، ومنه ينبثق الروح القدس قبل كل الدهور، كما قال السيد المسيح عنه: "روح الحق الذي من عند الآب ينبثق" (يو15: 26). وكما شرح الآباء القديسون لا يوجد آب بغير ابن ولا ابن بغير آب ومن هنا نفهم ارتباط تمجيد الابن بتمجيد اسم الآب. لأننا حينما نرى مجد المحبة في الفداء ونعلم أنه "هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد الجنس لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16) حينئذ ندرك أبوة الآب الحقيقية. الآب يتمجد في الخلاص الذي منحه للبشرية بواسطة ابنه الوحيد الجنس ربنا يسوع المسيح. حينما تمجد ابن الله الكلمة الذي تجسد وتأنس من أجل خلاصنا وذلك بموته المحيى وقيامته من الأموات، حينئذ تمجد اسم الآب بواسطة ابنه الوحيد. الآب هو ينبوع الحب وينبوع الحكمة وينبوع الحياة.. ونحن ندرك كل ذلك حينما ننال الحياة في المسيح بفعل الروح القدس العامل في الأسرار. إن اسم "الآب" ليس مجرد لقب فخري يعلن أبوة الآب للخليقة، ولكنه يعلن ما هو أعظم من ذلك بكثير،فهو يعلن أن الله هو أبو ربنا يسوع المسيح، أي أن الآب له ابن خصوصي والأبوة في الله ليست مستحدثة لسبب وجود الخليقة بل هي الخاصية الأقنومية للآب، والتي تعلن في آن واحد أن الله هو ثالوث في جوهر واحد، وجوهر واحد في ثلاثة أقانيم غير منفصلة. وقد أشار القديس بولس الرسول إلى أبوة الله بالنسبة لنا في فاتحة رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس: "نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح" (1كو1: 3)، وفي رسالته الثانية لأهل كورنثوس قال: "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح" (2كو1: 3). وكرر نفس الأمر في فاتحة الرسالة إلى أهل أفسس: "نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح. مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح" (أف1: 2، 3). كذلك في فاتحة رسالة أهل كولوسي كتب يقول: "نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح. نشكر الله وأبا ربنا يسوع المسيح" (كو1: 2، 3). لذلك نلاحظ التأكيد على أبوة الله الآب للرب يسوع المسيح.. هذا هو الاسم الذي يتمجد حينما يتمجد الابن الوحيد. أنت ابني وقد أوضح القديس بولس الرسول أهمية فهم هذه العلاقة بين الآب والمسيح فقال: "لأنه لمن من الملائكة قال قط: أنت ابني أنا اليوم ولدتك. وأيضًا أنا أكون له أبًا وهو يكون لي ابنًا. وأيضًا متى أدخل البكر إلى العالم يقول: ولتسجد له كل ملائكة الله. وعن الملائكة يقول: الصانع ملائكته رياحًا وخدامه لهيب نار. وأما عن الابن: كرسيك يا الله إلى دهر الدهور" (عب1: 5-8). إن القديس بولس الرسول في اقتباسه من مزمور "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور" (مز44: 6). قد أوضح أن المقصود بهذه العبارة هو الله الابن. لذلك فإن تمجيد الابن هو تمجيد للآب، وتمجيد الآب هو تمجيد للابن لسبب وحدانية الجوهر الإلهي. فمجد الآب والابن والروح القدس هو مجد إلهي واحد. وبهذا نفهم معنى الحوار الذي دار بين الابن والآب "أيها الآب مجد اسمك. فجاء صوت من السماء مجدت وأمجد أيضًا" (يو12: 28) إنه وعد من الآب بتمجيد اسمه من خلال ابنه الوحيد "ليمجدك ابنك أيضًا" (يو17: 1). فالآب يمجد الابن ليتمجد الآب بالابن. وهكذا يكون مجد المحبة الأزلية. |
|