شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القس أنطونيوس فكري
القضاة 13 - تفسير سفر القضاه
الإصحاحات (13-16) هي قصة شمشون وهو يرمز للمسيح في أشياء عديدة. نذكرها ونضع بجانبها علامةÅ . وشمشون غالبًا كان معاصرًا ليفتاح. فيفتاح خلص إسرائيل من بنى عمون وشمشون خلصهم من الفلسطينيين. وكان للفلسطينيون شأن عظيم في ذلك الزمان حتى أيام داود. وهم لم يُخضِعوا إسرائيل عسكريًا لكنهم كانوا يستغلونهم ويرهبونهم ويضايقونهم. والفلسطينيين ليسوا كنعانيين بل هم من جزيرة كريت (كفتور) لذلك كانوا يسمون بالكفتوريون.
آية (1): "ثم عاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب فدفعهم الرب ليد الفلسطينيين أربعين سنة."
يرى البعض أن الأربعين سنة انتهت بما ورد في (1صم 7: 13). فيكون عالى الكاهن قد مات نحو الزمان الذي بلغ فيه شمشون كمال الرجولية.
آية (2): "وكان رجل من صرعه من عشيرة الدانيين اسمه منوح وامرأته عاقر لم تلد."
1.والدة شمشون كانت عاقرًا لا تلد وولادتها كانت ببشارة ملاك. والعذراء مريم كان لا زوج لها وولدت ببشارة ملاك. وشمشون والمسيح كلاهما جاء لخلاص شعبه من محنة عبودية.
2.كلاهما خلّص شعبه بقوة ذراعيه لكن شمشون خلّص بقوة جسدية بينما المسيح فتح ذراعيه على الصليب. وكانت أم شمشون عاقرًا (وهذا علامة غضب الله عند اليهود) ولكن انتظار الله بإيمان يعطى ثمرًا كثيرًا.
آية (3): "فتراءى ملاك الرب للمرأة وقال لها ها أنت عاقر لم تلدي ولكنك تحبلين وتلدين ابنا."
الملاك يؤكد لأم شمشون أنها عاقر أي حسب الطبيعة لا يمكن أن تنجب. فما تناله إذًا هو ثمرة وعد إلهي من محبة الله. وهذا ما كان مع العذراء مريم.
آية (4): "والآن فاحذري ولا تشربي خمرا ولا مسكرا ولا تأكلي شيئًا نجسا." لاتشر بي خمرًا = الله يهيئ لشمشون جوًا مقدسًا وهو بعد جنين في بطن أمه Å3 أم شمشون تقدست قبل أن تلده. والله اختار اليهود شعبًا مقدسًا ليأتي منه المسيح.
آية (5): "فها أنك تحبلين وتلدين ابنا ولا يعل موسى رأسه لأن الصبي يكون نذيرا لله من البطن وهو يبدا يخلص إسرائيل من يد الفلسطينيين."
يكون نذيرًا لله = Å 4 المسيح لم يكن نذيرًا بالمفهوم اليهودي ولكن هو كان لأبيه في كل شيء، يعمل إرادته، نقيًا بلا خطية. وكان النذيرين رمزًا للمسيح. يبدأ يخلص إسرائيل من يدالفلسطينيين = فالخلاص بدأ بشمشون وأكمل صموئيل العمل ثم بعده شاول الملك وأنهى العمل داود الملك. فالله أراد أن أن الخلاص يأتي تدريجيًا ولذلك كان تأديب الفلسطينيين تدريجيًا ولم يأتي شمشون كقائد عسكري مثل جدعون أمّا المسيح فبدأ وأنهى الخلاص فكان هو شمشون وداود في وقت واحد Å5.
الآيات (6، 7): "فدخلت المرأة وكلمت رجلها قائلة جاء إلى رجل الله ومنظره كمنظر ملاك الله مرهب جدًا ولم أساله من أين هو ولا هو اخبرني عن اسمه. وقال لي ها أنت تحبلين وتلدين ابنا والآن فلا تشربي خمرا ولا مسكرا ولا تأكلي شيئا نجسًا لأن الصبي يكون نذيرا لله من البطن إلى يوم موته."
كلمات أم شمشون كلها ثقة وإيمان ولم تتشكك مثل سارة.
آية (8): "فصلى منوح إلى الرب وقال أسألك يا سيدي أن يأتي أيضًا إلينا رجل الله الذي أرسلته ويعلمنا ماذا نعمل للصبي الذي يولد." منوح وثق في كلام المرأة لكنه اشتاق أن يرى هو أيضًا رجل الله كزوجته.
آية (9): "فسمع الله لصوت منوح فجاء ملاك الله أيضًا إلى المرأة وهي جالسة في الحقل ومنوح رجلها ليس معها." ملاك الرب (هو أحد ظهورات المسيح قبل التجسد) يحقق لمنوح طلبته ويظهر ثانية.
الآيات (10-14): "فاسرعت المراة وركضت واخبرت رجلها وقالت له هوذا قد تراءى لي الرجل الذي جاء إلى ذلك اليوم. فقام منوح وسار وراء امراته وجاء الى الرجل وقال له اانت الرجل الذي تكلم مع المراة فقال أنا هو. فقال منوح عند مجيء كلامك ماذا يكون حكم الصبي ومعاملته. فقال ملاك الرب لمنوح من كل ما قلت للمراة فلتحتفظ. من كل ما يخرج من جفنة الخمر لا تاكل وخمرا و مسكرا لا تشرب وكل نجس لا تاكل لتحذر من كل ما اوصيتها."
آية (15): "فقال منوح لملاك الرب دعنا نعوقك ونعمل لك جدي معزى."
هنا منوح يظن أن ملاك الرب إنسان عادي أو ربما نبي فأراد تقديم طعام لهُ.
منوح وامرأته يقدمان جدي المعزى والتقدمة للرب - أيقونة قبطية حديثة من رسم راهبات دير الشهيدة دميانة بالبراري، مصر
آية (16): "فقال ملاك الرب لمنوح ولو عوقتني لا أكل من خبزك وأن عملت محرقة فللرب اصعدها لأن منوح لم يعلم أنه ملاك الرب."
الملاك يشرح لمنوح أنه ليس إنسانًا ليأكل = لا أكل من خبزك ليصحح لهُ مفهومه وإن عملتمحرقة للرب أصعدها = لا يفهم من هذا أنه ليس الرب حتى لا يقبل المحرقة، بل على منوح أن يفهم أولًا أنهُ الرب. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا فيموقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). لأن منوح كان يظن أنه يكلم إنسان حتى هذه اللحظة فكيف تقدم محرقة لإنسان. هذه مثل حديث المسيح للشاب لماذا تدعوني صالحًا، ليس أحد صالحًا إلاّ الله وحده وقوله للمجدلية "لاتلمسينى".
آية (17): "فقال منوح لملاك الرب ما اسمك حتى إذا جاء كلامك نكرمك." ما اسمك = حتى إذا تحقق كلامك نأتي إليك ونكرمك. فحتى هذه اللحظة كان منوح لم يعرف بعد أنه الرب Å 6 "جاء إلى العالم والعالم لم يعرفه" وهذا قيل عن المسيح.
آية (18): "فقال له ملاك الرب لماذا تسال عن اسمي وهو عجيب." عجيب = وهكذا قيل عن المسيح يُدعى اسمه عجيبًا (1ش 9: 6). ولكن في العهد الجديد صار اسمه معروفًا فهو يهوة المخلص ولكن هذا السر كان مكتومًا في العهد القديم. وكون اسمه عجيب فهذا يشير لأنه فائق للإدراك والنطق، يدخل بالقلب إلى حالة التعجب.
آية (19): "فاخذ منوح جدي المعزى والتقدمة واصعدهما على الصخرة للرب فعمل عملا عجيبا ومنوح وامرأته ينظران."
ربما من الجملة الأخيرة بدأ منوح يفهم أن من يكلمه هو الرب فقدم له المحرقة والمسيح هو الصخرة التي نقدم عليها ذبائح حبنا، إذ هو صار ذبيحة حبنا.
آية (20): "فكان عند صعود اللهيب عن المذبح نحو السماء أن ملاك الرب صعد في لهيب المذبح ومنوح وامرأته ينظران فسقطا على وجهيهما إلى الأرض."
ما حدث هو صورة حيَّة للعمل الخلاصي بالصليب، ففيه يقدم السيد المسيح نفسه ذبيحة حب ملتهبة نارًا خلالها يمحو كل خطايانا. الصورة التي أمامنا فيها تلتحم الذبيحة بدمها مع النار الإلهية مع الأقنوم الإلهي الذي دخل للسماء (الأقداس) بدم نفسه ليجد فداء أبديًا ويشفع فينا (عب 9: 12) فهو الذي جاء من السماء وصعد إلى السماء (يو 3: 13 + 6: 62). ولذلك كان منوح وزوجته ينظران كما التلاميذ أثناء الصعود.
الآيات (22، 21): "ولم يعد ملاك الرب يتراءى لمنوح وامراته حينئذ عرف منوح أنه ملاك الرب. فقال منوح لامرأته: نموت موتا لأننا قد رأينا الله."
إعتقد منوح أنه سيموت لأن الله قال لموسى "لا يراني الإنسان ويعيش" لكن الله كان يقصد أننا لا يمكن أن نراه في مجده ونحن بعد في جسدنا الخاطئ.
آية (23): "فقالت له امرأته لو أراد الرب أن يميتنا لما اخذ من يدنا محرقة وتقدمه ولما أرانا كل هذه ولما كان في مثل هذا الوقت اسمعنا مثل هذه."
كانت وجهة نظر امرأة منوح صحيحة تمامًا. والله ظهر بعد أن حجب مجده فلم يموتا.
الآيات (24، 25): "فولدت المرأة ابنا ودعت اسمه شمشون فكبر الصبي وباركه الرب. و ابتدا روح الرب يحركه في محلة دان بين صرعة واشتاول." شمشون = قوة الشمس وهم غالبًا أسموه هكذا لأن بميلاده سيبدأ الخلاص ويشرق نور الحرية من الفلسطينيين حسب وعد الرب. والمسيح شمس البر Å 7 وابتدأ روح الرب يحركه = والمسيح امتلأ بالروح ورافقه الروح.