|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
صرخة إلى الله مخلصه "اِسْمَعْ يَا اللهُ صُرَاخِي، وَاصْغَ إِلَى صَلاَتِي" [1]. إن كان الذي يصرخ هنا هو شخص واحد، فمن هو هذا الشخص؟ يقول القديس أغسطينوس: [لكي تعرفوا أنه هذا: صوتنا نحن الذين في كل العالم من الشرق حتى إلى الغرب، يتحدث هنا كما لو كان إنسانًا واحدًا، لكنه ليس هو بإنسانٍ واحدٍ، إنما كما لو كان إنسانًا واحدًا، فالوحدة هنا تتحدث. ففي المسيح نحن جميعًا إنسان واحد، لأنه عن هذا الإنسان الرأس في السماء، والأعضاء لا تزال تكدح على الأرض. وإذ هم يكدحون انظروا ماذا يقول.] يمثل هذا المزمور صرخة تصدر عن قلب إنسانٍ يشعر بأن منبوذ ومُضطهَد، لكنه يلجأ إلى الله بكونه الصخرة والملجأ والبرج الحصين؛ يطلب السكنى الدائمة مع الله. في وسط الضيق غالبًا ما يعاني الإنسان المتألم من الشعور بالعزلة والاستبعاد، كأنه غريب، ليس من يشاركه مشاعره، أو يترفق به، لهذا لا يجد من يصرخ إليه سوى الله نفسه، الذي وحده يسمع صرخات القلب، ويشارك المتألم مشاعره. مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ أَدْعُوك،َ إِذَا غُشِيَ عَلَى قَلْبِي. إِلَى صَخْرَةٍ أَرْفَعَ مِنِّي تَهْدِينِي [2]. يرى البعض أن داود النبي وقد تمرد عليه ابنه أبشالوم، واضطر إلى الهروب صار كمن قد أُقصي إلى أقاصي الأرض. هذه هي مشاعر كل إنسان يعاني من ضيقة مُرّة، فإنه يشعر كأنه قد صار في أقاصي الأرض، إذا به يجد الله نفسه الصخرة التي ليس فقط تحميه، وإنما ترفعه إلى فوق. نعمة الله تحملنا كما إلى الأعالي، فلا يقدر عدو أن يتسلل إلينا. يسمع الله صرخات الإنسان حتى وإن استبعده الناس إلى أقاصي الأرض، فقد سمع لدانيال وزملائه وهم في بابل، وسمع ليونان وهو في بطن الحوت، ويسمع للخاطئ الذي يصرخ إليه بالتوبة مهما بلغت خطاياه. إنه السامع للصلوات! * كأن هذا القول مقدَّم من الشعب المسبي إلى بابل، فإنه يقول: "من أقاصي الأرض"، أي من بابل البعيدة جدًا من أورشليم، صرخت إليك وأنا في شدة حزني، وقد ثبت قلبي على صخرة الرجاء. وأيضًا الذي يصير تحت استيلاء الأبالسة، ويضجر قلبه يعرف أنه بعيد عن الله، فيقول في صلاته: "صرخت إليك من أقاصي الأرض"، أعني من مسافة بعيدة عنك. أيضًا الذين ينهمكون في الدنيويات والمتمرغون في حمأة الشهوات الجسدية هم ساكنون في وسط الأرض وغائرون في جوفها، أما السواح في الجبال والبراري فيكونون ساكنين في أقصى الأرض، هؤلاء يسمع الله طلبتهم، ويصغي إلى صلواتهم، وعند ضجرهم يشدد قلوبهم. وقولنا ضجرهم (يغشى قلبهم) لا يدل إلا على إقامتهم في هذا العمر الفاني وعلى هلاك غير التائبين... أما الصخرة فهي ربنا يسوع المسيح، فمن يحصل على هذه الصخرة يرتفع بعقله إلى السماويات ويرتقي إلى الله. الأب أنثيموس الأورشليمي يرى بعض الآباء مثل القديس أغسطينوس أن هذه الصرخة، هي صرخة الكنيسة كلها الممتدَّة إلى أقاصي الأرض، فإنها تئن معًا بروح الوحدة، بكونها جسد المسيح المتألم! إنها صرخة كل مؤمن، يُصلَب مع السيد المسيح، فيصرخ لحساب كل المتألمين والمُضطهَدين والمظلومين! * ترك المسيح الشعب اليهودي، واتحد مع الكنيسة القادمة من أماكن بعيدة، وهو يدعوها في المزامير: "من أقاصي الأرض أدعوك" . الأب قيصريوس أسقف آرل * جسد المسيح كله انصهر في العالم أجمع، أي الكنيسة كلها، يمارس الندامة التي تحقق شركة الوحدة، كما جاء في المزمور: "صرخت إليك من أقاصي الأرض"، عندما تسمعني وأنا في ألمٍ مبرحٍ . * أي إنسان يصرخ من أقصى الأرض؟ لا يوجد صراخ من أقصى الأرض سوى من الميراث الذي قيل عنه للابن نفسه: "اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا لك، وأقاصي الأرض ملكًا لك" (مز 2: 8). إنه مِلك المسيح هذا هو ميراثه، هذا هو جسد المسيح، هذه هي كنيسة المسيح الواحدة، هذه هي الوحدة التي هي نحن. إنها تصرخ من أقاصي الأرض. القديس أغسطينوس "إذا غشي عليَّ قلبي" [2] فإنه وإن كان قلب الكنيسة، كما قلب كل عضوٍ فيها، يرتفع مع الرأس إلى السماء، فإنه إذ هو متسع بالحب يئن مع أنات كل إنسان، ويلتهب مع عثرة كل أحدٍ. تمتزج مشاعره بين المجد الفائق الذي يختبره دومًا مع شركة الآلام والأتعاب مع الكنيسة المجروحة. يرى القديس أغسطينوس أن هذا الصارخ هو السيد المسيح في أشخاص أعضاء جسده. * يُظهر نفسه خلال كل الأمم، في كل العالم المحيط، في مجدٍ عظيمٍ، ولكن في ضيقةٍ عظيمةٍ. فإن حياتنا في هذه الرحلة لا يُمكن أن تكون بدون تجربة، فإن تقدُّمنا يتحقق خلال التجارب؛ ولا يعرف إنسان نفسه ما لم يُجرَّب؛ ولا يُكلَل ما لم ينتصر، ولا ينتصر ما لم يُحارِب، ولا يحارب ما لم يذق وجود عدو وتجارب. هذا الإنسان إذن يغشى (يرتبك)، فيصرخ من أقاصي الأرض، إلا أنه غير منسي. فإنه يريدنا نحن الذين هم أعضاء جسده أن نُمثل أيضًا في جسده هذا، هذا الذي يموت ويقوم ويصعد إلى السماء، لكي حيث ذهبت الرأس مقدمًا تتأكد الأعضاء أنها ستتبعه. لهذا فخلال الرمز ننتقل فيه عندما يريد لنا أن يجربنا الشيطان. القديس أغسطينوس هكذا يرى القديس أغسطينوس أنه مع صرخة كل مؤمن أينما وُجد في العالم، يصرخ جسد المسيح كله، بل يصرخ الرأس نفسه لحسابه، فيدرك المؤمن أن تجربته هي فرصة رائعة للشركة مع المسيح المتألم، القائم من الأموات والصاعد إلى السماوات. * يُقرأ في الإنجيل كيف أن الرب يسوع المسيح جُرِّب من الشيطان في البرية (مت 4: 1). المسيح بكامله (الرأس وجسده الكنيسة) جُرِّب، لأن المسيح من أجلكم أخذ لنفسه جسدًا. لأجلكم صنع لنفسه خلاصًا (نصرة)؛ لأجلكم قبل الموت، ولأجلكم الحياة؛ لأجلكم الشتائم، ولأجلكم الكرامات. لأجلكم قبل التجربة، ولأجلكم النصرة. إن كنا فيه نُجرَّب، ففيه ننتصر على الشيطان... "على صخرة رفعتني". * تصرخ (الكنيسة) من أقاصي الأرض، تلك التي يريد أن يبنيها على الصخرة (مت 16: 18)... اسمعوا بولس يقول: "لكن الصخرة كانت المسيح" (1 كو 10: 4). إذن عليه نحن نُبنى. القديس أغسطينوس |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
له رجاء في الله مخلصه |
مزمور 71 | صرخة قلب |
إذ يدخل المؤمن إلى الرب، يلقي بخطاياه عند قدمي الله مخلصه |
مزمور 42 - صرخة واشتياق إلى الله |
أن داود قد أوضح أن الله هو مخلصه، وقد دُعي وجه إله يعقوب |