رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يَقْلِبُ الْجِبَالَ مِنْ أُصُولِهَا [9]. إذ يتحدث أيوب عن سرّ المسيح الفائق، بكونه حكمة الله، رأى عجبًا. رأى السيد المسيح بحبه وقدرته وحكمته يمد يده على الصليب ليحتضن الأمم التي صارت كالصّوّان الصلد، فيقيم من الحجارة أبناء لإبراهيم، أو أبناء للإيمان. لا تقف أمامه أصول الجبال الشامخة، أي أصحاب السلاطين الزمنية. ببساطة الصليب، حكمة الله، التي يحسبها العالم الوثني جهالة، ويحسبها اليهود عثرة، اقتنص الرب الفلاسفة وأصحاب السلطان. وكما يقول الرسول بولس: "اختار الله جُهال العالم ليخزي الحكماء، واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء، واختار الله أدنياء العالم والمُزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود" (1 كو 27-28). * لم يستطع الفلاسفة أن يحققوا ما حققه أناس قليلون أميون، ألا وهو هداية العالم كله. تحدث الفلاسفة عن تفاهات ولم يقنعوا سوى قلة قليلة. وتحدث الرسل عن الله والبرّ والدينونة وهدوا أعدادًا كبيرة . * بتعبيرات بشرية يستحيل على صيادي سمك أن يقنصوا فلاسفة، لكن هذا هو ما حدث بقوة نعمة الله. القديس يوحنا الذهبي الفم ولكن بماذا نفهم هنا الجبال سوى أصحاب السلطة في هذا العالم، الذين ينتفخون في عظمة من أجل كيانهم الأرضي؟ يقول عنهم المرتل: "ألمس الجبال، فتدخن" (مز 5:144). أصول (جذور) الجبال هي أفكارهم العميقة بالكبرياء. تسقط الجبال من جذورها، لأن عبادة الله تنزل بسلاطين العالم إلى الأرض، تحطم أفكارهم الدنيئة. البابا غريغوريوس (الكبير) تقول كل من هذه الفقرات إن الماء الحي هو الطبيعة المقدسة، لذلك جاز للنشيد أن يسمي العروس بصدق بئر ماء حي يفيض من لبنان. هذا في الحقيقة يتعارض مع ما هو معروف، فالآبار عادة تحتوي مياه ساكنة، وأما العروس فعندها مياه جارية في بئر عميق، ومياهها تفيض باستمرار. من يقدر ويستحق أن يفهم العجائب الممنوحة للعروس؟ يتضح أنها قد وصلت إلى أقصى ما تتمناه، فقد قورنت بالجمال الأبدي الذي منه نشأ كل جمال. وفي نبعها تشبه نبع عريسها تمامًا، وحياتها بحياته، وماؤها بمائه. إن كلمته حية، وبها تحيا كل نفس تستقبله. هذه المياه تفيض من الله كما يقول ينبوع المياه الحيّة: "لأني خرجت من قبل الله وأتيت" (يو 42:8). تحفظ العروس فيض مائه الحي في بئر نفسها، وتصبح بيتًا يكنز هذه المياه الحيّة التي تفيض من لبنان، أي التي تكوّن سيولًا من لبنان، كما يقول النص. لقد أصبحنا في شركة مع الله بامتلاكنا هذه البئر، حتى نحقق وصية الحكمة (أمثال 17:5، 18)، ونشرب مياها من بئرنا، وليست من بئرٍ آخر. نتمتع بهذا في المسيح ربنا له المجد والعظمة إلى الأبد آمين. القديس غريغوريوس النيسي |
|