رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التكامل في الشخصية بقلم قداسة البابا شنودة الثالث غالبية الناس أو على الأقل كثير منهم ينفردون بفضيلة واحدة ويتركون باقي الفضائل , معتقدين أن هذه هي الحياة الروحية , ولكن الحياة الروحية ليست فضيلة واحدة , إنما هي كلاً متكامل يسمى الفضيلة وفي هذا الكل المتكامل لا توجد صفة تتعارض مع الصفات الأخرى . ما بين البساطة والسذاجة البساطة والحكمة, ومثال لهذا: يوجد إنسان بسيط في نظره كبسيط لا يظن السوء في أحد ويصدق كل ما يقال له ويعتقد أن في ذلك فضيلتي الوداعة والهدوء , ولكن إن لم تكن فيه الحكمة فتكون بساطته خاطئة ولا تكون وضعاً سليماً لشخصية كاملة , ولذلك يقول السيد المسيح : " كونوا بسطاء كالحمام وحكماء كالحيات " فلا تكن بسيطاً فقط فيخدعك الناس ويستهزئن بك , وحينئذ تصرخ وتقول لقد ضيعتني الفضيلة وجعلتني عاراً , وفي الحقيقة الذي ضيعك ليست فضيلة البساطة وإنما عدم الحكمة , فكن إذاً بسيطاً وحكيماً في نفس الوقت , لك بساطة في النفس ولك حكمة في العقل وهذا هو التكامل بين بساطة النفس وذكاء العقل , فالمسيح عندما قال كونوا بسطاء لم يقصد بساطة العقل بل بساطة القلب التي تدل على نقائه , ولكن العقل يكون في منتهى الحكمة ومنتهى المعرفة والذكاء . فعندما سئل الأنبا أنطونيوس عن الفضيلة الأولى أجاب قائلاً هي الإفراز والحكمة والتمييز , وذلك لأن أي فضيلة أخرى يأخذها الإنسان بلا حكمة ربما يخطئ في الطريق ويضر بها نفسه وربما غيره أيضاً . مثال ذلك إنسان يقول أنه شخص بسيط أصدق كل أحد , إذا كان مسئولا مثلاً عن مال الفقراء يجتمع حوله مجموعة من المحتالين ويسرقون مال الفقراء , فهل هذا إنسان حكيم أن يترك المحتالين يأخذون مال المحتاجين , إذا لابد من وجود الحكمة مصاحبة لكل فضيلة , لأنه عندما تكون بسيط ويخدعك الناس فهل أنت على صورة الله إذا , حاشا أنت تكون هكذا لأن صورة الله ليست عرضة للخداع والاستهزاء . هل معنى الطيبة الضعف فضيلة الطيبة وفضيلة القوة , إنسان مثلاً طيب القلب هل معناه أن يكون ضعيفاً لا قوة لشخصيته وهل معنى الطيبة والوداعة الضعف , المسيح كان حنوناً جداً وطيباً جداً ومحباً جداً فكان يحنو على المرضى والمحتاجين ولا يقسو على أحد , ولكنه في نفس الوقت كان قوياً في شخصيته يهابه الناس ويحترمونه , كان يسمح للشيطان أن يجربه ولكن عندما يتجاسر الشيطان عليه ينتهره بكل قوة فيتبدد الشيطان . نجد أيضا إبراهيم أبو الآباء كان إنساناً طيباً جداً فعندما اختلف مع لوط ترك للوط حرية الاختيار في محبة نادرة , وعندما رأى ثلاثة رجال غرباء حياهم وأكرمهم دون أن يعرف هويتهم , هذا هو إبراهيم الطيب النقي القلب , ولكن هل طيبته وبساطة قلبه منعته من أن يكون قوياً , إذ يقول الكتاب " لما سمع إبرام أن لوط سبي جمع كل رجاله المدربين وأنقذ لوط من السبي وانتصر على أربعة ملوك " فهل نقاوة القلب والطيبة منعته من أن يكون قوياً . الله لا يدعو الناس إلى الضعف الله لا يدعو الناس أن يكونوا ضعفاء في شخصياتهم وإنما يكونون أقوياء , وإنما القوة في المسيحية هي قوة الشخصية من الداخل وليست قوة في العنف من الخارج . فالشخص القوي في المسيحية ينتصر أولاً على نفسه قبل أن ينتصر على الآخرين , والقوي في المسيحية , يكون قوياً في حبه , قوياً في فهمه , قوياً في حزمه , قوياً في تصرفه , لا يكون قوياً بمعنى العدوان على الآخرين , فالعدوان ضعف وليس قوة لأن الشخص العدواني لا يملك قوة يستطيع بها ضبط أعصابه أو التحكم في إرادته. المسيح كان طيباً وكان قوياً في شخصيته فيقول عنه الكتاب " لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته " مع ذلك كان المسيح قوياً في منطقه , قوياً في إقناعه , قوياً في تأثيره على الناس , قوياً في كل مناقشة دخلها سواء مع الكتبة أو الفريسيين أو الصدوقيين أو الكهنة .. إلخ . فالآلاف من الناس كانت تتبعه , وقيل عنه : "هوذا الكل قد صار ورائه " , فكان قويا حتى في بذله لذاته على الصليب , فكان منظر الصليب أكبر مظهر لقوة المسيح , قوة الحب التي تفدي الآخرين . قوة في غفرانه لصالبيه , قوة في تأثيره على اللص اليمين , قوة في موته وقوة في قيامته من بين الأموات . إذا المسيحية بها القوة وبها الوداعة والطيبة أيضاً ولا أحد يقدر أن يقول أن الله يدعو الناس إلى الضعف , لا بل يدعوهم إلى القوة ولا يدعوهم إلى العدوان , يدعوهم إلى القوة الداخلية ولا يدعوهم إلى البطش الخارجي . قوة الإنسان الداخلي , وقوة الروح وقوة العقل , وقوة القلب , قوة في الانتصار على الخطية والشيطان وليس قوة في الانتصار على الآخرين من البشر . فالمسيحية تدعو إلى قوة الانتصار الداخلي لكي يتحرر الإنسان من الشر والعدوان والكراهية . الوداعة والشجاعة نجد أيضا في تكامل الشخصية , التكامل بين الوداعة والشجاعة . فمثلاً نجد موسى النبي كان إنسان حليم جداً أكثر من جميع الناس ولكن مع ذلك عندما وجد الشعب ترك الله وعبد العجل الذهبي , تصرف بمنتهى الشجاعة والقوة وأخذ العجل الذهبي وحطمه وسحقه , وكلم هارون رئيس الكهنة في حزم حتى خاف منه هارون وارتبك هارون من هذا الحليم الوديع , لذلك فالشخصية المتكاملة فيها الوداعة وفيها الشجاعة أيضاً . مثال آخر , داود النبي الذي كان وديعاً ومتواضعاً ولطيفاً , الذي احتمل شاول الذي اضطهده وطارده في كل مكان , نجده حينما كان راعياً ووجد غنمة من رعيته خطفها أسد ودب , انبرى للدب والأسد وأنقذ الشاة من أفواههم , فكيف لهذا الضعيف المتواضع أن يهاجم دب و أسد , هل تعارضت وداعته مع شجاعته , هل الوداعة منعته من أن يذهب في شجاعة لملاقاة جليات الجبار . وعندما نتأمل أيضا في شخصية إرميا النبي , نجد البعض يعتقد أنه هو النبي الباكي فقط ولا ينسبون إليه أي شجاعة , ولكن ارميا هذا كان شجاعاً وقوياً جداً , ونرى ذلك في توبيخه للشر الذي كان في عصره وشهادته للرب بكل شجاعة , وعندما كانت توجد خطية كان يصرخ في وجهها ويشهد للحق , فكان يوبخ الأنبياء الكذبة والكهنة المخطئين والرؤساء . حتى هاج عليه الكل بسبب توبيخه للخطية , فإرميا كان وديعاً في بكاءه وكان قوياً في شهادته للحق وفي شجاعته لم يكن يخطئ . ليست الشجاعة في التهور والناس يظنون خطأ أن الشجاعة في التهور والاندفاع , ولكن الشجاعة هي القوة الداخلية التي تشهد للحق ولا تخاف , فلم يقل أحد أبداً أن يوحنا المعمدان كان متهوراً أو مندفعاً عندما شهد بالحق أمام هيردوس الملك وصرخ في وجهه أنه لا يحل له أن يأخذ امرأة أخيه زوجة له. الإنسان الروحي يتحرر من الجهل الذي بالداخل , وأكبر جهل هو جهل الروحيات وجهل طريق الله . وأخيراً الفضائل لا تحيا فرادى فالفضائل متداخلة في بعضها البعض , فالمحبة مملوءة حزم ومملوءة قوة , والوداعة مملوءة شجاعة , والطيبة مملوءة قوة , وقس على ذلك باقي الفضائل . وإذا سرت في هذا الدرب فأعلم أنك تسير في درب الإنسان المتكامل |
|