سافر أب كاهن معاصر لأحد بلاد المهجر فى زياره قصيرة . وفى يوم ذهب مبكراً لعمل قداس بأحد الكنائس ، وهناك وعند ارتداء الشمامسة للتونية ، وجد واحداً من شمامسة الهيكل وهو يرتدى تونيته و قد انسدل شعره على ظهره ووجده طويلاً جداً ، ثم بدأ الشماس فى لم شعره مرة ثانية ولفه كعكة وثبتها بالبنس ثم ارتدى سورتيت على رأسه ليرفعه من على جبهته فنظر الأب الكاهن إليه فى تعجب وقال فى نفسه : " الحمد لله أن أولادنا فى مصر ملتزمين ولا يسلكون مثل هذا الشاب !!! " ، وقال فى نفسه : " هل أُحدِّث هذا الشاب بأن هذا لا يليق بأولاد المسيح ولا بالهيكل المقدس الذى يخدم فيه ؟ ".......
ثم راجع نفسه وقال أنا ضيف ....وهذه بلاد مهجر ، ثم طلب منه ألا يقف فى مقابله حتى لا ينشغل فكره به أثناء القداس وبعد إنتهاء القداس رجع الأب الكاهن إلى مسكنه ونسى هذا الأمر .
وفى اليوم التالى زاره الأب الكاهن راعى هذه الكنيسة وأخذا يتحدثان معاً عن خدمات الكنيسة وإحتياجاتها وما شابه ذلك ....
ثم قال الأب الكاهن خادم كنيسة المهجر : على فكرة يا أبونا مش أنتم فى مصر بس إللى عندكم قديسين ، إحنا كمان عندنا قديسين. أنت عارف يا أبى الشماس إللى كان معاك امبارح فى القداس إللى شعره طويل قوى دا ......دا قديس عظيم . استعجب الأب الكاهن من هذا الكلام وشعر بالحيرة ، فقال له كيف هذا يا أبى ؟؟!!!!!!
قال : إن هذا الشماس هو خادم فى خدمة مرضى السرطان ومن كثرة إحساسه بالألم النفسى الذى يسببه هذا المرض للمرضى بسبب سقوط شعرهم بعد العلاج الكيماوى وحالة الإكتئاب التى تصيبهم ، و لأن البواريك الصناعية لاتجدى وغير عملية و البواريك الطبيعية غالية الثمن جداً جداً هنا ، فنذر نذراً ألا يحلق شعر رأسه غير مرة واحدة كل عامين ، ثم يذهب به لأحد صناع هذه البواريك ويدفع ثمن صناعتها ويقدمها لبعض المرضى كعطية حب لهم .
خجل الأب الكاهن من نفسه وعرف أن الله أراد أن يوبخه على إدانته لهذا الشماس وأن يعطيه درساً حتى لا يدين أحد .
وقال لنفسه خرجت مُداناً كالفريسى ..... وخرج الشاب مبرَّراً كالعشار . حقاً يارب إن الصفات الظاهرة للناس لا تعطى حُكماً كاملاً عليهم ، فقد يبدو شخص بطباع لكنه قد يكون أكثر حناناً وعطاء وحباً منا ، إن الإدانة خطية تتسلل بهدوء من العين إلى الفكر إلى القلب ثم اللسان.
أعطنا يارب العين البسيطة التى نرى بها محاسن الآخرين وليس عيوبهم.