كثيراً ما نهتم بالدروس والحفلات والنادي والأنشطة وربما بالافتقاد ولكننا ينبغي أن نضع في أولوياتنا الأولى غرس العادات الروحية في أطفالنا الأعزاء ومن أهمها طبعاً الصلاة وقراءة الكتاب المقدس والتناول من الأسرار المقدسة
فمثلاً هل نهتم حقاً بمتابعة أطفالنا منذ الصف الثالث في قراءة الكتاب المقدس يومياً ونشجعهم على ذلك ؟ وهل نصنع المسابقات التي تحفزهم على المواظبة على ذلك ؟ إننا لو فعلنا نكون قد قدمنا لهم أكبر خدمة في الحياة وقد ضمنا نجاحهم في حياتهم الروحية من خلال استمرارهم في الارتواء بماء الحياة وقبل ذلك لابد أن نكون نحن أيضاً من المواظبين على أن ننهل من هذه الينابيع المقدسة حتى بعدما كرزنا للآخرين لا نصير نحن مرفوضون بحسب تعبير القديس بولس الرسول
وأتذكر في هذا السياق قصة حكاها لنا المتنيح مثلث الرحمات الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف السابق وهو ممن فسروا الكثير من أسفار العهد الجديد وقد حكى هذه القصة في أحد مؤتمرات الخدام بالأسكندرية في السبعينات من القرن الماضي وكان موضوع المؤتمر عن الكتاب المقدس
حكى نيافة الأنبا أثناسيوس أنه كان يفتقد أولاده المتغربين في جامعة أسيوط وعندما دخل غرفة أحدهم لمح رزمة من الخطابات على مائدته ولاحظ أن كثيراً منها لم يتم فتحه ؟! فسأله عنها فقال : إنها خطابات من أبي ! فزاد عجب سيدنا : فلماذا لم تفتح معظمها ؟ فأجاب الطالب لقد حفظت ما بها ! إنه يسأل عني وعن أحوالي ويوصيني بالمذاكرة باجتهاد وص على حياتي وعدم مصادقة أصدقاء السوء إلخ...... وأنا لا أفتح سوى رسالة أول الشهر التي أجد فيها الحوالة البريدية التي أصرف بموجبها مصاريف المعيشة والدراسة ! .....فاستأذنه الأب الأسقف في أخذ الرسائل المغلقة معه ما دامت لا تهمه فأعطاه إياها..
ولما عاد أبونا الأسقف إلى بني سويف ذهب لزيارة الأب وكان يحدثه في السابق كثيراً عن قراءة الكتاب المقدس دون جدوى ولما قابله سأله هل بدأت في قراءة الكتاب بانتظام ؟ أجابه الأب لقد قلت لنيافتكم مراراً أنني أعرف ما به وأحفظ الوصايا والمهم هو التنفيذ .. فأخرج له رزمة الخطابات ..
فعلت وجهه دهشة شديدة !! ...ولما تبينها تغيرت ملامحه واحمر وجهه بأمارات الغضب الشديد .. وبدأ يتكلم غاضباً : هذا الولد العاق أقضي كل أسبوع وقتاً طويلاً في كتابة رسالة له وهو لا يقرأها !! كل هذه رسائل مغلقة ؟!! وأنا الذي أفني حياتي في سبيل إسعاده وأحرم نفسي لكي أرسل له ما يعينه على الغربة وتكاليف الدراسة .. وقبل أن يسترسل أوقفه الأب الأسقف قائلاً بحزم : إياك أن تغضب من الولد أو تعاتبه بكلمة واحدة ! لأنك أنت تعمل نفس الخطأ مع الفارق الكبير فهو قد أهمل رسائلك أما أنت فتهمل رسالة الله لك فأطرق برأسه إلى الأرض وسكت ووعد الأب الأسقف بتصحيح موقفه فأخبره ذاك بأنه قد عاتب إبنه وهو نادم على إهمال رسائل أبيه ولن يكرر ذلك ثانية