منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 13 - 05 - 2014, 03:10 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,703

كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي

اليوبيل الألفي الثاني

كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
اليوبيل الألفي الثاني لميلاد السيد المسيح يهز مشاعر كل مؤمنٍ حقيقيٍ، فإن مجيء السيد المسيح إلى عالمنا فتح أبواب السماء أمامنا نحن سكان الأرض، أو رفع البشر لكي يشتركوا مع السمائيين في حياتهم السماوية.
يحتفل العالم المسيحي بهذا العيد المبهج للنفس، أما بالنسبة لنا نحن الأقباط فنحتفل بعيدٍ مزدوجٍ، فمع بداية الألف الثالثة من مجيء المسيح نذكر أيضًا بداية الألف الثالثة لدخول الطفل يسوع مع والدته القديسة مريم والقديس يوسف أرض مصر.
تعتز كنيستنا بهذا الحدث الفريد، فإنه لم تنعم أرض في العالم خارج إسرائيل بقدوم العائلة المقدسة غير بلدنا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.هذا ما يدفعني للكتابة عن "مصر في تاريخ خلاصنا"، راجيًا أن يدخل ربنا يسوع إلى قلب كل مؤمن ليجد فيه ملجأ، فلا يقدر عدو الخير (هيرودس) أن يحطم المسيح المتجلي في أعماقنا.
رد مع اقتباس
قديم 13 - 05 - 2014, 03:17 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,703

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي

مصر في عهد البطاركة


مصر كجنة الرب

حينما أراد لوط أن يختار أرضًا مثمرة رفع عينيه "ورأى كل دائرة الأردن أن جميعها سقي، قبلما خرّب الرب سدوم وعمورة، كجنة الرب كأرض مصر" (تك10:13). هكذا حسب الأرض التي رآها كجنة الرب كأرض مصر. فقد كانت مصر تتسم بكثرة خيراتها ووفرة محصولاتها.
"حدث جوع في الأرض، فانحدر إبرام إلى مصر ليتغرب هناك، لأن الجوع في الأرض كان شديدًا جدًا" (تك10:12). وأرسل يعقوب أبناءه ليشتروا قمحًا من هناك لذات السبب (تك57:41)، وتكرر الأمر للمرة الثانية (تك1:43). لهذا شُبّهت مصر بجنة الرب، وهكذا أيضًا يشبه الإنسان الأول قبل السقوط في جنة عدن بجنة مثمرة.
عاش أبوانا آدم وحواء في جنة عدن، التي دُعيت جنة الرب، حيث كانت كل الطبيعة في خدمتهما، يتمتعان بثمار الجنة، ويحملان ثمرًا روحيًا داخليًا يفرح قلب الله وقلوب السمائيين. هكذا كان الله مشتاقًا أن تبقى البشرية دومًا في شبع دائم، تفيض بالثمر، فتكون هي ذاتها جنة الرب المثمرة. يناجي الرب النفوس المقدسة له فيقول: "أختي العروس جنة مغلقة عين مقفلة ينبوع مختوم، أغراسك فردوس رمان مع أثمار نفيسة فاغية وناردين، ناردين وكركم، قصب الذريرة وقرفة مع كل عود اللبان". وتناجيه النفوس قائلة له: "ليأت حبيبي إلى جنته ويأكل ثمره النفيس" (نش12:4-16).
هكذا يرى الإنسان في أعماقه "جنة الرب" التي يأكل الرب منها الثمر النفيس ويشتم فيها روائح طيبة، بل ويدعو السمائيين ليتمتعوا بجنته هذه قائلاُ: "قد دخلت جنتي يا أختي العروس، قطفت مُرّي مع طيبي، أكلت شهدي مع عسلي، شربت خمري مع لبني. كلوا أيها الأصحاب، اشربوا واسكروا أيها الأحباء" (نش1:5).
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
اخرج من مصر!

إن كانت مصر في عصر الآباء ترمز إلى الإنسان قبل الخطية، يعيش كما في جنة الرب، ويحمل في أعماقه جنة مثمرة مفرحة، لكنها في نفس الوقت تمثل بركات الرب الزمنية التي إن تعلق بها الإنسان دون واهبها تفقد الجنة طبيعتها. كل البركات الزمنية هي هبات إلهية مجانية، نشكر عليها الله واهبها، فننشغل به كواهب العطايا لا بالعطايا نفسها.
لقد خشي الله على أولاده من التعلق بخيرات مصر، فطلب منهم الخروج منها أو عدم الالتجاء إليها. فعندما حدث جوع في أيام إسحق، "ظهر له الرب وقال: لا تنزل إلى مصر. اسكن في الأرض التي أقول لك. تغرّب في هذه الأرض، فأكون معك وأباركك..." (تك2:126،3).
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
مخازن الله في مصر


كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
دخل يوسف مصر كعبدٍ، وكعبدٍ بارك بيت فوطيفار، وأُلقي في السجن ظلمًا فخدم المسجونين والمطرودين والمرذولين، وأخيرًا إذ دخل قصر ملك مصر أقام المخازن لتشبع المصريين والأجانب في فترة سنوات المجاعة، فأنقذهم من الموت.
ألم يكن ذلك نبوة عن عمل المسيح في كنيسته بمصر، فإنه إذ صار عبدًا من أجلنا حوّل حياتنا إلى الحب لنشاركه روح التواضع والحب والخدمة،دخل كنيستنا كيوسف ليُقيم فيها مخازن الحب والروحانية الحقيقية عبر الأجيال، لكي يجد كل مؤمن فيها ما يشبعه فلا يموت جوعًا.
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
* وهبت مصر نيلها العظيم،
حوِّلها كما إلى جنتك المثمرة.
لتهب لي نهر روحك القدوس،
يفيض بمياهك في أعماقي،
وتتحول بريتي الداخلية إلى جنتك المثمرة!
* لتنطلق يا حبيبي إلى جنتك،
فتجد في داخلي ثمر روحك القدوس.
لتأكل وتشرب،
فإن كل ما في داخلي هو من عمل يديك!
لتحرسها بنار حبك فلا يحطمها العدو!
  رد مع اقتباس
قديم 13 - 05 - 2014, 03:19 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,703

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي

مصر والخروج

مصر وعنف فرعون

قلنا أن مصر في المرحلة الأولى ترمز إلى حياة الإنسان الساكن في جنة عدن، بل وكان قلبه جنة مثمرة، أما في المرحلة التالية حيث قام فرعون يضطهد شعب الله، فإنها صارت تمثل الإنسان العنيف المُستعبد لإبليس وجنوده.
قصة سقوط الشعب اليهودي تحت العبودية، والتزامهم بالعمل في الطين وصنع اللبن وذلهم تحت يد فرعون القاسية، ثم خروجهم من مصر بيد الله القوية وذراعه الرفيعة ليس حدثًا عارضًا أو حدثًا من بين آلاف الأحداث التي ذكرها الكتاب المقدس، وإنما هو حدث رئيسي ذُكر في سفر الخروج، وأُشير إليه في كثير من أسفار الكتاب المقدس. الخروج من مصر، لم يشغل موسى النبي وحده بل ورد في الأسفار التاريخية والمزامير وكتب الأنبياء، ويردد كثيرًا في ليتورجيات الأعياد اليهودية والتسابيح التي كانت تُقدم في الهيكل. قصة الخروج هي ظل لقصة الخروج الحقّة التي تممها السيد المسيح على الصليب، حيث أطلقنا من العبودية إبليس ودخل بنا إلى حضن أبيه، في كنعان السماوية.
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
الخروج من مصر والتمتع بعهد الحرية المفرح

إذ سقط الشعب تحت السخرة وصاروا يعانون من عبودية فرعون كرمزٍ للسقوط تحت عبودية إبليس، أرسل الله نبيّه موسى لكي يحررهم من هذه العبودية. كانت الدعوة موجهة للتحرر من عنف إبليس والدخول في عهد مفرح مع الله، يحول حياتهم إلى أعيادٍ مستمرة للرب. وكما قال موسى وهرون لفرعون: "هكذا يقول الرب إله إسرائيل أطلق شعبي ليُعيدوا لي في البرية" (خر1:5).

كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
هذا هو العهد الذي أراد الله أن يُقيمه مع شعبه، عهد الحرية، خلاله ينعم الشعب بالحياة المطوّبة المفرحة كعيدٍ دائمٍ، وبدونه يسقطون تحت لعنة إبليس. وكما قال الرب بإرميا: "ملعون الإنسان الذي لا يسمع كلام هذا العهد، الذي أمرت به آباءكم يوم أخرجتهم من أرض مصر من كور الحديد" (إر4:11). وكما يقول العلامة أوريجينوس:
[إذًا لا تقع هذه اللعنة علينا نحن، وإنما تقع على أولئك الذين لم يسمعوا كلام العهد الذي أمر الله به الآباء، "يوم أخرجتهم من أرض مصر من كور الحديد".
نحن أيضًا، أخرجنا الله من أرض مصر [1]، ومن كور الحديد، خاصة إذا فهمنا ما هو مكتوب في سفر الرؤيا، أن الموضع الذي صُلب فيه الرب ُيدعى روحيًا سدوم ومصر (رؤ8:11). إذًا إن كان يدعى روحيًا مصر، فمن الواضح أنه لو فهمت ما هو مقصود بالبلد التي ُتدعى روحيًا مصر والتي كنت تعيش فيها قبلًا، تكون قد خرجت من أرض مصر، وُيقال لك أيضًا بعد ذلك: "اسمعوا صوتي واعلموا به حسب كل ما آمركم به". [2]]
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
الخروج من مصر والتمتع بعهد عملي للراحة

شتّان ما بين العمل بالسُخرة تحت يد إبليس (فرعون) العنيفة التي لا تعرف الرحمة، والخروج إلى العمل حسب العهد الإلهي واهب الراحة. فالخروج من مصر حمل مفهومًا جديدًا للراحة، إلا وهو العمل في دائرة الرب وبروحه ولحسابه.
غاية هذا العهد أن ُيخرجهم كما من كور مصر، من وسط النيران ليدخل بهم إلى ندى راحته. عتقهم من المسخرين العنفاء، لا ليعيشوا في رخاوة بلا عملٍ، إنما لينالوا بركة العمل. بمعنى آخر خرجوا من كور المسخرين ليقبلوا العمل لحساب الله حسب إرادته، لا كثقلٍ يلتزمون به كرهًا، بل بركة من قبل الله. إذ يقول: "واعملوا به حسب كل ما آمركم به" (إر4:11)... يستبدل عمل السخرة المرّ بالعمل لحساب الله الممتع!
جاء في إرميا: "كلام هذا العهد الذي أمرت به آباءكم يوم أخرجتهم من أرض مصر من كور الحديد، قائلًا: اسمعوا صوتي" (إر4:11، 5). كور الحديد هي فرن ترتفع فيها الحرارة جدًا لصهر الحديد، الأمر الذي لا تحتاج إليه كثير من المعادن. بينما يُمكن صهر النحاس في درجة حرارة 800 ف، لا ُيصهر الحديد إلا عند درجة 1535 ف. يشبه خروجهم من مصر كمن يخرج من النار، من كور الحديد، لا ليعيِّرهم بأنه خلصهم من النار، وإنما بعد إخراجهم يطلب الدخول معهم في العهد. كأن الله لا يستغل ضيقتهم ليأمر وينهى، وإنما ليدخل معهم خلال الحوار الودي في عهد أبوي مملوء حبًا. في هذا العهد يقدم نفسه إلهًا منسوبًا لأولاده: "فتكونوا لي شعبًا، وأنا أكون لهم إلهًا" (إر4:11).
* ما دامت مصر هي كور حديد (إر4:11، تث 20:4)، فهي تشير رمزيًا إلى كل مجالٍ أرضى.
يليق بكل من يهرب من شر الحياة البشرية دون أن يحترق بالخطية أو يمتلئ قلبه بالنار ككورٍ أن يقدم تشكرات ليس بأقل من الذين ُيختبرون بالنار [3] كندى [4].
العلامة أوريجينوس
عند خروج الشعب من مصر قدم الله لشعبه عهدًا خلاله يتمتعون بالراحة، وذلك بتحولهم من العمل لحساب فرعون إلى العمل لحساب ملكوته على الأرض. أما عند خروجنا خلال الصليب فقد قدم لنا الرب عهدًا جديدًا سجله بدمه الإلهي منقوشًا في جسده الطاهر، لنتمتع براحة أعظم، حيث يصير لنا حق الدخول إلى السماء، والشركة مع السمائيين في أعمالهم وتسابيحهم.
* قال الله بوضوح (خلال أنبيائه) أن شرائع موسى (الطقسية) تنتهي وتقوم شريعة جديدة يقدمها المسيح: "ها أيام تأتى يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا، ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب" (إر31:31،32)،لقد وعد بعهد جديد، وكما قال الحكيم بولس: "فإذ قال جديدًا عتق الأول، وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال" (عب 13:8). فإذ شاخ القديم كان بالضرورة أن يحتل الجديد موضعه، وقد تحقق هذا لا بواسطة أحد الأنبياء القديسين بل بالأحرى بواسطة رب الأنبياء [5].
القديس كيرلس الكبير
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
* خطيتي طردتني من جنة عدن.
في مجاعتي هربت إلى مصر لأشبع وأستريح.
أذلني فرعون بعنفه وقسوته.
حطمني إبليس القاتل.
من يحررني من عبوديته؟!
* أطلقني من أسر الخطية،
فأدخل معك في عهد أبوي سماوي.
أجد فيك راحتي يا مخلص العالم.
  رد مع اقتباس
قديم 13 - 05 - 2014, 03:22 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,703

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي

مصر في عصر الأنبياء

في بداية قيادة موسى لشعبه وتحريرهم من عبودية فرعون لم يكن قد تسلم الشعب بعد الشريعة، فكان الكل خاضعًا للناموس الطبيعي. يكشف هذا الناموس عن عناد الإنسان ومقاومته لكل قيادة روحية صادقة. أما وقد تسلم الشعب الناموس الموسوي، واستقر في أرض كنعان، وصار له ملوك كسائر الأمم، نسي عهده مع الله. رفض كل حكمة سماوية ليسلك بالفكر البشري مجردًا عن كل قيادة روحية صادقة.
في هذه الفترة الطويلة أرسل الله سلسلة من الأنبياء كشفوا عن خطورة ارتباط الشعب بمصر بكونها رمزًا لخطيتين خطيرتين هما خطية الاتكال على الذراع البشري للخلاص من العدو المقاوم لهم وهو أشور، وفيما بعد بابل، وخطية محبة العالم.
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
الخروج من مصر والاتكال على الذراع البشري

إن كانت مصر في أيام موسى تمثل عنف الخطية وسطوتها على حياة الإنسان فتذله وتنزل به إلى الوحل ليعمل في اللبْن عِوض أن ترتفع نفسه إلى السماء ويتهلل قلبه بالأمجاد الأبدية، فمن جانب آخر إذ دخل الشعب أرض الموعد وظهرت قوة أشور كدولة عظيمة ومن بعدها بابل، صار يحكم العالم في ذلك الوقت قوتان عظيمتان: أشور أو بابل فيما بعد شمال شرقي إسرائيل، ومصر جنوب غربي إسرائيل.
كانت القوتان تتنازعان على السلطة على العالم المعروف في ذلك الحين، وكانت إسرائيل ويهوذا في الوسط كلما تحرك جيش من القوتين تجاه الدولة الأخرى يعبر بإسرائيل ويهوذا ويخرّبهما، فكانتا أشبه "بسندوتش" يتشاجر الاثنان على أكله. يحسب المنطق البشري كان يليق بإسرائيل ويهوذا أن تتحالفا مع قوة منهما للحماية من القوة الأخرى، فكان الملوك يتأرجحون، تارة يتحالفون مع أشور أو بابل ضد مصر، وأخرى مع مصر ضد أشور أو بابل.

كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
ففي أيام إرميا النبي كان رجال يهوذا: الملوك ورجال السياسة وكل القيادات مع الشعب حتى الدينية، يميلون إلى التحالف مع مصر ضد بابل. وكان صوت الرب على لسان إرميا أن النصرة ليست بالتحالف مع مصر والاتكال على ذراع بشري، بل بالتوبة والرجوع إلى الله، واهب الغلبة. أُتهم إرميا بالخيانة الوطنية والتحالف سرًّا مع العدو بابل، وتثبيط همم الشعب والجيش!
في بدء رسالة إرميا (626 ق.م) كانت أشور في الوادي الشمالي للفرات سيدة العالم لمدة حوالي 300 عامًا، وكانت عاصمتها نينوى. ولم يكن أحد يتخيل قط أنه يمكن أن تنهار يومًا ما؛ وكانت مصر منذ حوالي 1000 عام قبل قيام أشور قوة عالمية تمسك زمام السلطة في العالم لكنها بدأت تنهار. في السنة التالية لخدمة إرميا (625 ق.م) أسس نبوبلاسر الدولة البابلية الجديدة (في الوادي الجنوبي لنهر الفرات)، وكانت بابل أشبه بدويلة صغيرة لا قوة لها؛ لا يتوقع أحد أنها في الطريق لاستلام سيادة العالم من أشور حيث تغرب شمسها إلى غير رجعة بعد سقوط نينوى عام 612 ق.م، ونصرتها على فرعون مصر.
بعد موت أشور بانيبال حلّ الضعف بأشور، فصارت عاجزة عن منع يوشيا من التحرك نحو الاستقلال والتحرر من النفوذ الآشوري. وقام أهل سميرنا والسكيثيون باقتطاع أجزاء من الإمبراطورية الآشورية. وصار بنو مادي في غرب إيران يمثلون خطرًا يهدد أشور... انتهى الأمر بانهيار أشور.
بسقوط نينوى عاصمة أشور عام 612 ق.م انتهت مملكة أشور، فبدى كأن إرميا قد أخطأ في تفسيره لمركز يهوذا السياسى، إذ حسب الكل انه لم يعد بعد هناك خطر بعد على يهوذا بعد انهيار أشور، وأن نظرة إرميا التشاؤمية غير صادقة.
في سنة 609 ق.م حشد نخو Necho فرعون مصر جيشه وتقدم لاحتلال أرض الفرات، فاحتل غزة وعسقلان وغيرهما من المدن الفلسطينية وكان هدفه مساعدة الأشوريين الذين كانوا يقومون بمحاولة مستميتة للصمود في وجه البابليين في حاران. حاول يوشيا أن يوقفه عند مجدو ربما حاسبًا أن الله يسنده في ذلك، متكلًا على وعود الأنبياء الكذبة التفاؤلية، لكنه قُتل. وبقتل يوشيا أُقيم ابنه يهوآحاز (تعنى يهوه يأخذ) أو شلوم (إر 11:22) ملكًا، وكان شريرًا. خلعه فرعون نخو بعد ثلاثة شهور وأسره في ربلة، ثم أخذه إلى مصر، وأقام أخاه يهوياقيم (تعنى يهوه يقيم) أو الياقيم عوضًا عنه.
في سنة 605 ق.م، أي السنة الرابعة من حكمه، تغلب نبوخذنصر على نخو فرعون مصر في معركة كركميش Carchemish (إر 46:1، 2)، فاضطر يهوياقيم أن يحّول ولاءه وخضوعه لمصر إلى بابل، لكن ظل قسم ليس بقليل من الشعب يفضل الخضوع لمصر للجهاد معها ضد بابل، ويبدو أن يهوياقيم نفسه كان يميل إلى هذا، لكن إرميا حذر من ذلك.
لما قُتل جدليا حث إرميا النبي الشعب ألا يهربوا إلى مصر، لكن عبثًا حاول أن يثنيهم عن عزمهم، فلم يذهبوا هم وحدهم إلى مصر وإنما أرغموه أيضًا هو وصديقه الحميم باروخ الكاتب على موافقتهم في رحلتهم (1:41-7:43)، وهناك نطق نبواته الأخيرة في تحفنحيس بمصر (8:43-30:44). يوجد تقليد يقول إنه رُجم في مصر بسبب توبيخاته لشعبه [6].
كان الحكام والشعب في مرارة وصراع بين التحالف مع فرعون مصر والتحالف مع بابل. فالغالبية لا تطيق بابل وتتوقع هجومها بين الحين والآخر، مما دفعهم للارتماء في أحضان فرعون مصر وإن كانت خبرتهم مع الفراعنة ليست بطيبة. ويمكننا إدراك ذلك الصراع مما حدث مع الملوك الخمسة الذين عاصرهم إرميا أثناء نبوته:
أ - يوشيا الملك (626-609 ق.م): قتله المصريون عام 609 في معركة مجدو.
ب - يهوآحاز (609 ق.م): أقامه فرعون عوض أبيه وخلعه بعد ثلاثة شهور (2 أي 2:36).
ج - يهوياقيم (609-597 ق.م): أقامه فرعون عوض أخيه، وبقي مواليًا له لمدة أربع سنوات، وإذ غلب نبوخذنصر فرعون خضع لبابل، وكان موته غامضًا.
د - يهوياكين (597 ق.م): بعد إقامته ملكًا عوض والده بثلاثة شهور أخذه نبوخذنصر أسيرًا.
ه - صدقيا (597-587 ق.م): أقامه نبوخذنصر عوض ابن أخيه. كان في صراع بين ولائه لسيده في بابل وبين محاولته إرضاء الشعب الذي مال إلى فرعون مصر لحمايته من بابل، متطلعين إلى يهوياكين الأسير في بابل كملكٍ شرعى،تحالف صدقيا قلبيًا مع فرعون، فسباه ملك بابل بعد أن فقأ عينيه وسبى أورشليم ويهوذا (1:39-7).
هذه صورة مختصرة تكشف كيف كان يهوذا بين حجري رحى، وعوضًا عن الالتجاء إلى الله بالتوبة للتمتع بالخلاص اتكأ على هذا أو ذاك.

كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
"دعا (إرميا) يوحانان بن فاريح وكل رؤساء الجيوش معه وكل الشعب من الصغير إلى الكبير، وقال لهم:
... لا تخافوا ملك بابل الذي أنتم خائفوه. لا تخافوه يقول الرب لأني أنا معكم لأخلصكم وأنقذكم من يده...
وإن قلتم لا نسكن في هذه الأرض، ولم تسمعوا لصوت الرب إلهكم، قائلين: لا بل إلى أرض مصر نذهب حيث لا نرى حربًا ولا نسمع صوت بوق ولا نجوع للخبز، وهناك نسكن... هكذا ينسكب غضبي عند دخولكم إلى مصر فتصيرون حلفًا ودهشًا ولعنة وعارًا، ولا ترون بعد هذا الموضع.
قد تكلم الرب عليكم يا بقية يهوذا، لا تدخلوا مصر. اعلموا علمًا بأني قد أنذرتكم اليوم" (إر8:42-19).
صارت مصر تمثل الاتكال على الذراع البشري، لهذا كثيرًا ما يأمرنا ألا نلجأ إليها متجاهلين الاتكال على الله نفسه. مثل القول: "أما صنعت هذا بنفسك إذ تركت الرب إلهك حينما كان مسيرك في الطريق. والآن مالك وطريق مصر لشرب مياه شيحور، ومالك وطريق أشور لشرب مياه النهر" (إر2: 17،18). يقصد بمياه شيحور مياه النيل، إذ جاء في إشعياء: "وغلتها زرع شيحور حصاد النيل على مياه كثيرة فصارت متجرة الأمم" (إش 3:23). يرى القديس جيروم [7] أن كلمة "شيحور" تعنى "النهر الوحل المملوء طميًا"، وربما دُعي نهر النيل هكذا بسبب ما يحمله من طمي في فترة الفيضان.
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
الخروج من مصر والخروج من محبة العالم

كانت مصر في العهد القديم تشير إلى محبة العالم، لهذا فمن الجانب الرمزي جاء إرميا النبي يحذر المؤمنين من الالتجاء إلى فرعون مصر، أي إلى العالم في محبته المهلكة، وإنما يكون الالتجاء لله وحده الذي يحرر النفس والجسد معًا من أسر محبة العالم!
إن كانت مصر تشير إلى محبة العالم بسبب خيراتها الكثيرة، وبابل تشير إلى الكبرياء بسبب ما وصلت إليه من كرامة زمنية وسطوة، فإن المؤمن كثيرًا ما ينسحب قلبه من الاتكال على عمل الله ليشبع شهوات جسده ويحقق محبته للأرضيات، أو بسبب روح الكبرياء التي يثور فيه، وفى كليهما يحرم نفسه من الارتواء بالحق.
في الرسالة الفصحية لعيد القيامة عام 335م تطلع البابا أثناسيوس إلى فريقين يحتفلان بالعيد، فريق كالشعب القديم أراد أن ترتوي نفسه من مياه النيل في مصر أو من مياه الفرات في أشور عوض أن ترتوي من ينابيع الله الحية فصاروا في ظمأ أعظم، بينما رأى فريق آخر في المسيح المصلوب القائم من الأموات كل شبعه، فقال:
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
[أنتم تعلمون أن للخطية خبزها الخاص أيضًا -خبز موتها- لهذا فهي تدعو محبي اللذة الذين بلا إفراز، قائلة: "المياه المسروقة حلوة، وخبز الخفية لذيذ" أم 17:9. من يلمسهما لا يدرك أن الذين يرتبطون بالأمور الأرضية يهلكون مع الخطية.
"لماذا تركضين لتبدلي طريقك؟!
من مصر أيضًا تخزين كما خزيت من أشور؛
من هنا أيضًا تخرجين ويداكِ على رأسك،
لأن الرب قد رفض ثقاتك فلا تنجحين فيها" (إر2: 36،37).
لقد أبدلت ثقتها فأحلت مصر عوض أشور لكي تحميها، لكنها كمن هي في مأتم قد مات من يعولها، فتضع يديها على رأسها لتندب من اتكلت عليه، لقد تحطمت كل خطتها البشرية. كما يشير وضع اليدين على الرأس إلى السبي، حيث غالبا ما ُيقاد المسبيون إلى أرض السبي بهذه الصورة.
من الجانب الرمزي تمثل مصر حياة الرخاوة والترف ومحبة العالم، وذلك بسبب كثرة خيراتها. وتمثل بابل العصيان والكبرياء ضد الله وشعبه. لهذا بُدأت نبوات إرميا عن الأمم بمصر لتمثل حياة الرخاوة المفسدة للنفس وانتهت ببابل التي تمثل تمرد النفس وعجرفتها. بدأ بمصر وختم بابل لأنه غالبًا ما يركز الإنسان فكره على البداية والنهاية فيعطيهما الأولوية والاهتمام في الدراسة والفحص. بدأ بمصر لأنها وإن خضعت للتأديب القاسي لكنها تعود وتقبل عمل الله الخلاصي، فتسمع الوعد الإلهي: "مبارك شعبي مصر" (إش 25:19)، فصارت تمثل كنيسة الأمم التي جاء إليها الرب راكبًا على سحابة سريعة (إش 19:1)، أما بابل فتمثل مملكة ضد المسيح فنسمع في سفر الرؤيا الصرخة: "سقطت، سقطت بابل العظيمة، فصارت مسكنًا للشياطين ومحرسًا لكل روحٍ نجس..." (رؤ 2:18).
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
الخروج من مصر والخروج من الرجاسات

في مصر حيث نبتت هذه الأمة وهذا الشعب كانت أصنام مصر ترعى في داخل قلوبهم. لقد كشف الرب سرّ عبوديتهم في مصر، وهو ليس قساوة قلب فرعون إنما انحراف قلب الشعب: "قلت لهم اطرحوا كل إنسان منكم أرجاس عينيه، ولا تتنجسوا بأصنام مصر، أنا الرب إلهكم، فتمردوا عليَّ" (حز7:20،8). في الوقت الذي كان الله يهيئ لهم الأرض التي تفيض عسلا ولبنا "فخر كل الأراضي" (حز6:20)، رفضوا طرح أرجاس عيونهم والتخلي عن الأصنام، ومع هذا لم يسخط عليهم في أرض مصر بل أخرجهم بقوة لأجل اسمه القدوس (حز9:20)، حتى يتمجد فيهم وسط الأمم. هكذا يهتم الله بالإنسان منذ خلقته، بل دبر خلاصنا وعبورنا من عبودية الخطيئة والدخول بنا إلى أحضانه، فردوس الحق الذي يفيض للنفس عسلا ولبنًا، بينما يولد الإنسان وميكروب العصيان يسرى في دمه. التمرد طبيعة ورثناها عن عصيان أبوينا الأولين، لهذا يحتاج إصلاحنا إلى تغيير شامل لطبيعتنا.
أطال مدة سياحتهم في البرية أربعين عامًا لكي ينسوا أصنام مصر التي حملوها معهم في قلوبهم، ودخل بهم إلى أرض جديدة، إذا بهم يتبنون العبادة الوثنية التي لهذه البلاد، فصاروا يقيمون عبادتهم على المرتفعات كأهل المنطقة. بدلا من أن يكونوا شعب الله المقدس يمجدون الله في وسط الأمم، ساروا وراء نجاسات الأمم.
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
* لتحرر نفسي من الاتكال على كل ذراع بشري،
فأنت هو حصني وقوتي ونصرتي.
فيك احتمى، وبك انتصر وأتكلل!
* لتحرر أعماقي من محبة العالم وشهواته، فأنت شهوة قلبي!
أنت لذة نفسي، أنت طعامها السماوي!
أنت هو بريّ!
أنت تسبحتي وفرحي الأبدي!
  رد مع اقتباس
قديم 13 - 05 - 2014, 03:24 PM   رقم المشاركة : ( 5 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,703

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي

نبوات إرميا عن مصر

انهيار الذراع البشري وتقديسه

تمثل مصر في عصر الأنبياء الاتكال على الذراع البشري والحكمة البشرية عِوض الالتجاء إلى الله، وطلب الحكمة السماوية في كل عمل. لهذا جاءت نبوات الأنبياء تُعلن انهيار الذراع البشري الذي نتكئ عليه، لا ليبقى محطمًا، وإنما لكي يقدسه. هكذا تنبأ الأنبياء عن دمار مصر التي اعتمد عليها الشعب، ليعودوا فيعلنوا عن عمل الله مع مصر حيث تبرأ من أمراضها الروحية وتتقوى بذراع الرب وتتقدس لحسابه. فما يلي عرض سريع لهذه النبوات.
تبرز شجاعة إرميا الذي حُمل مع كاتبه باروخ قسرًا إلى مصر، في بلدٍ غريبٍ، ولم يكن معه أحد يقف بجواره سوى باروخ. ومع هذا نطق بنبواته بكل جرأة ضد فرعون مصر وضد اليهود الهاربين إليها، مؤكدًا سقوط مصر تحت سلطان بابل.
بالرغم من عصيانهم وذهابهم إلى مصر، لم يمنع الله عنهم النبوة، فتنبأ إرميا وهو في مصر. أنه يود أن يفتقد شعبه أينما وُجدوا. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم [8] أن الله سمح لإرميا أن يُحمل مع الشعب إلى مصر، لأنهم وإن كانوا قد عصوا صوت الرب بإصرار شديد، لكنه لم يتركهم في عنادهم. حملوا إرميا ليعلن الصوت الإلهي ولو بغير إرادتهم حتى لا يهلكوا تمامًا.
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
أولًا: سقوط مصر

"أصعدي إلى جلعاد وخذي بلسانًا يا عذراء بنت مصر. باطلًا تكثرين العقاقير. لا رفادة لكِ. قد سمعت الأمم بخزيكِ، وقد ملأ الأرض عويلكِ، لأن بطلًا يصدم بطلًا فيسقطان كلاهما معًا" (إر46: 11-12).
إذ سقط جيش فرعون لم يعد يرى النبي في الجيش أبطالًا، بل رآه كله أشبه بفتاة، أو ببنتٍ ضعيفة مجروحة، جراحاتها خطيرة لا يُرجى شفاؤها. لقد عُرفت مصر القديمة بنبوغها وتقدمها في الطب، خاصة الطب النباتي. حاليًا تقوم دراسات مكثفة حول هذا الطب. لكن يرى النبي أن عقاقير مصر وخبراتها الطبية عجزت عن تقديم الشفاء لجيشها الجريح. صاروا في خزي وامتلأت الأرض من صراخاهم حيث يتعثر بطل في بطلٍ ويسقط الكل معًا.
أين العلاج؟ في جلعاد حيث تجد البلسان! عليها أن تصعد إلى هناك فتنال الشفاء! إنها في حاجة إلى روح الله القدوس الذي وحده يمسك بيد البنت الأممية ليصعد بها من وحل هذا العالم وفساده إلى كنيسة المسيح، جلعاد الحقيقية، هناك تجد السيد المسيح، البلسان الروحي واهب الشفاء.
إنها دعوة موجهة إلى الأمم التي يُرمز لها بمصر لتترك عقاقيرها الكثيرة وتلجأ إلى كنيسة المسيح، هناك تتحد مع المخلص الذي يضمد جراحات النفس ويشفيها [9].
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
ارتفاع اسم بابل على حساب مصر


كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
"حيّ أنا يقول الملك رب الجنود اسمه كتابور بين الجبال، وككرمل عند البحر يأتي" (إر 46: 18). لقد ظن فرعون انه سيحطم بابل، وينزل بملكها إلى الهاوية، فإذا بهزيمة مصر تجعل من بابل الإمبراطورية العظمى الوحيدة في العالم، فيصير اسمها مشهورًا جدًا كشهرة جبل تابور وسط جبال كنعان، وكشهرة الكرمل عند البحر. أكد الله الملك رب الجنود بقسمٍ أن هذا يتحقق فعلًا وليس تهديدًا.
يبدو أن إرميا النبي رأى في نبوخذنصر الذي غزا مصر بقوة جبلًا عاليًا يرتفع فوق السهل. إنه مثل جبل تابور الذي يرتفع حوالي 1800 قدمًا كجبلٍ منفردٍ في سهل يزرعيل في شمال إسرائيل، أو مثل جبل الكرمل عند البحر الذي تبلغ قمته حوالي 1700 قدمًا وينحدر سفحه الغربي بحدة نحو البحر المتوسط [10].
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
ثانيًا: صارت مصر بنتًا عاجزة عن التصرف

"اصنعي لنفسك أهبة جلاء أيتها البنت الساكنة مصر، لأن نوف تصير خربة وتحرق فلا ساكن" (إر19:46)،جاءت الضربة قاضية في هذه المرة، حيث حُطمت مصر كلها، خاصة المدن الكبرى. يصور مصر بفتاة مسبية لا تقدر على الدفاع عن نفسها أو الهروب من الذين أسروها، هذا عن جيشها العظيم وملكها فرعون المتشامخ، أما عن الأرض فصارت نوف وهى من المدن الكبرى خرابًا، أحرقتها النيران، لا يقطنها إنسان.
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
ثالثًا: صارت مصر كعجلة مسمنة لا تصلح إلا للذبح

"مصر عجلة حسنة جدًا. الهلاك من الشمال جاء جاء" (إر20:46). لماذا يشبه مصر بالعجلة الحسنة جدًا؟ لقد ظن فرعون بجيشه -الذي من بين معبوداته الرئيسية عجل أبيس- أنه قادر أن يخلص شعب يهوذا الذي في نظره يعجز الله رب الجنود عن إنقاذه. لم يدرك فرعون أنه قد حول بهذا الفكر مصر إلى عِجلة تحمل الصورة الحسنة جدًا، وذلك بسبب شهرتها في العالم كله، وقوة جيشها، وإمكانياتها من جهة الخيول والمركبات وكل العدة الحربية. لكنها عجلة سمينة عاجزة عن أي عمل، لا تصلح إلا للذبح، يأتي الذين من الشمال (بابل) ليذبحوها. لقد حوَّل العجل أبيس عابديه إلى عجلة حسنة جدًا تؤكل وتستهلك فلا يكون لها حياة!
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
رابعًا: حوَّلت حلفاءها والجنود المرتزقة إلى عجول سمينة

"أيضا مستأجروها في وسطها كعجول صيرة، لأنهم هم أيضا يرتدون يهربون معًا. لم يقفوا لأن يوم هلاكهم أتى عليهم وقت عقابهم" (إر21:46). لم تصر مصر الوثنية وحدها عجلة كمعبودها عجل أبيس، وإنما حولت مستأجريها أي القوات المرتزقة الأجيرة والتي حلت في وسطها وشاركتها عبادة العجل إلى عجول صيرة أي سمينة. جاءوا للدفاع عنها مع جيشها فصارت ذبائح سمينة للقتل.
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
خامسًا: صارت حركتها كحفيف الحية

"صوتها يمشي كحية لأنهم يسيرون بجيش وقد جاءوا إليها بالفؤوس كمحتطبي حطب" (إر22:46). استخدم إرميا النبي تشبيه الحية الخارجة من الغابة لتُضرب بالفؤوس. كان للحية مكانة عالية بين الآلهة عند المصريين. إنها عاجزة ليس فقط عن حماية العابدين لها، بل وحتى عن حماية نفسها.
إذ تحرك الجيش، المشاة مع الفرسان والمركبات وكانت الأصوات رهيبة ومرعبة... نظر إليه النبي فرآه أشبه بحية خارجة من وسط الغابة تزحف بصوت ضعيف للغاية يصعب سماعه، تسقط تحت ضربات لا فأس محتطبٍ واحدٍ بل عدة فؤوس لقاطعي الأخشاب! إنه يسخر بهذا الجيش العظيم الذي بكل إمكانياته لا يزيد عن صوت تحرك حية عاجزة أمام فؤوس كثيرة.
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
سادسًا: صارت كشجرة تسقط تحت ضربات فؤوس كثيرة

"يقطعون وعرها يقول الرب وإن يكن لا يحصى لأنهم قد كثروا أكثر من الجراد ولا عدد لهم" (إر46: 23). إنها تعجز عن أن تقاوم أو حتى تشتكي المعتدين عليها. تنهار عليها الفؤوس غير المحصية لتسقط وتتحطم إلى قطع خشبية صغيرة لا تصلح إلا للنيران. إن كانت الشجرة تستطيع أن تصرخ أمام ضاربيها بالفؤوس، يمكن لفرعون أن يرفع صوته مشتكيًا نبوخذنصر.
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
سابعًا: صارت كفتاة بيعت لشعبٍ معادٍ لها.

"قد أخزيت بنت مصر ودفعت ليد شعب الشمال" (إر46: 24).
"قال رب الجنود إله إسرائيل: هأنذا أعاقب أمون نو وفرعون ومصر وآلهتها وملوكها فرعون والمتوكلين عليه. وأدفعهم ليد طالبي نفوسهم وليد نبوخذراصر ملك بابل وليد عبيده" (إر25:46-26).
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
* متى أراك في كل ذراع بشري!
أراك فأمجدك،
ولا أتكل على الأذرع البشرية بل على خالقها.
* ليسقط كل ذراع بشري أتكل عليه.
أراه جريحًا ليس من طبيب يشفيه غيرك،
ولا من دواء يصلح له إلا دمك!
* ليصر سندي البشري كفتاة مسبية،
إن لازمتها ينتابني معها الضعف والمذلة.
* ليصر كعِجْلة مسمنة عاجزة عن العمل،
لا تصلح إلا للذبح.
إن التصقْتُ بها أهلك معها.
* لأهرب من كل اتكال على ذراع بشري،
كمن يهرب من الحيّة الخارجة من الغابة،
لئلا تضرب رأسي مع رأسها بفؤوس محتطبي الحطب!
* هب لي ألا أتكئ على ذراع بشري.
فإنها كشجرة تسقط بضربات فؤوس كثيرة.
* لتكن أنت متكلي،
طبيبي ودواء نفسي واهب الشفاء.
قوتي ومحرري من كل ذلٍ.
سندي، بك أعمل عملك بقوة فلا أهلك.
عوض الحية أقتنيك يا من قتلت الحية بصليبك.
أتمتع بك يا من علِّقت على شجرة الصليب،
فلا يقدر عدو أن يقترب إليّ!
  رد مع اقتباس
قديم 13 - 05 - 2014, 03:27 PM   رقم المشاركة : ( 6 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,703

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي

نبوات حزقيال النبي عن مصر

سبق إرميا النبي فأنذر يهوذا من الاتكال على الذراع البشري (مصر) مشبهًا إيّاها تارة بالفتاة المسبية، وأخرى بالعجلة المسمنة للذبح، وكالحية الخارجة من الغابة فتقتلها فؤوس الحطّابين، والشجرة التي تحطمها الفؤوس. الآن يحذر حزقيال النبي الشعب المسبي في بابل من الالتصاق برجاسات العبادة الوثنية المصرية.
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
أولًا: النسران العظيمان (حز17)

يشبِّه الله مصر وبابل بنسرين عظيمين، يرسلهما الله على شعبه لتأديبهما. والعجيب أنه يقدم نفسه كنسورٍ تحملهم بالحب إلى الأحضان الإلهية، قائلاُ: "وأنا حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إليّ" (حز4:19).
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
ثانيًا: فرعون التمساح الكبير

يعتمد فرعون مصر مع رجاله على نيل مصر الذي جعل مصر خصبة، لهذا شبهه بالتمساح الكبير الرابض في وسط أنهاره (حز3:29) فقد اشتهر نهر النيل بالتماسيح. يظن فرعون أنه خالق النهر لحساب نفسه، يجلس في النهر كما في عرشه ليدافع عن الأمم المحيطة به المتحالفة معه. دعا الله فرعون "التمساح الكبير"، ربما لأن المصريين قد عبدوا التماسيح فصاروا تماسيح، ودُعي ملكهم "التمساح الكبير". من يعبد الحجارة يصير حجرًا، ومن يعبد الباطل يصير باطلًا، ومن يعبد الله الحق يصير "حقًا" ويتمتع بشركة الطبيعة الإلهية.
ماذا يفعل الله مع هذا التمساح المتكبر الذي يظن أنه خالق النهر لحساب ذاته؟! يقول: "أجعل خزائم في فكيك، وألزق سمك أنهارك بحرشفك، وأطلعك من وسط أنهارك، وكل سمك أنهارك ملزق بحرشفك. وأتركك في البرية أنت وجميع سمك أنهارك. على وجه الحقل تسقط فلا تجمع ولا تُلم. بذلتك طعامًا لوحوش البرية ولطيور السماء" (حز4:29،5).
إذ ظن بكبرياء قلبه أن ما فيه من قوة ورخاء إنما هو صنعة يديه، لهذا يحرمه من هذه النعم، ويطرده من وسط أنهاره، ليموت كما تموت السمكة خارج المياه. وإذ ظن أن كل شيء إنما خُلق لخدمته، يعمل الكل لحسابه، لهذا يُلقى في البرية، يموت وليس من يسأل عنه ولا من يدفنه، يصير فريسة لوحوش البرية وطعامًا لطيور السماء! وإذ جمع حوله الكثيرين يحتمون به أو يحاربون معه يصيرون كالسمك الملتصق بحراشيفه، سواء كانوا أممًا أو قوادًا، أو مركبات أو جيشًا، ينالون نفس مصيره. هكذا يفقده الكبرياء خيراته وكرامته بل وحياته، ويذل حتى الملتصقين به المتكلين عليه. وقد قيل إن فرعون هذا خرج ليحارب أهل القيروان الذين طردوا صديقه أريكيوس Aricius ملك ليبيا، ويرده إلى ملكه، لكن المصريين ثاروا عليه في غيبته فلم يعد هو ولا قواده إلى مملكته وألقى في البرية معهم.

كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
عين تمساح، لوياثان
ومما يلاحظ هنا أن تأديب فرعون والسمك الملتصق بحراشيفه كان بتركهم يموتون في البرية لتأكلهم وحوش البرية وطيور السماء، هذه أبشع ميتة يكرهها المصريون الذين كانوا يخافون على الجثمان، وبنوا السراديب لحفظها حتى متى عادت الروح تلبس جسمها مرة أخرى.
هذا هو عمل الكبرياء في حياة إبليس الذي كان ينتسب إلى أكبر طغمة سمائية، ففقد بكبريائه السماء ليسقط إلى الهاوية، وعوض الصداقة الإلهية دخل في العداوة مع الله، وعوض المجد السماوي دخل إلى الذل الدائم، تحطم وحطم معه كثيرين من ملائكته وأيضًا من البشريين! بذات الداء، سقط أبوانا الأولان من الفردوس وحُرما من الوجود الدائم في الحضرة الإلهية، وورَّثا نسليهما كل تعب وشقاء! لقد طُردنا من نهر الحياة، وألقينا في برية هذه الحياة لنموت روحيًا ونصير غنيمة لكل وحوش البرية (شيطان الظلم والقسوة) وطيور السماء (شيطان الكبرياء).
في الاصحاح 32 يقول: "أشبهت شبل (أسد) الأمم وأنت نظير تمساح في البحار" (حز2:32). ظن في نفسه أسدًا يحمى الأمم من ملك بابل ولم يدرك أنه مجرد تمساح حبيس نهره، لا يقدر أن يخرج من أرض مصر لينقذ أورشليم أو غيرها من يدَّىْ بابل. لقد ظن أنه قادر على الإنقاذ فأثار ملك يهوذا، وعندما حوصرت أورشليم لم يقدر أن يخلصها، صار كمن يعكر الماء برجليه فلا يستريح ولا يترك غيره في راحة. هذا هو "التمساح الكبير الرابض في وسط أنهاره".
في الأصحاح 29 كان التمساح الكبير يفتخر بنفسه قائلا: "نهري لي وأنا عملته لنفسي" (حز3:29). هذه الروح المتعجرفة لم تحطم التمساح وحده بل حطمت السمك المتعلق بحراشيفه. تدفق بأنهار كبريائه على أنهار الآخرين فعكرها برجليه (حز2:32). لهذا صارت دينونته قاسية ومرة، جلبت على غيره أيضًا الموت. فقد بسط الرب شبكته ليصطاد هذا التمساح مع الأسماك، (الشعوب) الكثيرة المقتدية به أو المتعلقة بحراشيفه (حز3:32، 4:29).
أما تأديبات الرب الواردة في الاصحاح 32 للتمساح الكبير فهي:
أ - يكرر ذات العقوبة الواردة في الأصحاح 29. إنه يخرجه من نهره، موضوع افتخاره وعجرفته، ويطرحه على الأرض اليابسة ليموت مع السمك المتعلق به، ويصير فريسة لطيور السماء وحيوانات البرية.
ب - إذ يعتز هذا التمساح الكبير بنيله وما يجلبه من فيضان يعطى خصوبة للأرض ويغنيها بالخيرات، لهذا عوض فيضان الماء يفيض الله بدم التمساح على الأرض حتى يبلغ إلى الجبال وتمتلئ منه الوديان (حز6:32). يحول الكبرياء الماء دمًا، فينسكب دم المتكبر يحمل رائحة موت يشمئز منها الكل: الجبال العالية كما الوديان المنخفضة. عوض كلمات الافتخار التي تجتذب الكثيرين ليحتموا فيه، تفوح رائحة الموت فينفر الكل منه.
ج - إذ يخرج دمه منه يصير هذا التمساح الكبير جيفة نتنة ملقاة على الجبال وفي الأودية. بعد أن كان يظن في نفسه سندًا للآخرين إذا به يصير ثقل نتانة يريد الكل أن يتخلص منه. يصيره هو ومن حوله "أسرى" في أراضٍ لا يعرفونها (حز9:32).
د - لا تقف دينونته عند هلاكه هو. وهلاك الشعوب المتعلقة به، وتحويل مياه النهر إلى دم مميت، وصيرورته ثقلا تريد الجبال والأودية التخلص من جيفته النتنة، وإنما تبلغ فاعلية كبريائه إلى الشمس والقمر والكواكب الأخرى، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.إذ قيل: "وعند إطفائي إياك أحجب السموات وأظلم نجومها، وأغشى الشمس بسحاب، والقمر لا يضئ ضوءه. وأظلم فوقك كل أنوار السماء المنيرة، وأجعل الظلمة على أرضك يقول السيد الرب" (حز7:32،8).
إنها صورة مرة لعلامات النهاية كما أعلنها السيد المسيح نفسه (مت 29:24)، ولعلامات ضد المسيح (رؤ 12:8). كأن دينونة الإنسان المتكبر إنما هي عربون الدينونة الكبرى، وظل لعصر ضد المسيح!
ما هذه السموات التي يحجب نورها إلا فقدان الإنسان كل فكر سماوي وعدم تذوقه للحياة الأبدية؟! ما هذه النجوم التي تظلم إلا الطاقات الروحية الداخلية وحواس الجسد؟! عوض أن تكون سر استنارة داخلية بالروح القدس تصبح سر ظلمة النفس وهلاكها. يغشى الشمس بسحاب، إذ لا تعود النفس ترى مسيحها -شمس البر- مضيئًا فيها؛ ولا يضيء القمر إذ لا يكون للحياة الكنسية بعبادتها وكرازتها أثرًا عليه، أما الأرض التي تغشاها الظلمة فهي جسد الإنسان، عوض أن يكون هيكلا مقدسًا مستنيرًا بالرب يصير موضع ظلمة.
في اختصار تحطم الكبرياء الإنسان تمامًا، تفقده المسيح شمس البر، والكنيسة القمر المضىء، وتحطم طاقاته الداخلية وتفسد قلبه وجسده، وتظلم كل أفكاره! تصير السماء والأرض بالنسبة له مظلمتين، الشمس والقمر كأن لا وجود لهما؛ والنجوم تتساقط في داخله.
ه - أمام هذا الخراب الشامل للنفس والجسد كما للفكر والقلب تسري حالة من الرعب والرعدة في الشعوب الكثيرة بملوكهم، إذ قيل: "وأحير منك شعوبًا كثيرين ملوكهم يقشعرون عليك اقشعرارًا عندما أخطر بسيفي قدام وجوههم فيرجفون كل لحظة كل واحد على نفسه يوم سقوطك" (حز10:32). هلاك المتكبر يرعب قلوب الخطاة إذ يشعرون أن دينونتهم قد اقتربت.
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
ثالثًا: فرعون مصر عكاز قصب لبيت إسرائيل


كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
يشبه فرعون مصر بعكاز قصب لبيت إسرائيل (حز6:29)، فهو كالعصا لكنها من القصب (البوص) إذ يتكئ عليها الإنسان تنكسر، أما المتكئ عليها فيتمزق كتفه ويضعف. عوض أن تسنده تحطم طاقاته، كقول إشعياء النبي: "فإن مصر تعين باطلا وعبثا لذلك دعوتها رهب الجلوس" (إش7:3). لقد شجع فرعون مصر صدقيا الملك ليثور ضد بابل ويخون العهد ويحنث بالقسم، فضاع الملك وتحطمت أورشليم وكل مدن يهوذا وانهزم فرعون.
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
رابعًا: فرعون كممثل للشيطان، يومه يوم غيمٍ

حينما طلب الرب من حزقيال النبي التنبوء ضد فرعون مصر، لم يوجه الدعوة إلى فرعون أن يولول ولا إلى كل شعب مصر، إنما وجهها دعوة عامة إلى العالم الوثني كله، بكون فرعون مصر يمثله في ذلك الحين، فيقول "ولولوا يا لليوم" (حز2:30). ودعا يوم فرعون "يوم الرب"، لأنه تأديب من قبل الرب لجميع الأمم. لهذا قيل: "من صوت سقوطه أرجفت الأمم عند إنزال إياه إلى الهاوية مع الهابطين في الجب" (حز16:31)، "يرجفون (ملوك شعوب كثيرة) كل لحظة، كل واحد على نفسه في يوم سقوطك" (حز10:32). هكذا يدوي خبر سقوطه في العالم كله، وترتجف له كل الخليقة.
ومما يجب ملاحظته أن فرعون هنا يشير إلى "الشيطان" بكونه المحرض على عصيان الكلمات النبوية، الذي يظن في نفسه أنه صاحب سلطان قادر أن يسند الكثيرين. وكما يقول العلامة أوريجينوس: "في رأيي أن بعض أسماء الشعوب أو الملوك التي نقرأ عنهم في الكتاب المقدس تخص بلاشك الملائكة الأشرار أو السلاطين المضادة مثل فرعون ملك مصر ونبوخذنصر ملك بابل وأشور".
إن كان فرعون، كرمز للشيطان، يظن في نفسه أنه صاحب سلطان تلجأ إليه الأمم الأخرى وتحتمي فيه، فإن الله يعلن هزيمته النفسية، وتحطيمه بالخوف. لقد جعل يومه "يوم غيم" (حز2:30). فالغيم أو السحاب علامة المجد الإلهي، يغطى الجبل المقدس أو الخيمة المقدسة أو الهيكل إعلانًا عن دخول الإنسان في أسرار غير منظورة لا يمكن إدراكها، أما بالنسبة للشيطان أو فرعون فالسحاب يمثل حالة من الظلمة، من خلالها لا يقدر أن يتصرف ولا يعرف ماذا يفعل. إن كان قد ظن نفسه قائدًا، فإنه في الظلمة يسلك فيعثر ويتعثر معه الملتصقون به والمحتمون تحت جناحيه. لهذا يقول: "في ذلك اليوم يخرج من قبلي رسل في سفن لتخويف كوش المطمئنة، فيأتي عليهم خوف عظيم كما في يوم مصر، لأنه هوذا يأتي" (حز9:30). إن أقرب دولة له هي "كوش" التي ربما قصد بها النوبة، وأيضًا بعض مناطق في آسيا. على أي الأحوال ملأ الرعب قلب فرعون، بل وقلب أقرب مملكة له كانت تحتمي تحت ظله، فماذا يكون مصير الأمم الأخرى البعيدة؟! الذي يرعبهم هو الرب نفسه: "يخرج من قبلي رسل في سفن لتخويف كوش المطمئنة" لأنها تركت الرب ولجأت إلى فرعون.
مقابل الكبرياء والعجرفة، حل الخوف والرعدة بفرعون وكل الدول المحيطة به والمحتمية فيه. وعوض غناه وثروته قائلًا: "نهري لي وأنا عملته لنفسي" (حز3:29،9)، تصير الأنهار يابسة (حز12:30). وعوض ملكه وسلطانه تُسلم أرضه للأشرار الغرباء (حز12:30). عوض الطمأنينة والراحة يضرم الرب نارًا وتفقد مملكته رجاءها، إذ تخسر شبابها في الحرب، وبناتها في السبي! كان يظن في نفسه إلها، هوذا تتحطم أوثانه وعبادته (حز13:30).
لابد لمملكة إبليس أن تنتهي، تزول مهابته وخشيته المخادعة، وتنهار كل إمكانياته ويلقى في النار الأبدية مع كل الذين تبعوه واحتموا به.
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
خامسًا: تحطيم ذراعي فرعون

إذ تحدث عن الخراب الذي حل بمدنه الحصينة بدأ يتحدث عن ذراعه كيف أصابها جرح مميت لا يُمكن شفائه (حز20:30-23)، فلا يعود يقدر أن يحمل سلاحًا لا للدفاع عن نفسه ولا عمن احتموا فيه. في نفس الوقت يشدد الله ذراعي ملك بابل ويجعل السيف في يده لتأديب فرعون مصر فتسقط يداه ويشتت شعبه (حز24:30-26)! هذه صورة للعمل الشيطاني المقاوم للتدبير الإلهي إذ ينتهي بالفشل الكامل، مهما ظهر في البداية ناجحًا.
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
سادسًا: فرعون شجرة الأرز الساقطة

إن كانت شجرة الأرز العالية المتشامخة تبلغ قمتها السحاب (حز3:30)، فذلك يشير إلى حياة الكمال والتقديس التي وهبها الله للإنسان، إذ بهما يدخل إلى أسرار الملكوت ويعاين الأمجاد الإلهية المخفية، وإن كانت كثرة الأغصان تشير إلى قوة الحب ليتسع القلب للجميع، فإن كليهما، أي "القداسة والحب" هما عطية الروح القدس الذي يعمل فينا من خلال مياه المعمودية المقدسة، إذ يقول: "فلذلك ارتفعت قامته على جميع أشجار الحقل وكثرت أغصانه وطالت فروعه لكثرة المياه إذ نبت" (حز5:30). ففي مياه المعمودية ننبت كغصن جديد في الكرمة الحقيقية وبالروح الإلهي ننمو على الدوام في استقامة إلى فوق وبكثرة الأغصان عرضًا. لهذا يقول الأب مار اسحق السرياني: "إن صنع معك خيرًا، علنًا أو خفية، فتأكد أن المعمودية والإيمان هما الوسيطان لهذا الخير، إذ بهما قد دعيت إلى الأعمال الصالحة في المسيح يسوع [11]". كما يقول القديس يعقوب السروجي في ميمر له عن المعمودية: "المعمودية تكتب اسمك فوق في السماء، في بيعة الأبكار، فتصير ابنًا للأب الجالس في الأعالي!" هكذا يجمع المؤمن الحقيقي بين الجمال الروحي والعلو والسمو، والقوة والحب... حتى يفوق كل الأشجار الأخرى، بل وتحسده.
يركز سفر حزقيال النبي على خطيئة الكبرياء كسر للسقوط. يقول: من أجل أنك ارتفعت قامتك، وقد جعل فرعه بين الغيوم، وارتفع قلبه بعلوه، أسلمته إلى يد قوىِّ الأمم فيفعل به فعلًا، لشره طردته" (حز10:31،11). كأن الله يشتهى أن يراه وقد ارتفعت قامته وبلغت قمته داخل السحاب (الغيوم)، لكن إذ ارتفع قلبه بتعاليه، سقط من علو قامته ونزلت قمته من السحاب. كثيرون ارتفعت قامتهم الروحية ودخلوا إلى أسرار الله الخفية، كما حدث مع القديسة مريم محتفظين بقلب متواضع. لقد سبحت العذراء الله قائلة: "أنزل الأعزاء عن الكراسي، ورفع المتواضعين". لهذا حذرنا الآباء من الكبرياء والمجد الباطل أو الزهو كما حثونا على التواضع. يقول القديس يوحنا الدرجي: "التواضع هو السلم السماوي، الذي يستطيع أن يرفع النفس من هوة الآثام إلى السماء". "إذ كان كبرياء بعض الملائكة حولهم إلى الشياطين (إش 12:14 الخ 6:3)، فبلا شك يستطيع التواضع أن يجعل من الشياطين (النفوس الساقطة) ملائكة، لهذا فليتشجع الذين سقطوا [12]".
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
* افتح عن عينيْ قلبي،
فأدرك أسرار حبك،
وأتمتع بعظم رعايتك!
* يقويني ذراع البشر كنسرٍ يود أن يحملني.
لكنه حتمًا يعود فيفترسني.
أما أنت أيها النسر الإلهي،
فتحملني بالحب إليك.
لتهلك كل نسور العالم،
وأقتنيك أيها النسر الفريد في حبه وقوته.
* يتشامخ ذراع البشر كتمساح في نهر.
تمسك الأسماك بحراشيفه.
لكنه يموت في البرية ومعه كل من التصق به.
يصير جثة نتنة ليس من يحتمل رائحتها.
أما أنت فأعظم من كل سلطان،
التصق بك واتحد بطبيعتك،
وأصير واحدًا معك.
* لماذا أتكئ على عصا العالم؟!
إنه قصبة تنكسر فارتمي أرضًا.
لأتكئ على صليبك، خشبة الحياة!
تحملني إلى سمواتك،
وترفعني إلى أبديتك!
* يود العالم أن يغطيني بسحابة،
يحول حياتي إلى ظلمة،
ويحجب شمس البر عني!
لأتمتع بسحابة مجدك،
فتنحل كل خطاياي الثقيلة،
وارتفع إلى سحابة بهائك!
* ذراع العالم يتحطم،
وليس من يضمد جراحاته.
أما ذراعك فيحمل جراحات الحب الشافية.
لأتمتع بذراعك الرفيعة، يا مخلص العالم!
* يتشامخ العالم كشجرة أرز عالية وقوية.
لكنها سرعان ما تسقط وتفقد كل قوتها.
هب لي تواضعك فهو وحده يرفعني.
أنت تنزل الأعزاء عن الكراسي،
وترفع المتواضعين!
  رد مع اقتباس
قديم 13 - 05 - 2014, 03:45 PM   رقم المشاركة : ( 7 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,703

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي

مصر ملجأ المسيح

تفسد الخطية قلب الإنسان وتحطمه فتجعل منه عبدًا ذليلًا عدوًا للخير، وفي نفس الوقت يشاركها عنفها وقسوتها. وأيضًا عوض الاتكال على الله يتكل الإنسان على ذراع بشر كما فعل إسرائيل ويهوذا حين أرادا التحالف مع فرعون مصر لينقذهما من بابل. الآن إذ يلجأ السيد المسيح إلى القلب يحول مصر الوثنية العبدة لإبليس إلى مصر الحرة المتمتعة بالبنوة لله. هكذا يتحد الإنسان الداخلي مع ابن الله الوحيد الجنس monogenyc `Uioc بعمل روحه القدوس فيصير ابنًا بالنعمة.
يقول الإنجيلي متى: "وبعدما انصرفوا إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم، قائلًا: قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك، لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه، فقام وأخذ الصبي وأمه ليلًا وانصرف إلى مصر" (مت13:2،14).
هروب الطفل يسوع المسيح إلى مصر مع القديسة مريم والدته والقديس يوسف لم يكن بالأمر الثانوي في أحداث الخلاص. لقد رآه إشعياء النبي قبل حدوثه بأكثر من سبعة قرون وسجّل لنا هذا الحدث في الاصحاح التاسع عشر.
افتتح إشعياء نبوته عن مصر بصورة مفرحة تخص مصر، قائلًا: "هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها" (إش 1:19). وتسبح الكنيسة في عيد دخول السيد المسيح أرض مصر، قائلة: [افرحي وتهللي يا مصر مع بنيها وكل تخومها، لأنه قد أتى إليك محب البشر، الكائن قبل كل الدهور.]
يرى القديس كيرلس الكبير أن السحابة الخفيفة السريعة (الترجمة السبعينية) هي القديسة مريم التي قدسها روح الرب فصارت خفيفة ومرتفعة، تحمل رب المجد يسوع لتهرب به إلى مصر من وجه هيرودس (مت 13:2،14). بدخوله ارتجفت الأوثان واهتزت العبادة الوثنية، وذاب قلب المصريين حبًا ليقبلوه ساكنًا فيهم.
يرى القديس أغسطينوس أن النفس التي ترتبط بالسيد المسيح خلال الإيمان الحي العامل بالمحبة تحمله فيها روحيًا، وكأنها قد صارت له كالقديسة مريم التي حلمته روحيًا كما حملته بالجسد! تحمله لكي تدخل به إلى كل قلب فيتمتع بالسيد المسيح فيه.
كان يمكن للسيد أن يلتجئ إلى مدينة في اليهودية أو الجليل لكنه أراد تقديس أرض مصر، رائدة العالم الأممي، ليقيم في وسطها. اهتم الوحي بهذه الزيارة الفريدة، بها صارت مصر مركز إشعاع إيماني حي. وكما خزن يوسف في مصر الحنطة كسندٍ للعالم أثناء المجاعة سبع سنوات، هكذا قدم السيد المسيح فيض نعم في مصر لتكون سرّ بركة للعالم كله.

كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
مصر التي امتلأت بالعبادة الوثنية حيث أقامت عجل أبيس والقطط والتماسيح والضفادع... آلهة، استقبلت رب المجد فيها، فأقام من قلوب المصريين مقدسًا له. تحولت مصر من كونها أكبر معقل للوثنية إلى أعظم مركز للفكر المسيحي والعبادة الروحية والحياة الإنجيلية في فترة وجيزة. تلألأ نجم كنيسة مصر بمدرسة الإسكندرية معلمة اللاهوت وتفسير الكتاب المقدس للعالم المسيحي الأول، وقائدة حركة الدفاع عن الإيمان المستقيم على مستوى مسكوني. ومن مصر انطلقت حركة الرهبنة المسيحية بكل صورها تسحب قلب الكنيسة إلى البرية، تمارس الحياة الداخلية الملائكية في نفس الوقت الذي فيه انفتحت أبواب البلاط الإمبراطوري لرجال الدين، وكان الخطر يلاحق الكنيسة حيث يختلط العمل الروحي الكنسي بالسلطة الزمنية والسياسية. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "هلموا إلى برية مصر لتروها أفضل من كل فردوس! ربوات من الطغمات الملائكية في شكل بشري، وشعوب من الشهداء، وجماعات من البتوليين... لقد تهدم طغيان الشيطان، وأشرق ملكوت المسيح ببهائه! مصر هذه أم الشعراء والحكماء والسحرة... حصنت نفسها بالصليب! السماء بكل خوارس كواكبها ليست في بهاء برية مصر الممتلئة من قلالي النساك".
حملت كنيسة مصر صليب عريسها عبر الأجيال وقدمت أعدادًا بلا حصر من الشهداء والمعترفين، فاستشهدت أحيانًا مدن بأسرها وتسابق الكثيرون على نوال الأكاليل الاستشهاد بفرح وبهجة قلب.
يتحدث أيضًا القديس يوحنا الذهبي الفم عن هذه الزيارة المباركة لمصر لتقديسها، فيقول: "إذ كانت مصر وبابل هما أكثر بلاد العالم ملتهبتين بنار الشر أعلن الرب منذ البداية أنه يرغب في إصلاح المنطقتين لحسابه، ليأتي بهما إلى ما هو أفضل، وفي نفس الوقت تتمثل بهما كل الأرض، فتتطلب عطاياه، لهذا أرسل للواحدة المجوس والأخرى ذهب إليها بنفسه مع أمه"، كما يقول: "تأمل أمرًا عجيبًا: فلسطين كانت تنتظره، مصر استقبلته وأنقذته من الغدر!"
تحقق فيها الوعد الإلهي منذ يوم البنطقستي حيث سمع المصريون الرسل يتكلمون بلغتهم (أع 10:2)، وجاء القديس مرقس الرسول والإنجيلي يكرز بكلمة الإنجيل.
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
تأديب مصر

هروب العائلة المقدسة إلى مصر وإقامة مذبح للرب هناك لا يعنى التغطية على شرورها، وإنما على العكس كشف الرب عن ضعفاتها وجراحاتها الروحية حتى ينزع الرب عنها كل ضعف (مملكة الشر) ويقيم فيها ما هو جديد (ملكوت الله). مجيء الرب يعنى هدم أوثانها وإزالة رجاساتها لأجل تقديس شعبها.
أولًا: قيام حروب أهلية: "وأهيج مصريين على مصريين فيحاربون كل واحد أخاه وكل واحد صاحبه مدينة مدينة ومملكة مملكة، وتهراق روح مصر داخلها" (إش 2:19،3). هذه ثمرة طبيعية لاعتزالها الله واهب السلام الداخلي والحب والوحدة.
ثانيًا: فقدان الحكمة الحقيقية، فقد عُرف المصريون كشعب ذكي جدًا. يشهد الكتاب المقدس أن موسى قد تهذب بكل حكمة المصريين (أع20:7)، لكن اعتزالهم لله أفقدهم كل شيء فلم تسعفهم حكمتهم ولا علمهم وحضارتهم، فلجأوا إلى الأوثان يطلبون المشورة: "وأفنى مشورتها، فيسألون الأوثان والعازفين وأصحاب التوابع والعرافين" (إش3:19).
ثالثًا: المعاناة من حكام عتاة (إش4:19) يميلون إلى التسلط والسيطرة لا إلى خدمة الشعب وبنيان البلد. فإذ تقسو قلوب الشعب ببعدهم عن الله واهب اللطف والصلاح يسمح لهم بقيادات عنيفة، حتى كما يفعلون يُفعل بهم.
عندما يقسو قلبنا الداخلي نحو الغير لا نتوقع إلا أن يُكال لنا من ذات الكيل الذي به نكيل للغير، لذا يسمح لنا أن نسقط تحت قيادات عنيفة. هذا ما يحدث حتى في حياتنا اليومية في العمل والأسرة وحياتنا الشخصية. فإن من يقسو على والديه مثلًا نجد جسده عنيفًا في حربه الشهوانية ضد النفس. ما نزرعه للغير إنما نحصده في حياتنا الشخصية.
رابعًا: المعاناة من حالة جفاف: "وتنشف المياه من البحر ويجف النهر وييبس، وتنتن الأنهار وتضعف وتجف سواقي مصر ويتلف القصب والأسل... والصيادون يئنون وكل الذين يلقون شصًا في النيل ينوحون... ويخزى الذين يعملون الكتان الممشط والذين يحيكون الأنسجة البيضاء، وتكون عمدها مسحوقة وكل العاملين بالأجرة مكتئبي النفس" (إش5:19-10).
خامسًا: فقدان الحكماء والمشيرين، فلا يعاني الإنسان فقط من حالة حرمان مادي، وإنما من معينين حكماء يسندونه وسط ضيقه. لذا قيل: "إن رؤساء صُوعن أغبياء، حكماء مشيري فرعون مشورتهم بهيمية. كيف تقولون لفرعون أنا ابن حكماء ابن ملوك قدماء، فأين هم حكماؤك فليخبروك ليعرفوا ماذا قضى به رب الجنود على مصر" (إش 11:19،12).
سادسًا: فقدان الوعي والدخول في حالة سكر. "مزج الرب في وسطها روح غيّ فأضلوا مصر في كل عملها كترنح السكران في قيئه" (إش14:19). لما كانت الخطية مُسكرة تُفقد الإنسان وعيه وهدفه في الحياة لذا متى شرب كأسها يسمح الله أن يحل به روح الضلال أيضًا ليترنح كالسكران بلا هدف. لا يكون له عمل جاد لبنائه وبناء الغير، سواء كان عظيمًا أو محتقرًا، نخلة أو أسلة (حلفاء). وهذا هو أخطر ما يصل إليه الإنسان، إذ يفقد بذلك كيانه الإنساني ليعيش أشبه بميت، لا طعم للحياة عنده.
سابعًا: الارتباك بحالة من الخوف. "في ذلك اليوم تكون مصر كالنساء فترتعد وترجف من هزة يد رب الجنود الذي يقضي به عليها" (إش16:19). فرعون الذي يحسب نفسه منقذًا لإسرائيل ويهوذا من يد أشور في عجرفة وكبرياء يرتعب هو ورجاله ويصيرون كالنساء أمام رب الجنود وأمام يهوذا (إش17:19). وكأن الرب يشجع يهوذا ألا يرتعب من كلما ت فرعون ولا يدخل معه في تحالف كما فعل إسرائيل وآرام، فإن فرعون نفسه يرتعب لا أمام أشور بل أمام يهوذا نفسه.
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
إقامة مذبح للرب

بعد أن كشف الله عن جراحات مصر وما فعلته الخطية بها من فقدان للوحدة الداخلية والحكمة الحقة مع معاناة من قسوة الحاكم وقسوة الطبيعة (الجفاف) وارتباك في اقتصادياتها (الزراعة والصناعة) وعجز في الطاقات البشرية القيادية بل ودخول في حالة من اللاوعي والسكر مع الخوف والارتباك حتى أمام يهوذا المملكة الصغيرة، فإن الله يتدخل ليشفي جراحاتها ويخلصها، مقدمًا لها البركات التالية:
ا. لغة جديدة: "في ذلك اليوم يكون في أرض ممر خمس مدن تتكلم بلغة كنعان وتحلف لرب الجنود يقال لإحداها مدينة الشمس" (إش18:19)،ما هذه المدن الخمس إلا حواس المؤمن؛ فإذ يُقبل الأمم على الإيمان بالسيد المسيح يسلمون الحواس الخمس في يديه لتقديسها لتتكلم بلغة الروح عوض لغة الجسد، فيقال لها كما قيل لبطرس الرسول: "لغتك تظهرك" (مت73:26؛ مر70:14).
يرتفع قلب المؤمن إلى كنعان السماوية ليس فقط أثناء اشتراكه في سرّ الأفخارستيا وفي كل الليتورجيات الكنسية الحيّة، وإنما أيضًا أثناء عبادته الخاصة، بل وفي خلال حياته اليومية حتى في لحظات أكله وشربه ونومه. هذا هو عمل روح الله القدوس في حياتنا، يحملنا إلى السماء لنختبرها في أعماقنا، وتصير لغتنا كنعانية أي سماوية، لغة الحب والفرح الداخلي. نشارك السمائيين ليتورجياتهم وفرحهم الدائم، ولا نكون شعبًا "غامض اللغة" (حز5:3).
ب. القسم باسم رب الجنود؛ "تحلف لرب الجنود" (إش18:19). كان القسم دليل الثقة والإيمان بمن يقسم الإنسان باسمه؛ فعوض القَسَم بالآلهة الوثنية يقبل الأمم، وعلى رأسهم مصر، الإيمان برب الجنود ويتمسك المصريون باسمه، حاسبين ذلك سرّ قوتهم.
ج. دعوة إحدى المدن "مدينة الشمس" (إش8:19)، يقصد بها "هليوبوليس" التي كانت مركزًا لعبادة الشمس، فقد تحولت عن العبادة للشمس المادية إلى العبادة لشمس البر الذي يشرق على الجالسين في الظلمة. جاءت في الترجمة السبعينية "المدينة البارة"، إذ تحمل برّ المسيح فيها.
د. إقامة مذبح للرب: "في ذلك الوقت يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر وعمود للرب عند تخمها" (إش19:19). يقصد بهذا مذبح كنيسة العهد الجديد، إذ كان مذبح العهد القديم في أورشليم ولا يجوز تقديم ذبائح للرب خارجها. لقد عبرت العائلة المقدسة إلى صعيد مصر واختفت حوالي ستة شهور في الموضع الذي أقيم عليه الآن دير العذراء الشهير بالمحرق، وهو يعتبر في وسط مصر، فيه أقيمت كنيسة للرب وتُقدم عليه ذبيحة الإفخارستيا، التي هي تمتع بذبيحة الصليب عينها.
أما العمود الذي في تخمها فهو القديس مارمرقس الرسول الذي جاء إلى الإسكندرية (على تخم مصر) يكرز بالإنجيل، ويقيم مذبح كنيسة العهد الجديد، لكي يتمتع المصريون بالخلاص من عدو الخير مضايقهم، ويكون الرب نفسه محاميًا وشفيعًا ومنقذًا لهم (إش20:19).
هـ. المعرفة الروحية: "فيُعرف الرب في مصر، ويعرف المصريون الرب في ذلك اليوم" (إش21:19). اهتم المصريون بالمعرفة الروحية، وأُقيمت مدرسة الإسكندرية لهذه الغاية، نشر معرفة الرب لا خلال أفكار عقلانية مجردة، وإنما خلال حياة تعبدية نسكية وخبرة شركة مع الله الآب في ابنه يسوع المسيح بروحه القدوس. امتزجت المعرفة بالعبادة، إذ يكمل النبي: "ويقدمون ذبيحة وتقدمة وينذرون للرب نذرًا ويوفون به" (إش21:19). ولعل أروع من كتب عن ارتباط المعرفة بالعبادة كما بالسلوك الإنجيلي في الحياة اليومية هو القديس إكليمنضس السكندري، إذ جاء هذا الفكر خطًا ذهبيًا في كل كتاباته. فمن كلماته عن المعرفة (الغنوسية): [هذه هي العلامات التي تميز غنوسيتنا: أولًا التأمل، ثم تنفيذ الوصايا، وأخيرًا تعليم الصالحين. متى وجدت هذه السمات في إنسان ما يحسب غنوسيًا كاملًا. وإذا فقد الإنسان إحدى هذه السمات تعطلت غنوسيته.]
و. شفاء داخلي: "ويضرب الرب مصر ضاربًا فشافيًا فيرجعون إلى الرب فيستجيب لهم ويشفيهم" (إش22:19). يسمح الله بضربها، أي بتأديبها عن الضعف الذي فيها لكي تكتشف ذاتها وتدرك حاجتها إلى المخلص، فترجع إليه لتجده الطبيب القادر وحده أن يشفي جراحات النفس ويرد لها سلامها. جاء مسيحنا طبيبًا ودواء في نفس الوقت:
* مبارك هو "الطبيب" الذي نزل وبتر بغير ألم، شفي جراحاتنا بداء غير مرير، فقد أظهر ابنه "دواء" يشفي الخطاة!
القديس مار افرآم السرياني
جاء الرب إلى مصر وضرب أوثانها ليجد المصريون فيه وحده سرّ شفائهم.
ز. إذ كان الصراع العالمي في ذلك الحين قائم بين أشور ومصر، وكانت الدول الأخرى من بينها إسرائيل ضحية هذا الصراع، فإن مجيء رب المجد يسوع يعطى للكل سلامًا، ويشعر الكل -في المسيح يسوع- أن الأرض للرب ولمسيحه، وليست مركزًا للنزاع، ويشترك الكل معًا في العبادة. في تصوير رائع لهذا السلام يقول النبي: "في ذلك اليوم تكون سكة من مصر إلى أشور، فيجيء الأشوريون إلى مصر والمصريون إلى أشور، ويعبد المصريون مع الأشوريون. في ذلك اليوم يكون إسرائيل ثلثا لمصر ولأشور بركة في الأرض، بها يبارك رب الجنود قائلًا: مبارك شعبي مصر وعمل يدي أشور وميراثي إسرائيل" (إش24:19).
ماذا يعني "في ذلك اليوم" التي تكررت حوالي خمس مرات في الأعداد 18-25، إلا ملء الزمان الذي فيه جاء السيد المسيح ليحقق لنا هذه البركات، جاء بكونه "الطريق" الذي فيه تجتمع الأمم لتتمتع بروح الوحدة الروحية وفيض البركة. وماذا يعني اجتماع مصر وأشور وإسرائيل معًا في التمتع بالبركة الإلهية والميراث الأبدي؟ إنها صورة رمزية للكنيسة الجامعة التي ضمت الأعداء معًا بروح الحب والوحدة. لقد كانت إسرائيل في ذلك الحين في صراع بين التحالف مع مصر أو أشور القوتين العالميتين المتضادتين في ذلك الحين. لكن مجيء السيد المسيح عالج المشكلة إذ صار الكل أعضاء في كنيسة واحدة تتمتع بالعمل الإلهي، فدُعي المصريون شعب الله، وأشور عمل يديه، وإسرائيل ميراثه.
  رد مع اقتباس
قديم 13 - 05 - 2014, 03:46 PM   رقم المشاركة : ( 8 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,703

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي

مصر وكنيستها الفريدة

كثيرًا ما نُتهم في حواراتنا اللاهوتية مع الكنائس الأخرى، خاصة في الشرق الأوسط بأننا متشددون، خاصة في بعض العقائد مثل "خلاص غير المؤمنين".
أقيم حفل أثناء أحد مؤتمرات مجلس الشرق الأوسط، وفي الصباح قال نيافة الأنبا بيشوي لأحد القادة (تربطه به صداقة قوية ودالة): "ماذا فعلتم هذه الليلة حيث سهرتم حتى بعد منتصف الليل؟" في ابتسامة مع محبة قال القائد: "أود أن أقول لك يا سيدنا، نحن فيما بيننا نقول: "إن الأمل في الكنيسة هو في الكنيسة القبطية".
وفي مؤتمر آخر إذ كنا نأكل جميعًا في يوم جمعة وكان نيافة الأنبا بيشوي وضعفي ممثلين الكنيسة، قال أحد القادة في جو من المرح: "كل الأعضاء لا يصومون ماعدا نيافة الأنبا بيشوي وفلان... هل لا يدخل أحد السماء غيرهما؟!" علّق أحد الآباء الأساقفة السريان قائلًا: "الحقيقة نحن نشكر اللَّه على تمسك الكنيسة القبطية بالأصوام. نحن في سوريا تساهلنا مع الشعب ثم مع رجال الكهنوت في الأصوام قليلًا قليلًا حتى كاد الصوم ينعدم. نود أن نرجع إلى ما كنا عليه لكن قد فات الأوان. نود أن تبقى الكنيسة القبطية في حزمها وتمسكها بما تسلمته عبر الأجيال".
هاتان شهادتان من قائدين لهما مركزهما في كنائس الشرق الأوسط أحدهما أرثوذكسي والآخر غير أرثوذكسي.
هذا وإن تطلعنا إلى ظروف الكنيسة الإسكندرية (مصر) نقول مع مدام بوتشر أنه إن وُجد في العالم سبع عجائب فإن بقاء الكنيسة في مصر هو أحد عجائب الدنيا! سرّ هذا كله الوعد الإلهي: "مبارك شعبي مصر" (إش25:19)، ومجيء السيد المسيح إليها.

كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
فإلى مصر دون غيرها من الأمم جاء يوسف بن يعقوب ليُقيم المخازن ويُشبع احتياجات المصريين وغيرهم في وقت المجاعة. وإليها وحدها جاء السيد المسيح ليُقيم بحضوره مذبحًا مقدسًا ويجعل منها كنيسة فريدة سبق أن تنبأ عنها إشعياء النبي.
كتاب مصر في تاريخ خلاصنا - القمص تادرس يعقوب ملطي
بماذا امتازت كنيسة مصر أو كنيسة الإسكندرية؟

1. ملجأ للسيد المسيح: هرب إليها الطفل يسوع مع أمه والقديس يوسف، راكبًا على سحابة خفيفة سريعة (إش1:19)، فحطّم أوثانها، وجعل منها شعبًا مباركًا، فدون سواها قيل: "مبارك شعب مصر" (إش25:19). لازالت تعتز كنيسة الإسكندرية بمسيحها، تخفيه في داخلها، وتختفي هي فيه.
2. كنيسة رسولية: أنشأها الرسول مرقس الإنجيلي، وقد حافظت على الفكر الرسولي الإنجيلي. ترفض كل نقد لكلمة اللَّه، تقدس الكتاب لكلمة اللَّه الموحى بها بالروح القدس.
3. كنيسة مُحِبة للمعرفة: أنشأت أول مدرسة علمية مسيحية في العالم، هي مدرسة الإسكندرية،فهي تؤمن بالمعرفة والدراسة والبحث. لا تقاوم العلم والفلسفة بل تقدس كل معرفة لحساب ملكوت اللَّه. ظهر فيها فلاسفة مؤمنون جبابرة مثل القديسين بنتينوس وإكليمنضس الإسكندري والعلامة أثيناغوراس، عميدو مدرسة الإسكندرية.
4. كنيسة إنجيلية كتابية: قادت العالم كله في تفسير كلمة اللَّه. يعتبر العلامة أوريجينوس في القرن الثاني أمير شرّاح الكتاب المقدس، تأثر به حتى الذين قاوموه وهاجموه.
الكتاب المقدس بالنسبة لها حياة معاشة، فلا فصل بين الدراسة والخبرة الإنجيلية اليومية.
في كل حواراتها مع الهراطقة تعتمد على الكتاب المقدس بكونه يقدم القرار الأخير والقاطع لكل عقيدة إيمانية.
5. كنيسة شجاعة: قدمت مدن استشهدت بأكملها، وهي تسبح للرب وتهلل مثل مدينتي إسنا وإخميم. وبقيت ولا تزال تصدِّر للفردوس أعدادًا بلا حصر من الشهداء منذ بدء نشأتها وحتى يومنا هذا. رصيدها من الشهداء يتزايد، يمثل قوة وسندًا لها في جهادها.
6. كنيسة ناسكة: فهي رائدة العالم المسيحي في بدء انطلاق الحركات الرهبانية بكل أنواعها، كالتوحد على يديّ الأنبا أنطونيوس، والشركة على يدي القديس باخوميوس، ونظام الجماعات على يديّ القديسين مقاريوس الكبير والأنبا آمون.
في نسكها لا تهاجم الجسد بل ترى فيه قدسية خاصة. تؤمن بأنه يشارك النفس مجدها الأبدي. لهذا فإن قادة الفكر الرهباني مع ما بلغوه من نسك يطالبون المؤمنين بالاعتدال في الحياة النسكية، كل حسب قامته، وأن يكون غايته هو الاتحاد مع اللَّه في ابنه الوحيد بالروح القدس.
7. كنيسة أخروية: ترى أبواب السماء مفتوحة، فتحمل قلوب أبنائها إلى السماء، فيختبرون عربون الأبدية في صلواتهم وأصوامهم وكل عبادتهم وهم بعد على الأرض.
8. كنيسة كارزة: بقيت قرون طويلة ممنوعة من اللقاء مع العالم الخارجي لكن روح الكرازة في داخلها لن تستطيع الظروف أن تحطمها. الآن قد انطلقت للكرازة في أفريقيا ونرجو أن تشهد لمسيحها في كل موقع بروح التواضع الحقيقي مع غيرة إنجيلية نارية، وفي أمومة صادقة نحو كل إنسانٍ في العالم.
9. كنيسة قديسين: غنية بقديسيها عبر كل الأجيال، وتبقى في شركة مع القديسين كأعضاء أحياء يشاركون المجاهدين حبهم ويصلون عنهم، ويشاركهم المجاهدون بروح الوحدة الحقة. يتمتع المجاهدون بالشركة مع طغمات السمائيين كأصدقاء يلتقون معهم ويشاركونهم تسابيحهم وحياتهم السماوية الفائقة.
10. كنيسة تقدر النفس البشرية: فتحترم الرضع والأطفال ولا تستخف بحياتهم وإيمانهم، لهم حق العضوية الكنسية بالعماد المقدس، ومسحة الميرون المقدسة، والشركة في سرّ الأفخارستيا. إنها لا تحتقر هؤلاء الأصاغر، بل تعتز بهم وبعضويتهم في المسيح يسوع مخلص الجميع.
11. كنسية أم: لعل من سرّ قوتها أنها تمارس الأمومة الصادقة خلال اتحادها باللَّه أب البشرية. أحد علامات هذه الأمومة أن الكاهن يتمتع بروح الأبوة. لا يعمل كموظف بل هو أب، لن يحرمه المرض ولا الشيخوخة عن روح الأبوة بل يبقى أبًا لشعبه حتى آخر نسمة من عمره، فينطلق إلى الفردوس بقلب متسع بالحب. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "أيها الكاهن أنت أب كل العالم!"
12. كنيسة إيمان مستقيم: ثابتة في إيمانها الثالوثي، فلا تركز تارة على عمل الرب يسوع وأخرى على عمل الروح القدس. هي كنيسة ثالوثية تركز أنظارها دومًا وبطريقة عملية على محبة الآب الفاتح أحضانه ليجد كل إنسان له موضعًا فيه، وعلى ربنا يسوع المسيح بكونه المخلص والصديق السماوي والرأس المدبر والذي يهبنا شركة أمجاده، كما تركز على الروح القدس الناري الذي يلهب القلب بنار الحب الإلهي، واهبًا الإنسان تجديدًا في طبيعته ليصير أيقونة المسيح، ويتهيأ كعروس مزينة لعريسها السماوي، ويرشده في الطريق الملوكي حتى يعبر به من أرض الغربة ويدخل به إلى الحياة السماوية، واهبًا له خبرة عربونها وهو بعد على الأرض.
13. كنيسة متهللة وسط آلامها: تحتفل غالبًا في كل يوم بعيدٍ أو أكثر، إما أعياد سيدية خاصة بأحداث الخلاص التي قدمها رب المجد يسوع أو أعياد وشهداء وقديسين أو أعياد سمائيين... وهي في هذا كله تشتهي أن يمارس المؤمن حياته اليومية كعيدٍ دائمٍ لا ينقطع، يرى في المسيح يسوع مخلصه سرّ فرحه الذي لا يقدر العالم أن ينزعه منه.
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي
كتاب القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب ملطي
كتاب دعوني أنمو القمص تادرس يعقوب ملطي
كتاب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والروحانية القمص تادرس يعقوب ملطي
كتاب الطهارة: أحاديث، أسئلة وإجابات القمص تادرس يعقوب ملطي


الساعة الآن 01:02 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024