رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مَنْ هُوَ الْقَدِيرُ حَتَّى نَعْبُدَهُ، وَمَاذَا نَنْتَفِعُ إِنِ الْتَمَسْنَاهُ! [15]. في جسارة غير لائقة يحتجون عليه قائلين: "من هو القدير حتى نعبده؟ وماذا ننتفع إن التمسناه؟" يتشبهون بفرعون القائل: "من هو الرب حتى أسمع لقوله؟" (خر 5: 2) يرون في الله شخصية مجهولة ينسب البعض له القدرة مع أنه في نظرهم لا ينفع في شيء، لذا لا يريدون أن يكون له شأن بهم، ولا هم لهم شأن به. يتطلعون إلى العبادة كواجبٍ سقيم الحملِ، أو كنوعٍ من العبودية الشاقة، إذ يتساءلون: "حتى نعبده؟" ينظرون أنهم سادة أقوياء مقتدرون لا يقبلون الخنوع لله: "لماذا قال شعبي قد شردنا (نحن أسياد)، لا نجيء إليك بعد" (إر 2: 31). يقولون: "عبادة الله باطلة، وما المنفعة من أننا حفظنا شعائره..." (مل 3: 13-14)، فلا حاجة للالتجاء إلى الله، فإن الصلاة في نظرهم لا نفع لها، بل هي مضيعة للوقت والطاقة. قد يدرك الأشرار بفكرهم قدرة الله، ويعرفون إمكانية عمله في حياة البشر، لكن خلال تمتعهم بالملذات الجسدية وانشغالهم بمباهج العالم يسكِّنون ضمائرهم بالادعاء أن الله يتجاهل البشرية، ولا يدرك حقيقة احتياجاتهم، فيظهر كمن هو في ضعفٍ وعجز عن مساندتهم. هذا ومن جانب آخر فإن الوقت بالنسبة لهم ثمين لجمع ثروات ونوال كرامات زمنية موضوع حبهم. كل عبادة لله - في نظرهم - هي مضيعة للوقت. هذا ويتذمرون لأن الله كثيرًا ما يؤجل استجابة طلباتهم حتى يهبهم ما هو حسب فكره الإلهي أن يقتنوه هو، خالق كل العطايا والخيرات. * إذ يتوجه ذهن الإنسان ببؤس نحو الخارج، ينغمس في ملذات الأمور الجسدية، فلا يعود إلى أعماقه، ولا يقدر أن يفكر في ذاك الغير منظور... هكذا مكتوب: "قال الجاهل في قلبه، ليس إله" (مز 14: 1؛ 53: 1)... كثيرًا ما يحدث أن يجعل الناس هدفهم أن يخدموا بالأكثر زملاءهم المخلوقين الذين يرونهم بالبصر الجسدي عن أن يخدموا الله الذي لا يرونه. فإنهم في كل ما يفعلونه، يمتدون إلى حيث تبلغ عيونهم، وإذ لا يستطيعون أن يبلغوا إلى الله بعيونهم، إما يستخفون بتقديم الولاء له، أو إذا ما بدأوا في ذلك يمتلئون قلقًا... ولكن عندما ينسحب من أمامهم ما هو منظور... فإن أعين الجسد بالحق تكون مفتوحة لكنهم لا يقدرون أن يروا أو يدركوا... يذهب عنهم الإحساس بالصبر، لأن الساكن فيهم قد تركهم، وبقي بيت الجسد فارغًا. الروح غير المنظورة التي اعتادت أن ترى خلال نوافذ الجسد قد رحلت. لهذا فإن الأمور غير المنظورة أفضل من المنظورة. يليق بكل الجسديين أن يبلغوا إلى قرارٍ من أجل أنفسهم، وبسلم التأمل يصعدون إلى الله. إنه هو الله في كونه يبقى غير منظورٍ، ويستمر السامي حيث لا يمكن إدراكه. لكن يوجد البعض الذين لا يشكون في أن الله موجود، وأنه لا يمكن إدراكه، لكنهم يطلبون منه ولا يطلبونه هو، إنما يطلبون عطاياه الخارجية. "وماذا ننتفع إن صلينا إليه". أثناء الصلاة إن لم يكن الله نفسه هو موضوع طلبتنا، يضطرب الذهن للحال في الصلاة... يشتاق الله أن يكون هو نفسه المحبوب أكثر من الأمور التي خلقها، وأن تُطلب الأمور الأبدية لا الأمور الوقتية. كما هو مكتوب: "اطلبوا أولًا ملكوت الله وبرَّه، وهذه كلها تُزاد لكم" (مت 6: 33). البابا غريغوريوس (الكبير) |
|