رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
النازفة الدم ومن هي لعل نازفة الدم كانت واحدة من القليلات من النساء اللواتي لا يدرك الناس مدى ما عانت من بؤس أو وصلت إليه، ولو أن رسامًا أراد أن يرسم صورة لها، ترى ماذا كان يفعل؟ أنه أول كل شي ، كان سيرسم صورة امرأة نحيفة غاية في النحافة، بل لعله كان يرسم امرأة هي أدنى إلى الحطام منها إلى صورة امرأة تعيش بين الناس، هل تستطيع أن تتصور معي امرأة تنزف باستمرار لمدة اثنتي عشرة سنة، دون أن تكون جلداً على عظم، أو وجهها ذابلاً، ترسم عليه كل علامات البؤس واليأس والألم والمشقة، ناهيك بالعذاب الذي كان تعانيه يومًا وراء يوم من ضعفها الرهيب والآلام التي لا تتركها ليل نهار، وكانت عن يقين وهي موزعة بين الحياة والموت، تؤثر في ضيقها وضعفها أن تستريح بالموت من الألام، ان خيل إليها أن هناك راحة بعد الموت، كما يتصور الكثيرون الذين يطلبونه عندما يشتد بهم الضيق، وتزداد في حياتهم التعسات...لم تدخل هذه المرأة بيت يايرس، حيث تجتمع قصتها وقصة ابنته في وقت واحد ولكن الحياة الساخرة، تجمع صورتين متناقضتين تماماً، على اقتراب الزمان والمكان، فبينما عاشت ابنه يايرس لمدة اثنتي عشرة سنة تملأ البيت ضحكًا وبهجة وسعادة وسرورًا، يزحف الألم بثقله وكلكله على هذه النازفة الدم، طوال هذا الوقت بعينه، ليجعل حياتها قسوة وألمًا وعذابًا لا يوصف، وبينما تؤخذ الحياة من ابنه يايرس، قبل موعدها، ومن دون رغبة في الموت، والإلحاح في الابتعاد عنه، تعطي الحياة تعسة بائسة لمن تتمنى ألا يترك فيها رمق لعلها تستريح وتريح!! أجل! وهذا لغز الحياة في الأرض، اللغز الذي جعل أيوب يهتف حائرًا في بلواه وتعاساته: «لم يعطي لشقي نور حياة لمري النفس الذين ينتظرون الموت وليس هو ويحفرون عليه أكثر من الكنوز المسرورين إلى أن يبتهجوا الفرحين عندما يجدون قبرًا»... على أن المرأة عانت أكثر من نزف الحياة في صحتها، إذ ضاع مالها، ونزفت ثروتها بالكامل، وهي تنتقل من طبيب إلى طبيب باحثة عن العلاج، الذي عز ولم تجده، وأغلب الظن أنها كانت غنية ميسورة الحال، يصفها الكتاب بالقول: «أنفقت كل ما عندها» ولنا أن نتصور الفقر يضم إلى المرض، وكلاهما رهيب ومخيف ووبيل، على أن ما هو أسوأ من هذا كله، ما عانته من المجتمع الذي كانت تحيا وتعيش فيه إذ أن نزف الدم بحسب الشريعة، كان يعتبر نجاسة وفساداً، وقد أضاف إليه التقليد اليهودي، وفق جماعات الفريسيين والمتزمتين نتيجة الخطية التي يرتكبها الإنسان، إنها إعلان غضب الله على النازفة، ومن ثم يلزم أن تطرد هي والأبرص على حد سواء وهي نجسة في كل ما تلبس أو تلمس، وهي منجسة أيضاً لمن يلسمها أو يحتك بها،... وهي لا تطرد من العيشة مع الناس فحسب بل أكثر من ذلك، تطلق من زوجها وتفصل عن أولادها، وأعز الناس وأقربهم إليها... وهل لك بعد هذا أن تتصور مدى البؤس الذي كانت تعانيه، والوحدة القاتلة التي كانت تعيش فيها، والآلام المبرحة جسديًا ونفسيًا وروحيًا التي كانت تسيطر عليها، هذه هي المرأة النازفة الدم، والبائسة، التي كانت تتجه في بؤسها إلى صديق البؤساء وسيد المتألمين والمعذبين في الأرض!!. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
القديسة فيرونيكا النازفة الدم |
ضبط عاطلا أدار ورشة لتصنيع العبوات الناسفة ضبط عاطلا أدار ورشة لتصنيع العبوات الناسفة نقلا عن فيتو |
النازفة الدم والمسيح |
النازفة الدم والأطباء |
الملوخية الناشفة |