أبونا الراهب سارافيم البرموسي
سماؤنا
أنت مدعو لتتغنّى بأنشودة جديدة لم تنشدها بعد..
أوتار قلبك وطبول وجدانك ودفوف مشاعرك
وأفكارك كلّها تتهيّأ لها هنا في الحياة.. تتدرّب عليها..
كلّ يومٍ تميل إلى الخير الدفين في أعماقك وكأنّك تداعب أوتار الوجود
لعلّك تستطيع أن تتحصّل على أهازيج العُلا..
تصحو كلّ صباح وتجدّد أشواق الأماني المحتضرة،
بالرجاء في يوم النشيد العظيم والهتاف الأبدي..
تلك هي السماء التي نترقّبها
ترقُّب الفجر لمن ظلّل عليهم اللّيل ببرقه ورعده المدوّي..
ترقٌّب الظلّ الحاني لمَنْ تلظّت رؤوسهم تحت أشعة شمس الصحراء الملتهبة..
سماؤنا أنشودة تهليل من بعد وجوم الحياة وبُكْمِها..
هل فكّرت من قبل أنّ كلّ جمال الموسيقى البديعة ههنا،
كلّ أغاريد الطيور،
ما هي إلاّ قبسٍ من نغمٍ فائق السرور يرتله ذاك الجمع الحامل قيثارات النور،
في شكر البنين وسُبْح المحبّين..
السجود هناك طربٌ على وقع النغمات الملائكيّة..
الشدو هناك دندنة بكلمات لم تدخل قاموس البشر من قبل..
كلمات الحبّ الصافي النوراني والذوبان في المطلق البديع الجمال والفائض الحضور..
عيدُ الأبد هذا هو الاحتفال الذي نتهيّأ له..
نرتدي ثياب الاحتفال..
نحرص عليها حتى وقوفنا على أعتاب القصر الإلهي..
نفرّ من أعاصير العالم الترابيّة لئلا تتشبث بثيابنا البيض
فتطبع عليها رائحة التراب ولونه الباهت..
عيدنا هو انتظار تملُّك الحبّ ملكًا مُظفّرًا وسط أكاليل الغار والزيتون النورانيّة..
نصرة الحبّ في عالمنا ما بين كرّ وفرّ..
ما بين يقين وشك..
ما بين ألمٍ وارتياح..
ما بين هجوع ويقظة..
الحبّ لم يزل مصارعًا في ساحة الوغي مع أرباب الظلمة..
يسطّر ملاحمه كلّ يوم بأيدي بني النور..
وكلّما تتلاحم أيادِ النور كلّما تهرول الظلمة إلى مخابئ التراب
لتستتر في مغائر اللّيل خوفًا من الفضيحة الكبرى..
حينما ترتخي أيادِ النور يرسل اللّيل ملاءته السوداء على الوجود..
ويصرخ مزمجرًا بصوتٍ مدوٍ:
أنا اللّيل سيّد الدهور.. أنا اللّيل سيد الدهور..
وتتبعه ملايين الكيانات الشاحبة التي لم ترى يومًا، فجرًا متلألئ يسطع بتهليلٍ..
وتبقى النجوم البارقة في اللّيل، شهادةً بزيف دعاوى اللّيل ومُلكه..
وإذ تتلاحم النجوم من جديد تطلّ بقوّة شمسٍ باهرة،
وتمزّق عباءة اللّيل وتدعو البشر، جلوس الظلمة وظلّ اللّيل الرطب،
إلى دفء الحياة..
فتتحوّل صرخات الليل المدوّية إلى هسسٍ خافت يرتعش من مصير الفناء..
وتدعو الشمس الإنسان إلى صحوٍ من بعد رقاد الموت..
إنّ رعشات النور المذهّبة تصدح كلّ يومٍ:
النور جاء إلى العالم وهو في العالم وللعالم.. والعالم محبٌّ لمخابئ الظلمة!!!
جاء شمسًا للبرّ فدجّج البشر مخادعهم بستائر الهوى لئلا يخترقها ولو شعاع نورٍ..
جاء النور ليعيّد الإنسان بإنسانيّته البهيّة المُجدّدة، عيد الوجود الأكمل..
ليقيم مائدة الحبّ على مذبح التهليل
فتوشّحه يدُّ العلي بوشاح النور الذي لا يخبو..