رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كرامة الإنسان كهبة إلهية: يُظهِر هذا المزمور الإنسانَ بكونه ليس نتاج الصدفة العشوائية، إنما خُلق على صورة الله. فالإنسان هو أعظم نسق لخلقة الله. ولا تُقّدر الحياة البشرية في ذاتها، وإنما كهبة إلهية. كانت مشيئة الله أن يحكم الإنسان الأرض كممثّل لله ذاته. "على أعمال يديك أقمته؛ كل شيء أخضعت تحت قدميه: الغنم والبقر جميعًا، وأيضًا بهائم الحقل وطيور السماء وأسماك البحر السالكة في البحار" [6-8]. الإنسان ليس بالكائن المعمّر ولا القوي ولا النشط ولا السريع العَدْو في مشيه كبعض الحيوانات، لكن الله وهبه سلطانًا عليها. يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [إن الله خلق الإنسان في كرامة طبيعية؛ لهذا لا يليق بسيّدٍ أن يغضب على خدمه، إذ خُلِقوا ليكونوا مساوين له في الكرامة. فإن رب المسكونة قد نظّم أن تكون الطبيعة غير العاقلة هي وحدها التي تلتزم بخدمة الإنسان]. يرى القديس أغسطينوس أننا نفهم بتعبير "الغنم والبقر جميعًا"، النفوس المقدسة، إما التي تثمر براءة أو التي تعمل في الأرض لكي تثمر، بمعنى أن الإنسان الترابي يمكن أن يتجدد ليصير في غنى روحي. بالنسبة للقديس أغسطينوس "بهائم الحقل" يُفهَم منها البشر الذين يجدون بهجتهم في ملذات الجسد حيث لا يرتفعون إلى الأعالي ولا يجاهدون. فالحقل هو طريق متسع يؤدي إلى الهلاك (مت 7: 13). أما طيور السماء فهي "المتكبرون"؛ والأسماك هم "الفضوليون". بمعنى آخر أن القديسين ومعهم الخطاة الذين ابتلعتهم شهوات الجسد، المتكبرون والفضوليون، جميعًا يخضعون لابن الإنسان. يليق بنا أن نلاحظ هذه الحقيقة أنه في الآيتين 5، 6 الله دائمًا هو المهيمن، وأن من يده يستلم الإنسان وَضعْه كمسيطر في العالم. وبالرغم من تفاهة الإنسان، عَيَّنه الله ليسود الأرض. فقد إِأْتَمن رب الكون الإنسان ليقوم بعمل إلهي خاص بالسيادة. مَلِكُ الكون أقام الإنسان كملِكٍ على الأرض، مُكلّلًا إياه بأكاليل الجلالة والمجد التي بحق هي من سمات جلال الله. وقد مُنِحت هذه الهبة الإلهية للإنسان في خلقته: "على صورة الله ومثاله" (تك 1: 26-28؛ 2: 19). بل وقد أُستُعِلن هذا الأمر بوضوح كامل وعميق في عمل ربنا يسوع المسيح الكفاري، حيث يمكننا القول مع الرسول بولس: "بنعمة الله أنا ما أنا" (1 كو 15: 10). * أخضع الله أعماله في الكون التي صنعها لصورته أي الإنسان. العلامة ترتليان * تعلّم الفلاسفة من كتاباتنا أن كل الأشياء قد أُخضِعت للإنسان، لهذا عرفوا أيضًا أن جميعها قد خُلِقت من أجل الإنسان. القديس أمبروسيوس كرامة الإنسان كهبة إلهية "وضعته قليلًا عن الملائكة" [5]. في (عب 2: 6-8) فُهمِتْ الآيتان 5، 6 (الترجمة السبعينية) بكونهما نصًا نبويًا، حيث فُسرّ ابن الإنسان [4] أنه ربنا "ابن الإنسان" "Son of Man"، الذي هو بالطبيعة فوق الملائكة وقد اتضع وأُنقِص قليلًا عنهم بإخلائه ذاته بالتجسد، ليهبنا شركة مجده (عب 2: 6-8؛ 1 كو 15: 27). * لأنه حمل طبيعتنا أُنقِص قليلًا عن الملائكة. العلامة ترتليان يستخدم العلامة ترتليانهذه الآية كأحد البراهين ضد مارقيون الذي أنكر ناسوت ربنا يسوع المسيح: * الآن هذه العلامات عن التنازل (التخلي) (إش 53: 1-4؛ 8: 14؛ 8: 5؛ 22: 7) تناسب مجيء الله تمامًا، كما ستظهر علامات جلاله عند مجيئه الثاني، حيث لا يعود بعد "حجر عثرة وصخرة معصية" وإنما بعد رفضه صار رأس الزاوية الأساسي... لأن الآب بعدما أنقصه قليلًا عن الملائكة سوف يكلله بمجد وبهاء ويسلطه على أعمال يديه ويجعل كل شيء تحت قدميه [5-6]. حينئذ أيضًا سوف ينظره جميع الذين طعنوه وينوحون عليه كل عشيرة على حدة (زك 12: 10، 12)، لأنهم بلا شك قد رفضوا مرة أن يتعرفوا عليه في اتضاع بشريته. يقول إرميا إنه إنسان، فمن سيتعرف عليه؟ لذلك يسأل إشعياء: "من سيُعلِن عن جيله؟" (إش 53: 8). * في تنازله (تخليّه) قَبل من الآب تدبيرًا، الأمر الذي أنت تحتقره بكونه إنسانًا؛ فمنذ البداية حتى النهاية وُضِع له أن يكون إنسانًا. إنه هو الذي نزل وهو الذي يُمَّجد؛ هو يُسأل وهو الذي يعطي بفيض. * أما بخصوص مسيحنا فلا مناص أمامه من أن يكون ما كان عليه، وأن يصير ما شاءه الآب "يُنقصه قليلًا عن الملائكة"، يصير "دودة لا إنسانًا"، "عارًا عند البشر ومُحتقَر الشعب" (مز 22: 6)... حتى يؤسس خلاصنا باتضاعه. العلامة ترتليان هكذا تنطبق العبارة "وضعته قليلًا عن الملائكة" على شخص السيد المسيح بتجسده؛ وإن كان بعض الآباء يرى أنها تنطبق على الإنسان بوجه عام حيث أقامه الله صاحب سلطان وبسبب خضوعه للموت صار أقل من الملائكة. * خلقَنا "أقل من الملائكة"، أعني بسبب الموت، لكن هذا النقصان القليل قد استردناه. القديس يوحنا الذهبي الفم * بسبب براءة الملائكة القديسين وبرهم، اللذين يتناسبان مع طبيعتهم ومجدهم، يتميزون تمامًا عن سكان الأرض، لأن الأخيرين "أي مكان الأرض" ذوو مرتبة أدنى، وهم أقل من كل جهة، كما هم أقل منهم من جهة الطبيعة. ومع هذا فإن الذين يشتاقون أن يعيشوا مقدَّسين لا يقدرون أن يبلغوا هذا دون تعب، فإن الطريق المؤدي إلى الفضيلة هو على الدوام طريق وعِر وعسير أمام كثيرين أن يسلكوا فيه! القديس كيرلس الإسكندري |
|