رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تفسير سفر المزامير - مزمور 10 لا تنس المساكين يا رب! كما قلنا في المزمور السابق أن المزمورين التاسع والعاشر مرتبطان ببعضهما البعض ارتباطًا وثيقًا، حيث يتحدث المزمور السابق عن الأعداء الخارجين أما هنا فعن الأعداء الداخليين الذين يظلمون المساكين والأيتام، متجاهلين حكم الله وقضاءه. ينتهي المزمور بالإيمان بالرب العطوف على اليتيم والبائس، فلا يدع الأشرار المتكبرين في مجتمعٍ ما أو على مستوى المسكونة كلها أن يطغوا على من لا عون لهم، العاجزين عن الدفاع عن أنفسهم، فيطردونهم من مواضعهم. يركز هذا المزمور على "القلب" [6، 11، 13]. فالشرير متكبر في قلبه: "لأنه قال في قلبه إني لا أزول من جيل إلى جيل بغير سوء" [6]؛ أما قلب الإنسان المتضع فهو مسكن للسيد المسيح الوديع والمتواضع القلب. قلب المتكبر هو عرش للشيطان، لا موضع فيه للسيد المسيح. "قال (الشرير) في قلبه إن الله قد نسى؛ صرف وجهه لئلا ينظر إلى الانقضاء" [11]، "قال في قلبه إنه لا يفحص" [13]. بينما يعاين القلبُ النقي الله مخلصه المحبوب، إذ بالشرير صاحب القلب الدنس يسقط في إلحاد عملي، يظن أن الله قد نسى مظالمه، لن يحاسبه، ولا يفحص الأمور. |
28 - 07 - 2020, 06:26 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير سفر المزامير - مزمور 10 - لا تنس المساكين يا رب!
مناسبة المزمور:
يرى بعض الدارسين أن هذا المزمور لم يُنظم لأجل مناسبة تاريخية معينة، وإنما لهدف عام. هو وأشبه باستغاثة من المظالم تصدر عن الكنيسة وقت الاضطهادات، خلالها تتوجه أنظارها واهتماماتها إلى التكريس للشهادة الإنجيلية؛ كما تعين المؤمن في احتماله ضيقاته ومتاعبه الشخصية، وما يعانيه من كبرياء الأشرار. والعجيب أن هذا المزمور يناسب المؤمن التقي الساقط تحت وطأة الضيق أينما وجد في العالم، وفي أي زمان! إنه يصف الكنيسة المتألمة، كنيسة السيد المسيح، ويكشف عن المصير المحتوم للأشرار أعدائها. يرى آخرون أن هذا المزمور قد وُضع في ظروف تاريخية خاصة، مثل[253]: 1. اضطهاد شاول لداود. 2. غزو كنعان بواسطة بعض القبائل الفلسطينية. 3. عن سَنبلَّط وغيره من الأعداء أثناء الأسر البابلي (نح 4: 1). 4. الاضطهاد المروع الذي أثار أنتيخوس أبيفانيوس في أيلم المكَّابيين. ويرى البعض أن المزمورين التاسع والعاشر يُعبِّران عن صوت الأنين الصاعد عن الكنيسة المتألمة في أيام الدجال أو ضد المسيح أو إنسان الخطية حيث تحل الضيقة العظمى الفاصلة. |
||||
28 - 07 - 2020, 06:26 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير سفر المزامير - مزمور 10 - لا تنس المساكين يا رب!
إطاره العام: 1. يارب، لماذا تقف بعيدًا؟ [1]. 2. الشرير وسِماته [2-11]. 3. لا تنسى المساكين يارب [12-18]. |
||||
28 - 07 - 2020, 06:26 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير سفر المزامير - مزمور 10 - لا تنس المساكين يا رب!
1. يارب، لماذا تقف بعيدًا؟ الله لا يتخلى قط عن قديسيه أثناء ضيقتهم، لكن المؤمن أحيانًا إذ ينتظر التعزية الإلهية طويلاً يبدو له وسط آلامه كأن الله يقف صامتًا، أو كأنه يقف بعيدًا، فيصرخ متساءلاً: "يارب، لماذا تقف بعيدًا؟" بلا شك أن حضور الله هو مصدر الفرح والتعزية لشعبه، أما الشك في حضوره فيسبب قلقًا وفقدانًا للسلام الداخلي. وإن كان البعض يرى في تساؤل المرتل عتاب حب واعتراضًا مقدسًا ورعًا وليس غريبًا. فقد حدث موقف مماثل على الصليب، قائم على أساس الإيمان بأن الله يرى كل شيء، وأنه وحده قادر أن يهب النجاة، فهو إله عادل يحكم بالعدل في النهاية، فلماذا إذن يبدو كمن يقف محايدًا من بعيد دون تدخل من جانبه؟ لماذا يحجب العون حينما تكون الحاجة ماسة إليه شديدة ومُلِحّة إلى أقصى درجة؟[254]. "لماذا... نتغافل في أوقات الشدائد؟!" [1]. جاءت في النص العبري بما معناه: "لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟!" فإن ما يحطم نفسية المؤمن ليس وجود شدائد أو الدخول في أزمنة الضيق، وإنما الشعور باختفاء الله وحجب وجهه عنه. الشدة لابد أن تزول يومًا ما، لكن ما اقتنيه هو إشراق وجهك عليّ وقت الضيق... أشعر بالألم لكنني أتمتع بخبرة يديك اللتين تمسحان كل دمعة من عيني. |
||||
28 - 07 - 2020, 06:26 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير سفر المزامير - مزمور 10 - لا تنس المساكين يا رب!
2. الشرير وسِماته: ربما يشير الشرير هنا إلى ضد المسيح Antichrist، أو إلى الذين يحملون روحه ويسلكون حسب مشورته. ويصور لنا المرتل هنا ما يتسم به الشرير من سمات، أو قل إنه يقدم صحيفة اتهام ضده بنودها الآتي: أ. متكبر متعاظم ومتغطرس: في كبرياء يحاول الأشرار أن يحرقوا المساكين بنار شرهم، فإذا بهم يؤُخذون بخطاياهم؛ يقول المرتل: "عندما يستكبر المنافق يحترق المسكين. يُصادون بالمشورة (بالمؤامرة) التي أشاروا بها" [2-3]. أمر طبيعي ألا يكف المتكبر عن مضايقة المسكين بلا سبب حتى يحرقه، لكن الكأس التي ملأتها بابل المضطهد لكنيسة المسيح تشرب هي منها (رؤ 17: 6؛ 18: 6)؛ والكلاب التي لحست دم نابوت اليزرعيلي لحسِت دم مضطهده آخاب الملك (1 مل 21: 19)؛ والخشبة التي أعدها هامان لمردخاي صُلب هو عليها (إش 7: 9). * يوخذون بأفكارهم التي بها يفكرون" [2]، بمعنى أنه تصير أفكارهم الشريرة قيودًا تكبلهم... والسنة المتملقين تربط النفوس بالخطية. القديس أغسطينوس |
||||
28 - 07 - 2020, 06:26 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير سفر المزامير - مزمور 10 - لا تنس المساكين يا رب!
"لأن الخاطي يمتدح بشهوات نفسه والظالم يبارك (نفسه)" [3]. يمتدح الشرير شهوات قلبه الشرير، حاسبًا نفسه سعيدًا جدًا بسلوكه الطريق الواسعة! يمجد نفسه في خزيه! يتفاقم كبرياؤه الفارغ طويلاً! إنه لأمر خطير أن يبارك إنسان الأشرار ويحسدهم لما هم عليه من ترف زائل وقتي، فيبدل الحلو بالمُرّ والنور بالظلمة. وكأنه لا يكتفي الأشرار بأنهم في خزي وعار يصنعون الشر، وإنما في كبريائهم يفتخرون بالشر ويتباهون بشهواتهم الدنيئة. أما ما هو أشر فهو تحويل الشر إلى صورة خير، فيُظهرون الرذائل كأنها فضائل. إن غضبوا وثاروا حسبوا هذا شجاعة وصراحة وتمسكًا بالحق؛ وإن سقطوا في الشهوات الجسدية حسبوا هذا نضوجًا وخبرة حياة وانفتاح فكر. وكما يقول النبي: "ويل للقائلين للشر خيرًا وللخير شرًا، الجاعلين الظلام نورًا والنور ظلامًا، الجاعلين المُرّ حلوًا والحلو مرًا" (إش 5: 20). * "لأن الخاطي يمتدح بشهوات نفسه والظالم يُباَرك" [3]. يُدعى الإنسان المنحل سعيدًا، والطماع مقتصدًا في ادخار ماله[255]. الأب قيصريوس أسقف آرل |
||||
28 - 07 - 2020, 06:26 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير سفر المزامير - مزمور 10 - لا تنس المساكين يا رب!
تلد الكبرياء الرغبة في إشباع الشهوات الشريرة مع الظلم أو الطمع... إذ هناك علاقة وثيقة بين الثلاثة: الكبرياء، الزنا، والعنف. في كثير من حالات السقوط في الزنا والنجاسات الجسدية يحتاج الإنسان أن يفحص أعماقه، ليرى أن السبب أحيانًا بل وغالبًا السقوط في الكبرياء. فالشاب الذي يصوم ويقرأ في الكتاب المقدس ويُسبِّح أو يُرنّم لكنه عنيف في معاملاته مع والديه أو ناقدًا لاذعًا لزملائه غالبًا ما تغلبه شهوات جسده ولو خفية، ويسقط في عادات شريرة. "لأنه قال في قلبه: إني لا أزول؛ من جيل إلى جيل بغير سوء" [6]. يسيء الشرير – في رفاهيته – استغلال طول أناة الله، وعوض أن تقوده إلى التوبة يقسي قلبه في إثمه، حاسبًا أنه لن يُحاسب على شروره قط. يظن أنه فوق أن يحاسب! الشرير في عجرفته يقول في قلبه أنه لن يتزعزع أو لن يزول، وها هي الأجيال تعبر والأشرار باقون بلا سوء. إنه يُسقط الله من حساباته. ما أخطر الكبرياء؛ إنها خطايا تحيل كل البركات إلى لعنات، وتجعل البشر بلا حياء! يوجد العديد من خطايا الكبرياء (أم 16: 18؛ 29: 23). فقد يفتخر الإنسان بميلاده الشريف وآخر بمنشأه المتواضع؛ واحد يفتخر بملبسه الفاخر وآخر بثيابه الرثة البالية؛ واحد بفضائله وآخر برزائله. |
||||
28 - 07 - 2020, 06:26 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير سفر المزامير - مزمور 10 - لا تنس المساكين يا رب!
ب. ملحد: "أغاظ الخاطي الرب ولم يفحص عن كثرة رجزه. لأن ليس الله أمامه" [4]. يرى القديس أغسطينوس أن وراء كل الحاد شهوة. فإنه وإن اعتقد بعقله ومنطقه بوجود الله، لكن لإراحة ضميره وتحقيق شهوات قلبه الشريرة وملذات الجسد أو ممارسته للظلم يُخرج الله من حساباته. بينما يلهج قلب المحب باسم الله مرددًا اسمه القدوس مع كل نسمة من نسمات حياته، إذا بالشرير يتجاهل النعمة الإلهية، حاسبًا الله بعيدًا كل البعد عن العالم، وأنه لا يبالي بأعمال البشر أو حياتهم ولا يدينهم! إذ هو يتمتع بنوع من الرفاهية، يحلم معتقدًا أن الله لا يطاوله، ومن ثم يتصور الأحكام الإلهية بعيدة تمامًا عنه؛ وإذا قاومه أحد، يثق أنه يقدر أن يطرحه على الفور أرضًا أو يمزقه إربًا بنفخة أو نسمة أنفه[256]. بمعنى آخر، تجرد الخطية الله من سلطانه وعرشه بل تلغي وجوده واهب النعم تمامًا من القلب، أي من عرشه الملوكي. وقدر ما تستطيع تتصرف كي تجعل الشرير يفكر ويتصرف كما لو كان الله غير موجود. يسيء الشرير فهم أناة الله وصبره بسبب عماه الروحي، إذ يقول المرتل أن الله ليس أمامه أو حسب النص العبري "ليس أمام عينيه". الله موجود في كل مكان، لكن بسبب عمى الشرير يظنه غير موجود، أو على الأقل أنه لا يرى أفعاله، وإن رآها لا تشغله. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن العنف أو الظلم أو الغضب عِلَّة الإلحاد، إذ يقول: [الغضب ظلمة، يقول الكتاب المقدس: "قال الجاهل في قلبه: ليس إله موجود" (مز 14: 1). ربما يناسب هذا القول الغضوب أيضًا، إذ قال الغضوب أيضًا: ليس إله. وكما يقول الكتاب: "حسب تشامخ أنفه (شدة غضبه) لا يطلب الله"[257]]. إن كان الغضب يعكر العينين أي يفسد البصيرة الداخلية، فإنه يحرم الإنسان من التمتع بالرؤيا الإلهية. لا نعجب إن لاحظنا أن المجتمعات الإلحادية تحمل سِمتين رئيسيتين، الانحلال الأخلاقي الخاص بشهوات الجسد، وتأليه الإنسان. الساقط في شهوات جسدية يطلب ألا يوجد من يحاسبه فيحرمه من التسيُّب، وأيضًا من يؤلّه ذاته لا يقدر أن يقبل وجود إله يتدخل في حياته. سيأتي ضد المسيح ليبث هذه الفكريين: انحلال وتألُّه! |
||||
28 - 07 - 2020, 06:27 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير سفر المزامير - مزمور 10 - لا تنس المساكين يا رب!
ج. طرقه نجسة: "طرقه نجسة في كل حين. أباد أحكامك عن وجهه، ويسود على جميع أعدائه" [5]. إن كان الله هو القدوس، ومؤمنوه الحقيقيون قديسين يحملون سمات أبيهم؛ فإن عدو الخير هو "الدنس" أو النجس"، واتباعه يحملون سماته فيهم، ألا وهي النجاسة. كما أن القداسة هي حياة داخلية، شركة مع الله، يُعبَّر عنها خلال الفكر والكلمات والعمل؛ هكذا النجاسة موت داخلي يحل بالأعماق فيحطم كل ما بالإنسان؛ هذه النجاسة هي ثمرة اتحاد مع العدو الشرير، تتحول إلى طريق دائم لا يقدر الإنسان أن يَخِلُص منه إلا بالنعمة الإلهية. في هذه العبارة [5] يكشف عن علاقة الشرير بنفسه (نجاسة داخلية!)؛ ومع الله (رفض تام لأحكامه) ومع الغير (حب السيطرة والسلطة!). وكأن النجاسة الداخلية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإلحاد العملي والعنف. |
||||
28 - 07 - 2020, 06:27 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير سفر المزامير - مزمور 10 - لا تنس المساكين يا رب!
د. غاش ومحيك مؤامرات: "فمه مملوء لعنة ومرارة وغشًا. تحت لسانه عناء ووجع. جلس في الكمين مع الأغنياء ليقتل البريء في خفية. وعيناه إلى البائس تنظران" [7-8]. إذ يحمل الشرير روح إبليس أبيه يمتلئ فمه لعنة ومرارة وغشًا. فإن كان السيد المسيح قد دُعي بالمبارك مصدر البركة، يُقيم من مؤمنيه جماعة مباركة، فإن إبليس الساقط تحت اللعنة يبث اللعنة خلال فم أتبعه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). ليس من تضاد في العالم أكثر مما بين البركة واللعنة. لهذا يقول معلمنا يعقوب الرسول: "من الفم الواحد تخرج بركة ولعنة؛ لا يصلح يا اخوتي أن تكون هذه الأمور هكذا. ألعل ينبوعًا ينبع من نفس عين واحدة: العذب والمُرّ؟!" (يع 3: 10-11). أن مسيحنا كله عذوبة يُضفي على النفس عذوبة داخلية، فإن عدو الخير يحمل مرارة يُضفي على نفوس الأشرار مرارة قاسية. مسيحنا هو الحق يبعث في مؤمنيه الصدق، أما عدو الخير فيبث في أتباعه روح الغش والخداع. * "تحت لسانه عناء ووجع" [7]... تحت لسانه وليس على لسانه، إذ يحيك هذه الأمور في صمت، ويتحدث إلى الناس بعكس ما يُبطن، فيبدو صالحًا وبارًا، وابنًا لله. القديس أغسطينوس |
||||
|