المسيح هو كلمة الله الذي هو الله ذاته
ويوضِّح لنا الكتاب المقدَّس أنَّ المسيح هو كلمة اللَّه الذي هو اللَّه ذاته، بلاهوته، كلمة اللَّه المملوء نعمة وحقًا وقد صار جسدًا:
" وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا." (يو1/14)، إتّخذ جسدًا، صورة اللَّه الذي هو اللَّه إتّخذ صورة العبد " اَلَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا لِلَّهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ" (في2/6-7)، اللَّه، الكلمة، الذي حلَّ بلاهوته في الناسوت، وتجسَّد الذي "فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا" (كو2/9)، ظهر في الجسد "عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ" (1تي3/16)، ووُلِدَ من امرأة في بيت لحم في ملء الزمان، وهو كلِّي الوجود، الموجود في كلّ زمان ومكان، والذي لا يحُدَّه شيء " وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ" (غل4/4) .
وكما نقول عنه في قانون الإيمان " نؤمن بربٍ واحدٍ يسوع المسيح ابن اللَّه الوحيد المولود من الآب قبل كلّ الدهور نور من نور إله حق من إله حق مساوٍ للآب في الجوهر، الذي به كان كلّ شيء، هذا الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسَّد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنَّس".
ولكنَّه بلاهوته ظلَّ هو هو كلِّيّ الوجود الموجود في كلِّ زمان ومكان لا يَحُدَّه شيء ولا يُحيط به شيء، كما يقول القديس أثناسيوس الرسولي " فلا يتوهمن أحد، أنَّه أصبح محصورًا في الجسد، أو أنَّ كلّ مكان آخر أصبح خاليًا منه بسبب حلوله في الجسد، أو أنَّ العالم أصبح محرومًا من عنايته وتدبيره طالما كان يحرك الجسد،إنَّه وهو " الكلمة " الذي لا يحويه مكان، فإنَّه هو نفسه يحوي كل الأشياء، وبينما كان حاضرًا في كلِّ الخليقة فقد كان يتميَّز عن سائر الكون في الجوهر، وحاضرًا في كلِّ الأشياء بقدرته، ضابطًا كلِّ الأشياء، ومُظهرًا عنايته فوق كلِّ شيء، وفي كلِّ شيء، وواهبًا الحياة لكلِّ شيء، ولكلِّ الأشياء، مالئًا الكلّ دون أنْ يُحَدَّ، بل كائنًا في أبيه وحده كليًا .
وهكذا حتي مع حلوله في جسد بشريّ واهبًا إيَّاه الحياة، فقد كان يمنح الحياة في نفس الوقت للكون بلا تناقض.. ومع أنَّه كان معروفًا من خلال أعماله التي عملها في الجسد، كان في نفس الوقت ظاهرًا أيضًا في أعمال الكون" [تجسد الكلمة 17].