النبي ايلياس الغيور
ولادته ، ككل حياته ، تقترن بالنار
عندما ولد النبي ايلياس في تشبا ، في ارض جلعاد من فلسطين القديمة رأى ابوه سافا رؤية بينما كان الصبي في مهده ، اطل ملاك نوراني وراح يطوف حول الطفل وهو يحيك ثيابا من نار احاطت بالصبي من كل جهة .
لما ذهل الاب الخائف ، لاحظ امرا اكثر غرابة : كان الملاك يطعم الطفل لهيب نار ! ماذا يمكن لهذه الاحداث ان تعني ؟ ولئن كان المصعوق سافا لم يكن يعرف ذلك في حينه ، الا ان ابنه ايليا ( 900-948 ق م ) كان مقدرا له ان يكون النبي الاكثر نارية في تاريخ العالم انه شخصية كتابية ( اسمه يعني : يهوه هو الله ) ، كان ايليا يقارع الملوك طوال حياته ، وكان ينذر الامم القوية ان اعظم خطيئة هي الابتعاد عن الله ، وان قصاص الله على الذين يعبدون الاصنام بدل عبادة الاله الحقيقي يتضمن هلاك الوثنيين .
ولد في سبط هارون حوالي سنة 900 ق م ، كان ايليا نبيا مرهف الاحساس ويخاف الله ، وسرعان ما اظهر غيرة عظيمة للاقتراب من الله القدير ، حتى عندما كان طفلا ، كان يطوف البراري وهو يصلي ويتأمل ، واثناء حياته الصاخبة في القرن التاسع قبل الميلاد كانت اعظم مواجهاته مع الملك اخاب وزوجته الظالمة ايزابيل ، وعندما اقنعت الملكة اخاب ان يقيم هيكلا للاله السوري بعل ، كانت المعركة مرشحة لأكثر المواجهات بأسا وقسوة في العهد القديم ، واعني بها المواجهة الرهيبة بين النبي ايليا واخاب .
الا ان هذه المعركة الكلاسيكية بين قوى الايمان الحقيقي ، وقوى الوثنية ، كانت من الاحداث العجائبية الخانقة التي تملأ حياة رجل الله ايليا ، احيانا يشار اليه بالتشبيتي ( مسقط رأسه : تشبا ) ، كان الناري ايليا في بعض الاحيان يتحدى الواقع الاعتيادي ، ويذهل الناظرين اليه باجتراحه العجائب التي تذهل العين ، ومن جديد كان يرهب كل من كان حوله باظهاره قدرة الله ، وكان يقوم بأعمال يعجز عن فهمها الانسان .
وفي احدى المناسبات ، على سبيل المثال ، راح ايليا النبي يصلي الى الرب ، وبقدرة الرب ، حبس المطر طوال ثلاث سنوات ، وفي مرة اخرى ، وعلى جبل الكرمل ، وفي مواجهة يراد منها اظهار قدرة الله الواحد الحي ، بازاء قوة الاصنام المزيفة ، كان بمقدور ايليا ان ينزل نارا من السماء على الذبائح التي كان قد اعدّها لله ، وبهذا برهن على حقيقة ازلية اله اسرائيل ، وفي اعجوبة ما تزال تلهم المسيحيين ، راح يزيد الطحين والزيت في مخزن الارملة التي في صرفة صيدا ، وذلك كي يحول دون وقوعها في الجوع والعوز ، وعندما مات ابنها ، كان ايليا حاضرا ، فأعاده الى الحياة بأعجوبة يبدو انها سبق ان صورت اقامة لعازر من بين الاموات على يد ابن الله بعد 800 سنة .
ومن جديد فان ايليا سوف يجد نفسه في ظروف رهيبة تستدعي التدخل السماوي ، على جبل حوريب سوف يخاطب الله القدير ، بينما هو يستمع صوت الرب في نسيم عليل ، وعلى مقربة من النهر الهادر ( حوراث ) يختبيء ايلياس من اعدائه بايعاز من الرب القدير ، وكانت تطعمه مجموعة من الغربان ، ومع خليفته اليشع سوف يشق نهر الاردن ، لينتقل الى الاخدار السماوية في عربة نارية تجرها احصنة من نار ، وبالتوازي مع نبي اخر هو موسى ، يظهر ايليا الى جانب الرب يسوع المسيح ، ابن الله ،اثناء التجلي على طور ثابور .
وايليا الذي يلبس ثوبا من فرو الغنم ، ويتمنطق بحزام ، انطبعت صورته في وعي العالم الغربي طيلة 2000 ، كل شيء عن ايليا حصل على نطاق عظيم وضخم ، في قيشوند ، ذبح ايلياس 450 كاهنا وثنيا كانوا مشغولين بعبادة الاصنام ، وبقيادة رعاياهم الى الغموض والخطيئة .
وفي احدى النقاط ، وعندما بلغ حد الموت ، راح ملاك من الرب يطعمه ، فتقوى وسار بقوة تلك الاكلة 40 يوما وليلة دون ان يتوقف للراحة .
وبعد ان تنبأ ان الملك الوثني اخاب سيهلك لابتعاده عن اله الاسرائيليين الحقيقي ، يعود ايليا ويتنبأ من جديد عن الميتة المروعة التي ستحل بابن اخاب احزيا ، ولعل اعظم انتصاراته عند نهاية حياته ، حوالي 849 ق م عندما نقلته عربة نارية بينما كان يكلم خليفته اليشع ، فاندفع الى السماء في هيئة نارية ، كان رحيله المذهل من هذه الحياة في عهد يوشافاط ملك يهوذا ( 873 – 849 ) بحسب معظم مؤرخي العهد القديم .
واحدى اعظم النضالات في حياة ايليا الطويلة ، كانت معركته العنيفة مع اخاب الملك المقتدر وزوجته الظالمة ايزابيل ولأن هذين الاثنين كانا قد ادخلا عبادة اله البعل الى حياة الاسرائيليين ، انحدرت البلاد الى الفساد والفوضى الاجتماعية ، لم يتردد ايليا ان يصف الكارثة او نتائجها ايضا ، وبصوت عال صرخ في وجه الملك والملكة متهما اياهما في التسبب بالكابوس الذي كان الاسرائيليون يرزحون تحته .
طالب ايليا اخاب بالتوبة ، ولكن عندما ابى اخاب ان ينصاع ، راح ايليا ينذره ، ثم انذره باحتباس المطر وبدء المجاعة في اوساط الاسرائيليين ، وبالفعل ، فقد حصلت هذه كلها ، فاستشاطت الملكة غضبا وامرت جندها ان يقتلوا ايليا على الفور ، الا ان الله تدخل من جديد ، وارسل ايليا الى البرية ، وكانت الطيور تطعمه ، وبعد ان طالت المجاعة والجفاف ثلاث سنوات ، نهض ايليا من جديد بأمر من الله وعاد الى اخاب كي يقول له مرة اخيرة انه لم يكن يتعبد اله الاسرائيليين الحقيقي ، بل لآلهة مزيفة .
وبعد ان اقتاد ايليا الملك وشعبه الى جبل الكرمل مع كهنة البعل ، امر بتشييد مذبحين واحد لخدمة اله الاسرائيليين ، واخر من اجل ذبائح اله البعل ، وعندما اعدت الذبائح وقربت لحظة الحقيقة ، صمتت الجماهير ، فقام ايليا ووقف امامهم هيئة رهيبة في ثوب الغنم ، وصرخ عاليا : المذبح الذي عليه تنزل النار ، يكون مذبحا للاله الحقيقي .
وطوال ذلك النهار الطويل حاول الوثنيون ان ينزلوا نارا من الهتهم بعل ، الا ان صلواتهم لم تنفع .
وعندما بدأ الظلام يسدل ستاره على الجبل ، جمع النبي اثني عشر حجرا وراح يشيّد بها مذبحا ( والحجارة دليل على عدد اسباط اسرائيل الاثني عشر ) ، وبعد ان اتم ايليا تشييد المذبح ، وضع الذبائح الحيوانية على النار وامر اعوانه ان يجعلوا خندقا حول المذبح ، وان يملأؤه ماء ، وفي الوقت عينه امر ان تغطس الذبائح بالماء المرة تلو الاخرى ، وبعد ان تم له ما اراد ، رش الماء على ما حول المذبح كي لا تحرقه النار .
وصار ايليا بكلمات تنم عن سلطان ، وتضرع الى الله ان يرسل نارا ازلية تحرق كل الذبائح وذلك كي يتبين للجميع وجوب اختفاء عبادة الاوثان في كل مكان يخضع لآخاب ، وان يعود الاسرائيليون الى عبادة الاله الحقيقي الواحد ، اله اسرائيل .
وما اعقب هذا كان واحدا من السيناريوهات التي لا تنتسى في العهد القديم ، كانت عاصفة نارية ، اتونا مقدسة اشتعلت في السماء ونزلت على الجبل كالصاعقة ، كانت الحرارة شديدة للغاية من جراء هذا الحريق العجائبي الذي اتى على المذبح والذبائح والحطب ، لابل ان النار اشتعلت في الماء ايضا ، ففزع الحاضرون من النار التي طلبها ايليا ، فقاموا وصرخوا بصوت واحد : ” في الحقيقة ان الرب هو الاله الواحد وليس بازائه اخر “.
وكانت النتيجة لا تنتسى ولا يمكن صدها ، الا ان العظيم ايليا لم ينته بعد فقد صلى من اجل عودة الامطار التي كانت قد حبست طيلة ثلاث سنوات ونصف ، وكان الطوف العارم ، ولمدة ايام غمرت المياه الاراضي مروية الارض العطشى التي ضربها الجفاف في كل انحاء فلسطين .
وعندما رأى اخاب ما فعله ايليا ، تاب ، لا بل امر ان يقتل جميع كهنة البعل على الفور ، فاستعادت الامة عبادة الاله الواحد ، اما ايزابيل فكانت قاسية ، ومازال قلبها يتبع البعل ، فقامت تسعى لقتل ايليا .
الا ان جميع مساعيها باءت بالفشل ، وظل ايليا حيا ، وظل يتنبأ ، وبعد ان حمل الى السماء على مركبة نارية ، مايزال الى اليوم يلهم المسيحيين ويعزيهم بالشجاعة والثبات التي اظهرها طوال حياته لله القدير .
وهذه الخدمة لم تنته بعد بحسب تقاليد الكنيسة المقدسة التي تخبرنا ان النبي سوف يخدم في احد الايام كسابق لمجيء يسوع المسيح ، وبحسب التقاليد ، فان ايليا سيبلغ حقيقة ابن الانسان ، ويحض الناس على التوبة ، ويقتل على يد ضد المسيح في فعل خيانة تعلن نهاية العالم .
ان حياة ايليا النبي مدونة في عدد من اسفار العهد القديم ( 3 ملوك ) ( 4 ملوك ) ( سيراخ ) ( الجامعة 48 : 1- 51 ) ( مكابيين 2 : 58 ) ، وايضا في العهد الجديد الذي يصف ظهور ايليا في زمن تجلي الرب على طور ثابور ( متى 17 : 3 ) ( مرقس 9 : 4 ) ( لوقا 9 : 30 ) .
ان سيرة ايليا اذهلت العالم في كل مكان ، وحضوره مطبوع بقوة في المسيحية ، ولد في النار ، وانتقل الى السموات على عربة من نار ، ايليا سيبقى الى الابد رمز للمحبة وللعلاقة الابدية بين الله والانسان .
من ايليا نتعلم ان الله يكرم الذين يطلبونه ويتبعونه .
طروبارية باللحن الرابع :
” ايها الملاك بالجسم قاعدة الانبياء وركنهم ، السابق الثاني لحضور المسيح ايليا المجيد الموقر ، لقد ارسلت النعمة من العلى لأليشع ليطرد الاسقام ويطهر البرص ، لذلك يفيض الاشفية لمكرميه دائما “.
قنداق باللحن الثاني :
” ايها النبي الذي سبق فنظر اعمال الله العظيمة ، ايليا العظيم اسمه ، يا من بكلمتك اوقفت جريان ماء السحب ، تشفع من اجلنا الى المحب البشر وحده “.