رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ابو نفر السائح القديس أبو نفر السائح، من قديسى القرن الرابع الميلادي ومن مشاهير الآباء السواح ويرجع الفضل فى كشف سيرة هذا القديس إلي القديس بفنوتيوس الذي كان يتوق من كل قلبه أن يعاين عبيد الله السواح. فحركته نعمة الله لتكميل هذه الرغبة المقدسة ، فأخذ يجوب البراري الموحشة فى الصعيد الأعلى، ويتوغل في البرية الداخلية، أملاً فى أن يتقابل مع القديسين السواح، فينال بركتهم، ويتزود بصلواتهم، ويأخذ عنهم ما هو لبنيانه الروحي. فسار أياماً كثيرة وقطع أميالاً عديدة حتى أرشدته نعمة الله إلى أبو نفر فيروى ويقول: "لقد حفظت كل شئ، ليس فى ذاكرتي فقط، بل في أعماق قلبي أيضاً." يقول القديس بفنوتيوس: "وبينما أنا سائر بين الجبال والتلال، إذ بى أرى من بعيد إنساناً مخوفاً له منظر غريب، نحيفاً، عرياناً، ولا لباس عليه، أما شعره فقد كسا جسمه كله مثل الثوب. كما كان مؤتزراً بليف، وكانت لحيته تصل إلى قدميه. وعندما اقتربت منه خفت وصعدت إلى قمة جبل عالٍ. طالباً النجاة لنفسي، حيث كان كل تفكيري أنه من سباع الجبل!! ولكن هذا الإنسان المهوب . ألقي بنفسه أسفل الجبل ورفع رأسه إلي أعلي. وقال لي بصوت روحاني عذب وجميل يملأ النفس المضطربة سلاما وطمأنينة : "هلم انزل يا أخي بفنوتيوس قديس الله ولا تخف. فأنا إنسان مثلك. متوحد في البرية من أجل السيد المسيح الذي أرسلك لي." .قصة صوتية عن حياة القديس ابو نفر السائح - بير المعجزاتفتعجبت لمعرفة هذا الناسك المتوحد لاسمي وأيقنت للوقت أنه أحد الآباء السواح القديسين الذين اشتقت لرؤيتهم. فنزلت سريعا من فوق الجبل. وسقطت بين يديه ساجدا.. ولكن القديس مد يده بكل رفق وحنان وأنهضني بصوت يملؤه الإتضاع والمحبة قائلا : "أنهض يا أخي الحبيب. و هلم بالجلوس إلى جانبي." فقلت له: "مبارك هو هذا اليوم الذي رأيتك فيه يا أبي القديس. لقد امتلأ قلبي فرحا وبهجة برؤيتك حتى أنني مجرد أن سمعت صوتك نسيت كل أتعابي، مشتاقا للجلوس معك أنا الغير مستحق أن أري محبة الله في شخصك الحبيب." فأمسك بيدي وأجلسني إلي جواره وبعد أن عرفت اسمه سألته قائلاً: "كم هى عدد السنوات التي قضيتها هنا في البرية عابدا وناسكا؟ وكيف كنت تعيش هنا في هذا المكان المقفر؟ وكيف وصلت إليه؟ لأن الطريق إليه صعب والمكان موحش للغاية ؟ أسألك يا أبي القديس أن تخبرني بسيرتك منذ البداية وكيف وصلت إلي هذا المكان ؟" فأجابني القديس قائلاً: "مادامت هذه هي إرادة الله. فأنا لن أخفي عليك شيئا من أمري. فأسمي هو نفير وقد ذهبت إلى دير بـهرموبولس بالصعيد طالبا الرهبنة التي اشتقت إليها منذ صغرى، وتمنيت لو كنت واحدا من أولئك الذين تخلوا عن أهواء هذا العالم وشهواته، ولم يعودوا بعد في العالم يعملون بحسب الجسد بل مع الرب في كل حين. ولسان حالي يقول مع بولس الرسول "فلنثق ونسر بالأولي أن نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب " (2 كو 5 : 8 ) وكان بالدير مائة وأربعة راهبا. كنا نعيش بقلب واحد ونفس واحدة تسكر أنفسنا بحلاوة إلهنا في كل حين ولا نعرف رغبة أخري خارجا عنه. يلذ لنا السكوت لننصت لكلام الروح ونتحد بالله . كنا نشترك بمحبة كاملة في المائدة. ونقوم بشتي التدريبات الروحية. مثابرين علي العمل اليدوي. ملتزمين بالصمت الكامل . وكان بعض الشيوخ القديسين يسددون خطواتي الأولي في طريق الكمال. فكانوا يذكرونني مرات كثيرة بالمثل العظيمة التي في الكتب المقدسة. إيليا وأتعابه في الصحراء، يوحنا المعمدان وحياة العزلة التي عاشها حتى ساعة ظهوره للعالم، وكنا في هذا الدير نحفظ أنفسنا في حالة تأمل دائم مركزين أفكارنا في وجود الله، ومجاهدين من أجل التقدم في التقوى. عابدين الرب ليلاً ونهاراً ونحن مملئون بالإيمان الحي والمحبة المتوقدة، والزهد في العالم والصبر والوداعة والنسك. وكان آباؤنا الشيوخ يسدون لنا الإرشادات الروحية والنصائح الاختبارية في حياة النسك. وفي مواجهة الحروب المختلفة التي كان يثيرها علينا عدو الخير. وذات يوم بينما نحن جالسين أمام شيوخنا القديسين في الكنيسة نتعلم منهم الحياة في المسيح. سمعتهم يمدحون حياة الآباء السواح الذين يسكنون البرارى الداخلية. ومن ثم اتجهت إلي أحد الشيوخ وسألته: "هل يوجد في هذه البرية أفضل منكم عند الله يا أبي القديس علي الرغم من هذا التعب وهذا الحرص الشديد في حياتكم اليومية وهذه الإماتة الروحية من أجل محبة الله التي في قلوبكم؟" فقال لي الشيخ: "نعم يا ابني نوفير. هم أفضل منا بكثير نحن لم نسلك طريق الرهبنة بعد أمام حياتهم النسكية السامية التي فيها يقدمون ذواتهم ذبيحة حب للسيد المسيح له المجد نعم، لأننا في الأديرة نعيش حياة مشتركة. ففي ساعة الغذاء نجد الطعام معداً. وإذ مرض أحد الاخوة يجد من يزوره ويخدمه. وعند الحاجة يلتمس بعضنا العون عند البعض. أما في الصحراء. فليس شيء من هذا. ففي وقت التجربة لن يحضر من يعزيك. وإذا احتجت إلي الطعام أو الشراب فلن يعده لك أحد. نعم يا ابني، أن حياة الشركة بكل نسكياتها وفضائلها لا تضاهي حياة هؤلاء الأبرار الذين ليس العالم مستحقا لهم تائهين في براري وجبال ومغائر وشقوق الأرض. فالله هو فرحهم وبهجتهم، هو كسوتهم، وبمجده يتغطي عريهم. يبدل شهوة أجسادهم بعظمة جبروته. إن أولئك القديسين ساكني البرية من أجل المسيح لا يجدون من يطعمهم عندما يجوعون. ولا الماء عندما يعطشون، ليس لهم معين، أو مرشد أو خادم أو سند في تلك الحياة الصعبة، ولكن الرب يسوع هو سندهم الوحيد يرعاهم ويفتقدهم فكم من حروب روحية شديدة وقاسية يوجهها إليهم عدو الخير. فهو يعمل علي إعاقتهم بشتي الطرق عن مواصلة جهادهم ونسكهم، لمعرفته بعظم المكافأة والإكليل المعدة لهم. أما هم فيصرخون إلى الرب إبان تلك التجارب ليعطيهم الغلبة والنصرة. ويرسل لهم ملائكة لتخدمهم وتعطيهم الطعام وتنبع لهم الماء من الصخر وتقويهم وتعزيهم . هؤلاء يتم فيهم ما قيل بأشعياء النبي: " أما منتظروا الرب فيجددون قوة يرفعون أجنحة كالنسور يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون" ( أش 40 :31 ) وفي جوعهم يجعل الله لهم الحشائش المرة المذاق حلوة في أفواههم وهم يرفعون أياديهم للصلاة دائما فتأتيهم المعونة سريعا . فطوبى لذلك للإنسان الذي يكمل مشيئة الله فإنه سيختبر فعل عنايته الفائقة وستحيط به الملائكة وتخدمه . وعندما سمعت هذه الصفات الجميلة والحياة الملائكية للآباء السواح من آبائي الشيوخ قلت في نفسي مبارك هو هذا الإنسان الذي يدعوه الرب ويختاره لتلك الحياة السمائية وتأججت مشاعرى في اشتياق بالغ لهذه الحياة السامية فانتهزت سكون الليل لكي أنسحب من محبة إخوتي العميقة. وأخذت معي يسيرا من الخبز يكفيني ثلاثة أو أربعة أيام إلي أن يرشدني الرب إلي الموضع الذي اختاره لي وتوغلت في الصحراء مصليا إلي ربي يسوع المسيح ليقويني في طريقي راكضا إلي الينبوع طالبا إياه وحده فهو ماء الحياة والينبوع الذي لا يجف وبينما أنا أصلي في طريقي وسط الجبال، رأيت نورا ساطعا. فخفت وأردت أن أرجع إلي الوراء وأعود لديري. ولكن سمعت صوتا هادئا يقترب مني قائلا: "لا تخف يا نوفير، هوذا أنا الملاك الذي عينه لك الرب منذ ولادتك وسأكون معك وأصحبك إلي المكان الذي اختاره لك الرب." فغمرني الفرح وزال عني الخوف تماما وغدوت أنشد مزاميري بفرح وسرور واستأنفت المسير يرافقني ملاكي الحارس. وسرت مع الملاك نحو سته أميال أو سبعة أميال. حتى شاهدت مغارة في الجبل فاقتربت منها ورأيت نورا يسطع من داخلها. فدنوت من الباب قائلا في نفسي: "لعل أحد القديسين يسكن هذه المغارة." فقرعت الباب وقلت بارك علي يا أبي، فخرج من المغارة أحد القديسين المتوحدين. وكان طويل القامة. ذو وجه بشوش نورانى. وبمجرد أن رأيته صنعت له ميطانية، وقد بادرني قائلا: "الرب الإله يبارك حياتك ويكون معك ويحقق لك رغبتك وشهوتك المقدسة التي من أجلها خرجت من ديرك إلي هذه البرية." وطلب مني القديس أن أدخل مغارته لأستريح عدة أيام ثم أواصل مسيرتي. فأقمت عنده أياما تتلمذت علي يديه. وعرفني واجبات حياة الوحدة وسماتها وعلمني ماذا أفعل. وكيف أجاهد قبال محاربات الشياطين وقتالاتهم وبعد مدة قضيتها متتلمذا عند قدمي الشيخ القديس قال لى: "أري يا ابني نوفير أن عقلك قد استنار بالحكمة. وقلبك قد امتلأ حبا لحياة الوحدة. لذلك تستطيع بالمعونة الإلهية أن تجاهد حسنا في الموضع الذي عينه لك الرب. وسأرافقك يا ابني إلى ذلك المكان الذي اختاره لك الرب يسوع لتجاهد فيه." وخرجت مع أبي القديس وسرنا في البرية حوالي أربعة أيام حتي وصلنا إلي مغارة في الجبل. وكان بجانبها نخلة واحدة. وعين ماء وهناك مكث القديس معي نحو ثلاثين يوما يعلمني ويرشدني حتي اطمئن علي وأيقن بإمكانية الحياة بمفردي في هذه المغارة. وودعني أبي القديس عائدا إلي مغارته، تاركا إياى في وحدة كاملة أشبع اشتياقي المقدس في الحياة مع من تحبه نفسي. وكنت أقوم بزيارة معلمي الشيخ مرة واحدة في كل سنة من أجل الاستفادة من إرشاداته الحكيمة واختباراته الروحية العميقة. وكما كنت أطلعه علي كل احتياجاتي ومشاعري وأفكاري وما أتعرض له. فكان دائما يعضدني بصلواته وبركته وأبوته الحانية و تعزياته القوية. وفي إحدي المرات ذهبت إلى أبي السائح كعادتي فوجدته مريضا مشرفا علي الموت. فجلست بجواره حتي أسلم الروح بين زراعي. فقمت بدفنه في مغارته ورجعت الي موضعي أسبح وأمجد الله لحياة هذا الاب القديس الطوباوى. ثم سألته أنا بفنوتيوس: "وماذا بعد أن تنيح معلمك يا أبي." فأجابني: "عشت في موضعي هذا كل هذه السنوات ستين سنة متجولا في البرية من أجل السيد المسيح ولم أر وجه إنسان حتي الآن سواك أنت ياأخي الحبيب بفنوتيوس. فسألته كم من آلام عانيتها يا أبي القديس في غربتك هذه، لابد أنك تعبت كثيرا في هذه البرية المقفرة؟" فأجابني القديس: "نعم يا أخي الحبيب، كم من أتعاب وصعاب لاقيتها منذ بداية حياتي منعزلا عن كل شيء. وخاصة بعد نياحة أبي الشيخ المتوحد، فقد حرمت من التعزية التي كان يعضدني بها وبكلماته المشجعة. فحينا كنت ممتلئا حيوية وفرحا بالرب وأحيانا أخري يزأر الموت ضدي في أعضائي. كم من مرات كدت أموت جوعا وعطشا وتعبا سواء في حر النهار أو في برد الليل. حتي يبس جسدي كم من أيام كثيرة قام علي الشيطان ليقاتلني. ويحاربني بأشد أنواع الحروب لكي ما أشعر باليأس في الاستمرار أو حتي يثبط من عزيمتي ولكن نعمة الرب يسوع المسيح افتقدتني فكنت أتجلد صبرا واحتمالا وأزيد من جهادي وصلواتي فعندما رأي الرب صبري علي الصوم والجهاد الروحي والممارسات النسكية التي أقدمها من أجل حبه. أرسل لى ملائكة لتخدمني وتقويني وتعزيني والرب يسوع يعضدني بيمينه المقدسة ويؤازرني بنعمته ويقويني بروحه القدوس. ففي أحلك لحظات حياتى، وجدت يد يسوع ترعانى، لأنه يا أخي الحبيب عندما تصل النفس الي عمق الحب عمق الألم، عمق الضيق والوجع والدموع، سوف يتذوق القلب ما في أعماق الله من حب، وستعرف بالحقيقة كيف تناجيه، إذ تتذوق حلاوته و تعزياته التي تنبع من خلال الألم والضيق، فإن تعرت مما هو لها يلبسها نوره، وإن تركت ما تملك، اقتنته في داخلها إلى الأبد. فإن الرب يشبع تلك النفوس العطشي إليه ويغمرها ينابيع من التعزيات. فتشعر وكأنها في ملكوت السموات وهي ما تزال علي الأرض. بل أنه من فرط حنانه ورعايته يرسل ملائكته لتعزي كل من في البرية من اسمه القدوس، وهؤلاء عندما تشبع نفوسهم بالوجود الدائم في الحضرة الإلهية وعشرة القديسين ويمتلئون شوقا لرؤية أولئك الذين سبقوهم في نفس طريق جهادهم. يسمح لهم الله أن ترتفع أرواحهم لمعاينة تلك الأرواح المقدسة. إذ يلتقون بالروح، وفي هذه اللحظات المقدسة يشعرون من خلال الله أنهم في لجة من الحب الإلهي الذي يحيط بهم من كل ناحية!! فيمتلؤن تعزية وينسون كل أتعابهم وآلامهم التي عاينوها طوال حياتهم وعندما يعودون بأرواحهم إلي أجسادهم مرة أخري يشعرون وكأنهم مازالوا في تلك المشاعر المقدسة المملؤة بالفرح والسلام والهدوء العميق. فيستمرون في هذه المشاعر لمدة طويلة حتي أنهم وكأنهم لا يشعرون بهذا العالم الذي من حولهم. إذ يعيشون بأرواحهم وأفكارهم في عالم آخر من الروحانيات والتسابيح الدائمة." ولما سمعت هذا الكلام من القديس الطوباوي وتأملت في عجائب حياته الطويلة. وجدت نفسي قد نسيت كل أتعابي وكل ما قاسيته في الصحراء وأنا ابحث عن عبيد الله السواح، وللوقت امتلأت فرحا لأنني استحققت أن أسمع هذه الكلمات وتلك الدرر الثمينة من فمه الطاهر. وشعرت بالقوة جسدا وروحا وسألته: "وماذا عن طعامك يا أبي القديس نوفير؟" فقال لي: "من مراحم الله الكثيرة عن ضعفي. وعنايته الخاصة بي أنه أوجد بجوار مغارتي نخلة واحدة، تطرح ثمارها طول العام، وتحتوي علي اثنتي عشر سباطة من البلح الحلو المذاق. وكل سباطة منها كانت تكفيني شهرا فضلا عن حشائش البرية الخضراء التي أبدل الله مرارتها فجعلها حلوة كالشهد. كملا أوجد الرب لي عين ماء حلو وعذب لأرتوي منها وهكذا يا حبيبي بفنوتيوس، إن من يصنع مشيئة الله سيعاين العناية الفائقة في كل وقت. فقلت له: "مباركه هي الساعة التي استحققت فيها أن أري وجهك المقدس وأسمع منك هذه الكلمات العذبة يا أبي القديس وسجدت له ثم قلت له كم أشتاق يا أبي القديس لرؤية مغارتك التي شهدت جهادك ونسكياتك ودموعك وسهرك وأيضا تلك النخلة المثمرة وهذه العين التي لا ينقطع منها الماء." فرد علي القديس قائلا: "هيا يا بفنوتيوس حبيب المسيح إلى المغارة لتعاين بنفسك العناية الإلهية التي لا تضاهيها عناية وترى الحب الفائق الذي لا يضاهيه حب الذي غمرني طوال حياتي في هذا المكان." فقمت وسرت معه عدة أميال إلي مغارته. وكنا نتحدث في الطريق بعظائم الله وعجائبه. كما أنني كنت أتعجب من اشراقات النعمة الصادرة من فمه فكنت أسمع منه أقوالا بسيطة متواضعة ولكنها مملوءة بالحكمة والنعمة. ولما وصلنا الي هناك. تعجبت من الهدوء اللانهائي الذي يسود المكان فهذه المغارة في عمق الجبل لها جمالها ورهبتها، وإذا بكياني يهتز هزا عنيفا. إذ أحسست في هذا المكان بنعمة الله تنعشني وتنشطني. وعندما وجدت النخلة المثمرة وعين الماء التي فجرها الله من وسط الصخرة للقديس ليرتوي من مائها، انبهرت من عناية الله الفائقة بقديسيه. وبينما أنا منبهر من روعة المكان وهدوئه العظيم وغناه مع فقره وكنوزه الكثيرة. التي تجذب كل نفس تائقة إلي مناجاة الله في الوحدة. دعاني القديس نوفير للدخول إلي مغارته. فدخلت باحترام عميق، لأنها مكان سره، بل هي أيضا خدرا سماويا يناجي فيها الله. وهي التي شاهدت جهادة ونسكياته وتأملاته وكل حياته المقدسة وأحضر لي القديس طعاما يسيرا وماء وقال لى: "انهض يا أخي الحبيب وكل واشرب فقد تعبت كثيرا من طول الطريق." فشعرت بالحب الصادق والأبوة الحانية، فأكلنا سويا ثم قمنا وأمضينا الليل كله في الصلاة والتسبيح إلي أن أشرق نور الصبح وعندما مالت الشمس للغروب نظرت إلي القديس الأنبا نوفير. فوجدت وجهه وقد صار نورانيا فامتلأت خوفا ورهبة فنظر القديس في حنان وقال لي: "لا تخف أيها الحبيب بفنوتيوس لأن الرب يسوع قد أرسلك من أجل هذه الساعة. أسلك لكي تهتم بدفن جسدي بعد الموت. فقد أعلمني الرب أن اليوم هو يوم عرسى. يوم انتقالي إلي كنيسة الأبكار السمائية مع الملائكة والقديسين، فهناك تسابيح الفرح والسعادة الدائمة والراحة الأبدية، هناك تختلط أصواتنا مع أصوات الملائكة، هناك المشاهدة الدائمة والحب إلي الأبد." فبكيت أنا لكثرة ضعفي. وقلت: "أهكذا يا أبي تنتقل سريعا ولم أشبع بعد من بركتك .. صلي لأجلى كثيرا يا أبي .. ويكفين أنا الغير مستحق أن أمضي بقية حياتي هنا علي رائحة بركتك .. فلقد أحبك قلبي واشتاقت نفسي أن أسكن ذلك المكان الذي تقدس بسكناك فهل تسمح لي يا أبي القديس؟" فرد علي القديس في أبوة حانية قائلا: "لاتحزن يا ابني فهذه الساعة تنتظرها نفسي أما من جهة تكملة حياتك في هذا المكان فإن إرادة الله هي التي توجه كل نفس، فمهما كانت مشيئتنا مقدسة لكن الله له تدابيره العالية في حياة أولاده لمجد اسمه القدوس. فقلت له: "كم أشعر باشتياق يا أبي لسكني هذا المكان المقدس." فقال لى: "إن الله لم يدعوك يا ابني لهذه الحياة ولكن قد خصك الله لتعزى الأخوة القديسين ساكني البرية وأن تكشف سيرة حياتهم التي عمل فيها بروحه القدوس لتكتبها وتقصها مشجعا بها أولئك الذين يسيرون بجهاد في طريق الله. فارجع يا أبني وواصل هذا العمل الجليل." فلما سمعت كلامه سجدت بين يديه خاضعا لقوله وقلت له: " بارك علي يا أبى، وأطلب من الرب عني أن أكون مستحقا لرؤياك في سماء المجد أمام العرش اللهي كما استحققت أن أراك هنا علي الأرض." فقال لى: "ليباركك الله يا أبني وليملأ قلبك بالفرح والسلام وبمحبة الله ولتمتليء عينيك بنور المعرفة الإلهية حتي تستطيع أن تثبت في الطريق وتقاوم جميع سهام العدو المملوءة نارا. وأن تتمم خدمتك بنجاح وتعاونك الملائكة حتي تمثل بين يدي السيد المسيح وأنت بلا عيب." وبعد أن أنهي حديثه معي. قام وصلي متضرعا إلى الله بدموع كثيرة في فرح وسلام. ثم رشم ذاته بعلامة الصليب المقدسة. ونام علي الأرض ومد يديه ورجليه. وأستودع روحة الطاهرة في يدي الله في السادس عشر من شهر بؤونة. حينئذ سمعت جوقات من الملائكة يرنمون ويباركون القديس الطوباوي الأنبا نوفير بألحان سمائية عذبة ورأيت نورا سمائيا هائلا يحيط بالقديس. فتأثرت جدا لهذه الحياة الملائكية السامية وامتلأ قلبي رهبة وفرحا. وأنا أشاهد الملائكة تحمل روح القديس – أبو نفر – وهي صاعدة إلي السماء مرتلة بأصوات شجية قائلة: "مباركة هذه النفس الطاهرة، لنرفعها ونقدمها قربانا للرب المسيح ملك المجد." ثم انحنيت وقبلت الجسد الطاهر الذي للقديس – أبو نفر – ولكي أكفنه لم أجد في قلايته ما أكفنه به فأخذت جزءا من ملابسي وقطعته قطعتين. كفنته بقطعة منها. واستترت بالأخرى. ووضعت جسده في صخرة بمغارته حينئذ سمعت أصوات أعداد غفيرة من الملائكة فرحين وهم صارخين قائلين: "هليلويا" فصليت عليه ووضعت عليه أحجارا كبيرة. ثم وقفت ورفعت يدى شاخصا إلي السماء وصليت ثانية. وبينما كان عقلي مشغولا برغبتي وأمنيتي في البقاء لأرث البركة التي لهذا القديس وإذ بي أجد النخلة تسقط والمغارة تنهار تماما وتتساقط حجارتها علي عين الماء فأيقنت أن هذه هي إرادة الله أن لا أبقي في هذا المكان وأن الله لم يختارني لهذه الحياة المنعزلة كما قال لي القديس نوفير. فسجدت علي الأرض ممجدا الله علي أعماله العظيمة. شاكرا له محبته الفائقة إذ سمح لي بأن أنظر ذلك الغصن الطاهر الذي صار هيكلا لمجد اسمه القدوس. وعاد القديس بفنوتيوس إلى ديره وقلايته وهو يمجد الله في قديسيه ويشكره لأنه عرفه بهذا القديس العظيم – أبو نفر السائح – وأخبر بها الآباء الرهبان. كما أوصي أن تقرأ سيرته المقدسة في اليوم السادس عشر من شهر بؤونة المبارك في البيعة المقدسة وهو اليوم الذي تنيح فيه القديس. بركة صلاته تكون معنا أمين و أمدح هذا المختار بنيوت اثؤواب آفا نوفير ذو الأصل الطاهر المكرم في الأبرار ما للشهوات ظافر بنيوت اثؤواب آفا نوفير سكن في البراري وتآنس بوحوش القفر مدة طويلة زمنية القديس أبو نفر واقفا علي قدميه حاملا صليب أيسوس رافعا يديه غالبا بذيافولوس أعواما طويلة يقتات من الأشجار أهداه الله نخلة جميلة حولها مياه غزار كنت تشرب من ينبوع يسوع ذو القدرة متعبدا بخشوع وفرح ومسرة بشفاعتك يشفينا يسوع المسيح المرهوب من كل وجع فينا ويمحو كل الذنوب أطلب لنا الرحمة يا أبو نفر يا نبيل كي يرفع النقمة حبيبك عمانوئيل طوباك ثم طوباك يا ساكن الفردوس الملائكة ترتل لك أكسيوس أكسيوس أكسيوس تفسير أسمك في أفواه كل المؤمنين الكل يقولون يا اله أبو نفر أعنا أجمعين بركة صلاته تكون معانا آمين |
|