رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إن أعجب ما في القديس يوحنا ليس هروبه من المجد الباطل طالبًا ثمر التوبة في حياة شعبه، بل حكمته وإيمانه في تحقيق غايته. فقد برع في تحويل كل الأحداث التي عاشتها الكنيسة أو المجتمع كفرص حية للتوبة، مثل أحداث التماثيل(53). أما إيمانه فيظهر في مثابرته في تحقيق الهدف حتى ولو لم يجد استجابة من سامعيه. وله في ذلك قول رائع: * لا أتوقف عن التحذير لمجرد تشبث البعض بأخطائه، فإن الينابيع والأنهار تستمر في فيضها وجريانها وإن لم يشرب منها أحد، هكذا يليق بنا أن نعظ وإن لم يكترث أحد بالوعظ. فقد وضع الله علينا، نحن المكلفين بالوعظ إلا نستسلم صامتين، إلى أن يسمعوا ويسلكوا في الطريق. أما أنا فقد عزمت أن أستمر في عملي حتى أن وجد من يحطم ذراعي، بالقول: ما الداعي لهذه النصائح ما داموا لا يريدون الاستماع؟! ماذا؟ هل أقسمت أن أصطادهم جميعًا في شباكي في يومٍ واحدٍ؟! فإن لم أفز إلا بعشرة أو خمسة أنفس أو حتى بنفس واحدة، أما يكون لي في هذا تعزية كافية؟! ولنفترض المستحيل، وأذهب إلى أبعد من هذا، أني لا أكسب نفسًا واحدة فإني أعتقد أن كلامي لن يضيع هباءً، بل يخجل الخاطئون، وهذه خطوة أولى في طريق التوبة... وهي تزيد الحكماء حكمة. سأقول لنفسي: ألم أهد اليوم أحدًا؟ ربما غدًا، أو بعد غد، أو في يوم آخر. لقد شبه نفسه برجل يضرب شجرة الرذائل بالفأس، فإن لم تسقط من الضربة الأولى، يضرب الثانية والثالثة والعاشرة والمائة، ولا يكف عن ضربها حتى يهتز كيانها وتسقط. كأسقفٍ ملتزم أن يعمل ويعظ وينذر، أما التوبة الداخلية والإقناع ففي حينه من قبل الله، إذ يقول: "الله لم يأمرنا بالإقناع بل بالتعليم فقط". أخيرًا نسجل ما كتبه عن الراعي في مثابرته: "يجب أن يتمتع الراعي بروح عالية. فلا يخور عزمه ولا ييأس من خلاص الضالين، إنما على الدوام يباحث نفسه قائلًا: عسى أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق فيستفيقوا من فخ إبليس". |
|