رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كأّن الله يعاتب إرميا النبي قائلًا له: لماذا ضعفت أمام مقاومة الأشرار؟ لماذا لم تحتمل أول عاصفة من الاضطهاد؟ ألا تذكر كيف دعوتك ووعدتك إني أكون معك؟! فلماذا يتسرب اليأس إلى قلبك؟ لقد دخلت المعركة المقدسة بقلبٍ نقي، لكنها فوق إدراكك، لا تعرف أبعادها. انتظر لترى دوري، ولا تتعجل النتائج في حياتك، وفي حياة الشعب الذي تراه الآن شريرًا ومقاومًا لك ولي. إنك حتى الآن قد "جريت مع المشاة فأتعبوك"، لكنني أجعلك تبارى الخيل. أنت الآن في أرض السلام نسبيًا، إنني أسندك حينما تدخل في الأحزان الشديدة التي تجتاح الأرض ككبرياء الأردن. هذه معاملات الله معنا، لا يدفعنا دفعة واحدة لنباري الخيل، بل يختبرنا أولًا بالحري مع المشاة. لا يسمح لنا أن نلتقي بنهر الأردن في حالة فيضانه لمواجهة تياراته ولججه، بل أن ُنجرب أولًا في أرض السلام وسط أحبائنا. تكرر تعبير "كبرياء الأردن" أربع مرات في العهد القديم (إر 49: 19؛ 50: 44؛ زك 11: 3). من الناحية الروحية ينبغي ألا نرتئي فوق ما ينبغي (رو 12: 3)، أي ليعرف كل إنسانٍ قامته الروحية. كمثال لا نمارس ونحن بعد في بداية الطريق التداريب الروحية التي اختبرها النساك في نهاية طريقهم، بل نسلك بحكمة الروح. يلزمنا أن نبدأ الطريق مع المشاة، وعندما ننجح ندخل في مباراة مع راكبي الخيل. إن كنت منبطحًا على الأرض في ضعفٍ وأنت بعد لم تدخل المعركة، ماذا تفعل في كبرياء الأردن؟ التطرف حتى في الطريق الروحي خطير، إذ يلزمنا أن نعتمد على نعمة الله التي تبنينا في هدوء وبحكمة، وليس بانفعلات عاطفية عنيفة. يتحدث القديس يوحنا الذهبي الفم عن هذا المبدأ وهو أن لا يرتئي الإنسان فوق ما ينبغي، حاسبًا إياه رأس كل الفضائل، داعيًا إياه "اتضاع الفكر"، قائلًا: [هنا يقدم لنا الرسول بولس (رو 12: 3) أم كل الأعمال الصالحة، أي اتضاع الفكر، مقتديًا بسيده. فعندما صعد على الجبل وأخذ يقدم نسيجًا من الوصايا السلوكية قدم في المقدمة هذا الينبوع، قائلًا: "طوبى للمساكين بالروح" (مت 5: 3). هكذا أيضًا بولس إذ يعبر من الجوانب التعليمية إلى الجوانب العملية يحدثنا عن الفضيلة بطريقة عامة، سائلًا إيانا أن نقدم (ذواتنا) ذبيحة عجيبة (رو 12: 1). وإذ يقدم صورة خاصة بها بدأ بالاتضاع كما من الرأس، مخبرًا إيانا: "لا يرتئي فوق ما ينبغي، بل يرتئي إلى التعقل" (رو 12: 3). يعني القول: لقد تسلمنا حكمة، لا لنستخدمها لكبريائنا، وإنما لنكون متعقلي الفكر. يقول هذا لا لنكون منحطين في الفكر، بل متعقلين، قاصدًا بالتعقل هنا الفضيلة العاقلة والصحية في الذهن]. بمعنى آخر، يقول الله لإرميا إن كنت تتساءل: لماذا تُنجح طريق الأشرار؟ فلتعلم أنك لاتزال في بداية الطرق الضيق. لكني أكون معك وأرتقي بك وسط الآلام، فتكتشف أسرار محبتي ومعاملاتي معك ومع شعبي. |
|