رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ابن الدموع _ أغسطينوس ابن الدمـــــوع القديس أغسطينوس أما أنت يا رب فقد أرسلت يدك من العلاء (مز 144: 7)، ونجيت نفسي من تلك الهاوية السفلى (مز 86: 13)، بينما كانت أمي المؤمنة بك تبكي إليك من أجلي ، وكان بكاؤها يفوق بكاء الأم الثكلى علي فقد وحيدها ... إدركت أمي موتي (الروحي) بروح الإيمان، الروح الذي قبلته منك، وأنت يا رب قد استجبت لها. استجبت لها ولم تحتقر دموعها التي كانت الأرض ترتوي منها أينما كانت تصلي. لقد استجبت لها يارب. وإلا فمن أين جاءها الحلم الذي ذاقت فيه طعم تعزيتك فرضيت أن تعود إلى العيشة معي تحت سقف واحد. لقد رفضت العيشة معي كرهاً للمسبات والتجديف التي كنت اتفوه بها في ضلالي وفسادي! وجدت نفسها في الحلم واقفة على قاعدة خشبية، كئيبة رازحة تحت ثقل أحزانها، وعلى مقربة منها فتى يطفح وجهه تألقاً وسروراً، فيبتسم لها، ويسألها عن غمّها، وعن الدموع التي تذرفها يومياً، وحين أجابته أنها تبكي عليَّ وتندب هلاكي، طمأن خاطرها ونصحها بأن تنتبه وتنظر جيداً أنه: حيثما تكون هي أكون أنا أيضاً، وللحال تطلعت فرأتني حقاً على مقربة منها واقفاً على تلك الخشبة. إذا لم تكن أنت الموحى اليها بهذا الحلم فمن ذا يارب؟ أملت أذنيك نحو قلبها (مز 10: 17) ايها الصالح الكلي القدرة، يامن ترعى بعنايتك كل واحد منا كأن ليس لك أحد آخر تعتني به غيره، وتعتني بنا جميعاً كما لو كنا فرداً واحداً فقط . ولما أخبرتني أمي برؤياها حاولت أن أعكس معانيها – أي أنها لا يجب عليها أن تيأس من أن تكون هي على ما أنا عليه وليس العكس - إلا أنها أجابتني في الحال وبلا أدنى تردد: كلا، لم يقل لي ستصبحين انت حيث هو، بل سينتقل هو إلى ما أنتِ فيه الآن! أعترف لك يا رب علي قدر وعي ذاكرتي. فإني لا ازال اذكر تأثير جوابك عليَّ بلسان امي اليقظى وهدوءها التام لقاء تفسيري غير الصحيح، وسرعتها في ادراك ما يجب رؤيته والتطلع إليه. هذا الذي بالطبع لم أفطن إليه قبل أن أتكلم معها، حتى أنني تأثرت في ذلك الوقت بكلامها أكثر من الحلم نفسه. تلك البشرى التي أفرحت هذه المرأة القديسة وكانت تعزية لتقواها في الاحزان الحاضرة. لقد قضيت منذئذ تسع سنوات تقريباً اتمرَّغ في اللجة واوحالها وفي الضلال وظلماته، وكم حاولت عبثاً ان اتخلص منها فازددت فيها غرقاً، اما الأرملة الطاهرة التقية الوقور - وقد احببت فيها هذه الفضائل - فلم تكفَّ بعد ان انعشها الأمل، دون ان يخفف من دموعها وزفراتها، عن الترثي لحالي بحضرتك كلما قامت للصلاة، فدخلت صلواتها إلي حضرتك، ومع ذلك فقد سمحت لي بأن أتوه وأتخبط في هذا الضباب المظلم. لقد اعطيتني جواباً آخر لا ازال اذكره بين امور وشجون، أغفل ذكرها الآن، لأنتقل بسرعة إلى ما يوجب عليَّ الاعتراف لعظمتك، وكم من أمور قد نسيتها! اجل اعطيتني جواباً آخر بلسان كاهنك الأسقف الذي ترعرع في حضن كنيستك وتعمَّق في درس الكتب المقدسة: جاءت اليه أمي ذات يوم ورجته بالحاح ان يتحدث معي ليشجب ضلالي وينفرِّني من الشر ويعلمني الصلاح – وكان يقبل هذا الطلب حين يرى اناساً اهلاً للإصلاح – لكنه رفض رأيها، لحكمة فاتني فهمها آنذاك، إنما ادركتها بعدئذ، وأجابها قائلاً "أنه مازال غير قابل للتعليم"، ذلك بسبب انتفاخي بالكبرياء تجاه البدعة (المانوية) التي اعتنقها، ولكوني أزعجت كثيرين من الجهلة بكل نوع من الأسئلة العبثية – وهي التي اوقفته على حقيقة أمري. ثم قال لها: "دعيه واكتفي بالصلاة إلى الله من اجله فيكتشف بنفسه ومن خلال مطالعته فساد ذلك المذهب وشره". واخبرها قصة والدته التي اغواها المانويون فسلمته إليهم صغيراً فطالع معظم كتبهم ونسخها فادرك خطر معتقدهم ودون ان يلجأ إلى حجج وبراهين نبذها وفرَّ منها هارباً. اما كلام الأسقف هذا فلم يقنع والدتي بل اغرقت في الصلاة والبكاء والحَّت عليه بان يجتمع إليَّ ويحدثني بأمر نفسي، وللحال ضاق ذرع المطران ونفذ صبره فقال لها: "اذهبي عني يا امرأة وثقي ان ابن هذه الدموع لن يهلك أبداً " وكم سمعت امي تردد عليَّ في احاديثها جواب المطران، وكأنه لها صوت من السماء! |
|