رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إصابة يد يربعام بالفالج يكشف لنا هذا الأصحاح عن طول أناة الله وعن عدم محاباته. فمن جهة أرسل رجل الله إلى يربعام الذي أدخل العبادة الوثنيَّة في المملكة الجديدة المنشقَّة. لقد اختاره الرب لتأديب رحبعام، لكنَّه إذ لم يكن أمينًا لله أرسل إليه نبيًا من يهوذا ينذره بسبب ارتداده عن الرب، ويؤدِّبه. اليد التي امتدَّت لتحطيم العبادة لله يبست. والعجيب في طول أناة الله أنَّه إذ ندم الملك نال غفرانًا وشُفيت يده اليابسة. طُلب من رجل الله الذي أُرسل للملك لتحذيره ألاَّ يأكل ولا يشرب في ذلك الموضع. إذ أطاع صنع الله به معجزات، وإذ لم يطع بغواية آخر افترسه أسد. ليس عند الله محاباة، فهو يؤدِّب من أخطأ، سواء كان ملكًا أو نبيًا. إصابة يد يربعام بالفالج: 1 وَإِذَا بِرَجُلِ اللهِ قَدْ أَتَى مِنْ يَهُوذَا بِكَلاَمِ الرَّبِّ إِلَى بَيْتِ إِيلَ، وَيَرُبْعَامُ وَاقِفٌ لَدَى الْمَذْبَحِ لِكَيْ يُوقِدَ. 2 فَنَادَى نَحْوَ الْمَذْبَحِ بِكَلاَمِ الرَّبِّ وَقَالَ: «يَا مَذْبَحُ، يَا مَذْبَحُ، هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هُوَذَا سَيُولَدُ لِبَيْتِ دَاوُدَ ابْنٌ اسْمُهُ يُوشِيَّا، وَيَذْبَحُ عَلَيْكَ كَهَنَةَ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّذِينَ يُوقِدُونَ عَلَيْكَ، وَتُحْرَقُ عَلَيْكَ عِظَامُ النَّاسِ». 3 وَأَعْطَى فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عَلاَمَةً قَائِلًا: «هذِهِ هِيَ الْعَلاَمَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ: هُوَذَا الْمَذْبَحُ يَنْشَقُّ وَيُذْرَى الرَّمَادُ الَّذِي عَلَيْهِ». 4 فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلاَمَ رَجُلِ اللهِ الَّذِي نَادَى نَحْوَ الْمَذْبَحِ فِي بَيْتِ إِيلَ، مَدَّ يَرُبْعَامُ يَدَهُ عَنِ الْمَذْبَحِ قَائِلًا: «أَمْسِكُوهُ». فَيَبِسَتْ يَدُهُ الَّتِي مَدَّهَا نَحْوَهُ وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَيْهِ. 5 وَانْشَقَّ الْمَذْبَحُ وَذُرِيَ الرَّمَادُ مِن عَلىَ الْمَذبَحِ حَسَبَ الْعَلاَمَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا رَجُلُ اللهِ بِكَلاَمِ الرَّبِّ. "وإذا برجل الله قدأتى من يهوذا بكلام الربإلى بيت إيل، ويربعام واقف لدى المذبح لكي يوقد" [1]. كان يربعام يعلم تمامًا أن ما فعله فيه مقاومة للحق الإلهي، ومعصية للوصيَّة، مع هذا فقد بدأ عمله كرئيس كهنة يوقد، إذ أقام نفسه بنفسه. أرسل إليه الرب من يهوذا نبيًا يحذِّره بعلامة ظاهرة حتى لا يكون ليربعام عذر. "فنادى نحو المذبح بكلام الرب وقال: يا مذبح يا مذبح هكذا قال الرب، هوذا سيولد لبيت داود ابن اسمه يوشيا. ويذبح عليك كهنة المرتفعات الذين يوقدون عليك، وتحرق عليك عظام الناس" [2]. لم يهمس رجل الله بما قاله الرب له بخصوص الملك لكنَّه بكل شجاعة "نادى" بصوتٍ عالٍ، فإنَّه لم يخشَ الملك، ولا خجل من رسالة الله له. لم يخشَ رجل الله بطش الملك، فإن من يخاف الله لا يخاف وجه إنسان مهما كان سلطانه أو مركزه. * خوف الله هو الحارس لممارسة الوصايا، وهو ثمرة الإيمان السليم. الأب أوغريس * خوف الله يحثّ النفس على حفظ الوصايا، وعن طريق حفظ الوصايا يُشيد منزل النفس. إذًا ليتنا نخاف الله ونُشيد منازل لأنفسنا، حتى نجد مأوى في الشتاء حيث المطر والرعد، لأن من لا منزل له يعاني من مخاطر عظيمة في وقت الشتاء. * كيف نقتنى مخافة الله؟ قال الآباء إن الإنسان ينال مخافة الله وذلك: أ. إن تذكَّر الموت والعذابات، ب. وسأل نفسه كل مساء كيف قضى يومه، وكل صباح كيف قضى الليل. ج. ولا يكون وقحًا (مهزارًا). د. وأخيرًا إن بقى في علاقة (صداقة) مع إنسان يخاف الله. فإنَّه يُروى عن أخ سأل ناسكًا: ماذا أصنع أيُّها الأب لكي أخاف الله؟ فأجابه الناسك:"اذهب واسكن مع إنسان يخاف الله، فبسلوكه كخائف لله تتعلَّم مخافة الله". ونحن نطرد خوف الله عن أنفسنا بصنعنا ما هو نقيض للأمور السابقة. فلا نذكر الموت ولا العذابات، ولا ندقِّق مع أنفسنا ونحاسبها كيف نقضي زماننا بل نعيش مستهترين، ونصادق أناسًا ليس فيهم خوف الله، كذلك نسلك بوقاحة. وهذه الأخيرة "الوقاحة" (أو الهزل السخيف) هي أشرّ الكل، إذ تدمِّرنا إلى التمام. فليس شيء ينزع خوف الله عن النفس أكثر من الوقاحة. الأب دوروثيؤس بكل غيرة أراد أن يقدِّمها للملك كما لكل الحاضرين الذين كانوا من عظماء المملكة ومن الشعب، إذ كانت مناسبة لها أهميَّتها العظمى لدى الملك ورجال الدولة. لم يوجِّه حديثه للملك ولا لرجاله ولا للكهنة أو الشعب بل إلى الحجارة، صارخًا: "يا مذبح يا مذبح". فقد صارت قلوب الكل بلا إحساس نحو الرسالة الإلهيَّة، فالأمل في الحجارة أن تسمع أكثر ممَّا في قلوب الناس. لقد أغلقت البشريَّة آذانها عن أن تسمع الرسالة الإلهيَّة، لذا صرخ إلى الحجارة لعلّها تنصت وتستجيب. ظنَّ يربعام أن خطَّته تنجح حتمًا، تعطيه هو وبنيه من بعده استقرارًا وأمانًا فلا يعود الشعب إلى ملوك يهوذا. لكن رجل الله أكَّد أن الشرّ لن يدوم، وخطَّة الله تتحقَّق حتمًا. لهذا فقد تنبَّأ رجل الله عن يوشيا قبل ميلاده بثلاثة قرون ونصف، الذي يقوم ويهدم المذابح الوثنيَّة ويحرق عظام الذين يوقدون عليها. كثيرًا ما نظن أن الشرّ أقوى وأبقى، لكن الله يؤكِّد أنَّه إلى حين. فالنور يبدِّد الظلمة، والحق يحطِّم الباطل. العبادة الوثنيَّة حتمًا ستنتهي، أمَّا كلمة الرب فباقية إلى الأبد. "وأعطى في ذلك اليوم علامة قائلًا: هذه هي العلامة التي تكلَّم بها الرب، هوذا المذبح ينشق ويذرَّى الرماد الذي عليه" [3]. يؤكِّد الله رسالته بعلامة، وهي أن يهتز كيان المذبح وينشق ويذرَّى الرماد الذي عليه. بهذه العلامة يؤكِّد أن المتحدِّث معهم هو رجل الله حقيقة، وأن الله لن يُسرّ بذبائح تقدَّم على مذبحٍ رجس، عاجز عن أن يقدِّس الذبيحة. ومن جانب آخر فإنَّه إن كانت قلوبهم قد تحجَّرت كالمذبح الوثني، فإن كلمة الله وحدها قادرة أن تهز هذه القلوب الحجريَّة وتُذرِّي ما لصق بها من رماد الرجاسة. "فلما سمع الملك كلام رجل الله الذي نادى نحو المذبح في بيت إيل مدَّ يربعام يده عن المذبح قائلًا: امسكوه. فيبست يده التي مدَّها نحوه، ولم يستطع أن يردَّها إليه" [4]. اهتم الله بيربعام فأرسل إليه رجل الله لكي ينذره. بسط الله يده بالحب لعلَّ يربعام يتوب ويرجع إليه. ردّ يربعام الحب بالعجرفة، فمدّ يده لا ليضعها في يد الله الممتدَّة إليه بل ليُقاوم. عِوض أن يقدِّم يربعام توبة ازداد حماقة، وظن أنَّه قادر أن يمسك رجل الله ويقتله. لم يسمح الله بأن تُصاب يد الملك بالفالج حينما امتدَّت لتقدَّم بخورًا للأوثان، لكنَّه سمح بذلك حين امتدَّت لتُمسك رجل الله. فإن كل مقاومة لرجاله تُحسب مقاومة له، وهو لا يسمح أن تستقرّ عصا الأشرار على نصيب الأبرار (مز 125: 3). لقد حذَّر "لا تمسُّوا مسحائي" (1 أي 16: 22؛ مز 105: 15). * يوجد مثال كامل، ففي شخصٍ واحدٍ ظهرت مراحم الله وغضبه. وذلك عندما فقد يمينه فجأة وهو يقدِّم ذبيحة، وإذ ندم نال الغفران. القديس أمبروسيوس * الخطيَّة هي جموح حقيقي وإفساد في الإنسان، هي انحراف بعيد عن الخالق الأسمى وتوجُّه نحو الخليقة الأقل. القديس أغسطينوس "وانشق المذبح وذرِّيَ الرماد من على المذبح حسب العلامة التي أعطاها رجل الله بكلام الرب" [5]. لقد أعطى الله ليربعام أكثر من فرصة لعلَّه يرجع عن شرِّه، لكنَّه كان مصرًّا على الفساد، فتحوَّلت كل الأمور لهلاكه. كما أن كل الأمور تعمل معًا للخير للذين يحبُّون الله (رو 8: 28)، هكذا كل الأمور تؤول لهلاك الشرِّير المُصرّ على شرِّه. لقد أعطاه الله عشرة أسباط، وأرسل له نبيًا من يهوذا ينذره، وسمح بانشقاق المذبح وتذرِية الرماد من عليه، وشفى يده اليابسة عندما تاب، لكن كل هذه الأمور صارت شهادة ضدَّه لدينونته. لم ينتفع بطول أناة الله بل أساء استخدامها. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ندم يربعام |
صورة مرغريتا مريم بالفالج |
الراهبة الطوباوية مرغريتا مريم بالفالج |
يربعام الأوّل |
يربعام الثاني |