عاش غريغوريوس وإخوته القديسون في مناخ واحد ونهلوا من تقوى عائلية واحدة، لكنه استبان مميّز الشخصية، مختلف الطبع، لاسيما عن أخيه باسيليوس، مفترق الاهتمام، ذا مواهب فذّة لا نجدها عند أحد غيره من أفراد الأسرة. ففيما كان باسيليوس رجل عمل وتنظيم و إقدام، كان غريغوريوس رجل تأمل و تصوّف و إحجام. كان انطوائياً إلى حد بعيد. صوت أخيه كان يملأ المكان فيما لم يسمع له هو صوت إلا عبر أخيه طالما بقي أخوه على قيد الحياة. مشى غريغوريوس في ظلال أخيه، مكرهاً، لتقديره الكبير له أولاً و لنمط شخصيته ثانياَ. و فيما أحسن أخوه قيادة الآخرين والتعاطي معهم بقوة و حكمة معاً، كان هو يميل عن الناس إلى التفكير و القراءة و الكتابة، قلما يعرف كيف يتدبّر في تعاطيه شؤون المال و الناس. و لكن، من المفارقات أنه فيما كانت نظرة باسيليوس إلى البشر، نتيجة تعاطيه معهم واختباره لأحوالهم ومقاصدهم وأضاليلهم، متشائمة سالبة، كانت نظرة غريغوريوس إليهم، نتيجة استغراقه في تأملاته الفلسفية و الصوفية في مقاصد ربّهم فيهم، متفائلة، ايجابية.