امتحان الإيمان
وعند هذه النقطة من تاريخ يوناثان- وهي نقطة خطيرة- علينا أن نتذكر أن داود أصبح الآن مطروداً من بيت شاول، وهكذا فإن الرب يسوع حتى تلك اللحظة مطروداً من هذا العالم وكما أن شاول كره داود، هكذا بأكثر من ذلك فإن العالم يكره ويحتقر ويطرد- نعم بل وقتل مسيح الله، وهو لا يزال يكره ويحتقر يسوع.
ولكن هناك جانب آخر من هذه الصورة فإن الله قد رفض بيت شاول مع أنه ظل يحتمله لفترة طويلة- نعم طيلة كل زمان رفض داود. لقد اختار داود ومسحه، وكان الرب مع داود ولكنه لم يكن مع شاول. وبالتأكيد فإن صموئيل عرف ذلك، وكذلك داود، والإيمان موضوع تحت امتحان قاسي. كان يوناثان يعرف ذلك أيضاً كما سنرى في مقابلته التالية والأخيرة مع داود.
ولكن يجب عليّ أن أخبركم بالشيء الوحيد الذي كان ينقص يوناثان- موضوع تأملنا، فإنه من الأمور المؤلمة أن أفعل ذلك أتعرفون لماذا؟ آه فكم من كثيرين جداً في أيامنا نظير يوناثان! أليس أمراً محزناً أن تعرف يسوع وتحب يسوع وتعترف به وتُسرّ جداً به، وترغب في خدمته في هذا العالم الشرير- ثم يعوزك هذا الشيء المجيد.
ما هو هذا الشيء الواحد؟ ربما يقول قارئي إنني بنعمة الله أجد أن كل ما قلته عن يوناثان ينطبق عليّ حقاً. لعلك تتذكر الوقت الذي استحضر الله خطاياك أمام ضميرك وكيف سمح للعدو أن يضغط على نفسك مثلما فعل جليات قديماً عندما عيّر جيوش إسرائيل في وادي البطم. ولم تجد خلاصاً، ولا سلاماً، حتى أعلن الروح القدس يسوع لنفسك، ذاك المرسل من الله، وأخبرك بأنه أكمل عمل الفداء العظيم، وأنه من خلال دمه الكريم فقد ولّت خطاياك إلى الأبد، كما أن الفلسطينيين هربوا من وادي البطم. تُرى هل اجتُذب قلبك إلى يسوع كما ارتبط قلب يوناثان بداود؟ وربما من ذلك الوقت يكون قلبك قد تأذى بالكثير من الكبرياء. ولكن تستطيع أن تقول له "يا رب أنت تعلم أني أحبك". هل تأذيت من البر الذاتي؟ وهل هربت إلى يسوع؟ وهل هو كل شيء لك وأنت كلا شيء؟ وهل هو كريم في عينيك؟ أتستطيع أن تقول إني أجد كل مسرتي به؟ إنني بكل تأكيد أجد فيه كل مسرتي إذ تعلّمت بطلان كل شيء وعدم نفع كل ما في الإنسان. وهل اعترفت بيسوع في مجتمعك الخاص- أي في بيتك؟ وهل تحدثت حسناً عن يسوع أمام كل من يبغضه ويقاومه؟ وكما كان يوناثان شاهداً لداود، ورجل داود، فهل أنت شاهد ليسوع؟ وهل مسرتك أن تكون في شركة مع يسوع وتخدمه كما كان سرور يوناثان أن يخبر داود ويخدمه؟ فإذا كان الأمر كذلك أليس مؤلماً أن يكون لك كل هذا وبعد ذلك يعوزك هذا الشيء الواحد؟
هل لفت انتباهك الكلمات الأخيرة في (ص20: 42) عن يوناثان؟ إن داود "قام وذهب وأما يوناثان فجاء إلى المدينة". فأين ذهب داود؟ في ص 22 نجده في مغارة عدلام، "فلما سمع إخوته وجميع بيت أبيه نزلوا إليه هناك. واجتمع إليه كل رجل متضايق وكل من كان عليه دين وكل رجل مر النفس فكان عليهم رئيساً وكان معه نحو أربعمائة رجل". ولكن واحداً لم يكن معه- إنه يوناثان. وربما تسأل "أليس من المحتمل أن يوناثان لم يكن يعرف عن مملكة داود في المستقبل وبالتالي لم يذهب معه؟". حسناً فلنقرأ آخر مقابلة كانت بين يوناثان وداود لنستبعد هذا الاحتمال.
"فقام يوناثان بن شاول، وذهب إلى داود إلى الغاب وشدّد يده بالله. وقال له لا تخف لأن يد شاول أبي لا تجدك وأنت تملك على إسرائيل وأنا أكون لك ثانياً، وشاول أبي أيضاً يعلم ذلك. فقطعاً كلاهما عهداً أمام الرب. وأقام داود في الغاب وأما يوناثان فمضى إلى بيته" (23: 16- 18). وكان بيته هو بيت شاول المرفوض. ومن الواضح أنه عرف عن المملكة الآتية لداود محبوبه كما عرف بيت شاول المرفوض، ولكنه فشل في أن يخرج ويتخذ مكانه خارجاً- حيث الإيمان ليكون مع مختار الله والملك الآتي.
ولكن أتعرف يا قارئي نهاية هذا الأمر الحاضر؟ أتعرف أنه "عندما يقولون سلام وأمان يفاجئهم الهلاك بغتة"؟ وأن "ابتداء القضاء من بيت الله"؟- وأنه كما نُزع بيت شاول المرتد كذلك فإن المسيحية المرتدة سيتقيأها من فمه؟ ألا ترى أن الكثيرين حولنا يحملون في أنفسهم هذه الصفة؟ ويا له من يوم ضُرب فيه بالبوق! ليسمع العبرانيون ما فعلناه! وكان التقرير عن اليوم الذي عمل فيه الإنسان وضرب بالبوق: "لأنك تقول إني أنا غني، وقد استغنيت، ولا حاجة لي إلى شيء؛ ولست تعلم أنك أنت الشقي، والبئس، وفقير، وأعمى، وعريان". هذا هو وصف ربنا عن الحالة الأخيرة لهذا البيت الخرب (رؤ3: 15- 20). لقد كان شاول في نظر العالم عظيماً جداً إذا قورن بداود المطرود ولكن يا لها من نهاية أسيفة ومحزنة جداً!
ولكن هل تعلم يا قارئي أن يسوع الذي رفضته الأرض، إنه الآن عن يمين العظمة في الأعالي. وأنه سيأتي سريعاً وببوق عظيم ينادي القديسين لملاقاته في الهواء (1تس 4). وبعد ذلك سيأتي بالقضاء على الذين لم يطيعوا الإنجيل (2تس 1)، عندئذ فإن يسوع المرفوض الآن سيتخذ مكانه بالحكم في العظمة والمجد؟ ربما تقول إني أعرف جيداً هذه الأمور التي ستحدث في المستقبل؟.
وهل تعرف أن الله قد جمع بروحه جماعة قليلة من مفدييه إلى يسوع المحتقر الآن، كما كان أربعمائة حول داود في مغارة عدلام؟ حقاً كانوا جماعة متألمة، هؤلاء الأربعمائة ولكنهم كانوا مجموعين إلى شخص كداود. آه ولكن هل كان يوناثان واحداً منهم؟ أم أن جسده تعلّق على أسوار بيت شان؟