رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأزمة الاقتصادية العالمية تسمع هذا التعبير يتردد على شفاه الناس في كل مكان، مهما اختلفت أعمارهم وثقافاتهم ومهنهم وتعليمهم، يتردد مصحوبًا بالحيرة مما يحدث والخوف من المجهول. وكيف لا وهي أزمة حقَّقت أعلى خسائر في التاريخ، بل ووصلت لإعلان دول إفلاسها، عدا تأثيرها البالغ على الأفراد. وتوقع الخبراء ألا تظهر لها أي بادرة انفراج قبل عدة سنوات، بل اعتبر بعضهم أن هذه هي بداية النهاية. وصار أقرب ما ينطبق على الناس القول: «عَلَى الأَرْضِ كَرْبُ أُمَمٍ بِحَيْرَةٍ... وَالنَّاسُ يُغْشَى عَلَيْهِمْ مِنْ خَوْفٍ وَانْتِظَارِ مَا يَأْتِي عَلَى الْمَسْكُونَةِ» (لوقا21: 25، 26). كيف بدأت القصة؟ بدأت في الغرب بنشاط قوي في سوق العقارات، وذلك من خلال ما يسمى “القرض العقاري”، وهو - للتبسيط - أن يقوم أحد البنوك بشراء البيت أو المبنى الذي تريده، على أن تدفع قيمته بالتقسيط على المدة التي تريدها، مقابل فوائد سنوية يُتفق عليها مع البنك، على أن يبقى البيت من حق البنك حتى تمام السداد. وهكذا صار شراء بيت سهل، سهولة مشوار صغير. فزاد الطلب على البيوت، فارتفعت أسعارها باضطراد، وانتعشت هذه التجارة وأنعشت البنوك. فالبنك، بضمان هذه القروض (والتي أصبحت، كأرقام، في حسابه) يقوم بشراء سندات مالية، يتم إعادة بيعها في أسواق أخرى محققًا مكاسبًا أكثر، وهكذا. واستمر الحال حتى ابتدأ عدد المتعثرين في سداد القروض يزيد بشدة. فلقد اشتروا بغير أساس يرتكنون عليه في سداد مديونياتهم. فابتدأوا في إعادة بيع البيوت مرة أخرى، وزاد المعروض منها، في حين قَلَّ الطلب عليها؛ فانهارت أسعارها. وهكذا وجدت البنوك نفسها في ورطة، فالبيوت التي تعتبرها رهنًا لأموالها انخفضت قيمتها إلى قرابة النصف، في حين أن الديون، في المقابل، بقت كما هي؛ وبذلك أفلست البنوك. وطال التزعزع البورصة. بل وحتى الدول! وهكذا توالت الانهيارات، وسط بكاء مودعي البنوك، ونحيب مالكي البيوت، وعويل مستثمري البورصة، وقلق جميع الدول! لقد أصبح الاقتصاد العالمي كله في حالة انهيار! وكل هذا تركز في مسافة شهر من الزمان! والغريب أن هذا الانهيار طال الدول الكبرى أولاً! على أنه لا توجد دولة معفاة من التأثر بدرجة أو أخرى! سأل واحد في حيرة: “من الكاسب في كل هذه القصة ما دام كل هؤلاء خاسرين؟!”. والإجابة أنه: لا كاسب! فالعالم قد خسر قيمته! لقد قَلَّت قيمة الأشياء فيه تلقائيًا، وهذا بعينه ما يقصده الكتاب من التعبير «وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ» (1يوحنا2: 17)، «لأَنَّ هَيْئَةَ هَذَا الْعَالَمِ تَزُولُ» (1كورنثوس7: 31). صديقي، هل كنت تمني نفسك أن تؤمِّن مستقبلك ببعض النقود في البنوك أو البورصات؟ وهل أفقت الآن على أنها لا تستطيع أن تعطي لك الأمان؟! هل لا زلت معجبًا بهذا العالم البرَّاق؟! أ لم تدرك بعد خداع هذا البريق؟! هل ستظل تسعى لامتلاك ما فيه من شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة؟ ألا تستطيع أن تميز أنه ينهار؟! دعني أكمل لك قول الكتاب «الْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ». فلن يبقى شيء من كل عطايا العالم، بينما لن يذهب شيء عملته لإتمام مشيئته في حياتك. فليتنا جميعًا نتعقل هذا، فنسعى لنتمم ما يريده الرب في حياتنا، فهذا أروع وأبقى ما في الحياة. |
|