رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التمتع بالميراث في القسم السابق قدَّم الله لشعبه احتياجات شعبه الجسدية من خبز ولحم وماءٍ. أما هنا فيُقَدِّم لهم طعامًا وشرابًا للنفس ألا وهو الفرح والبهجة والترنم. بَسَطَ سَحَابًا سَجْفًا، وَنَارًا لِتُضِيءَ اللَّيْلَ [39]. لم يجعلهم في عوزٍ إلى شيءٍ، فيُرسِل لهم سحابًا كسقفٍ يحميهم، ونارًا لا لتحرقهم بل تضيء لهم في ظلمة الليل. بمعنى آخر يهتم بهم نهارًا وليلًا، ويحميهم من حرارة الشمس ويُنير لهم الطريق (خر 13: 21؛ عد 9: 16؛ 10: 34). يصير الله لهم ملجأ وحصنًا كما يصير قائدًا في رحلتهم. * إنه يوقد ناره في نفوسنا، ويظهر عمله فيها إن وجدها نقية من رطوبة الشهوات الزمنية . القديس يوحنا سابا * صلِّ من أجلي بحق ربنا كي تجتذبني بلده التي بداخلك، فأدخل إليها في الوقت الذي فيه نطلب إليه باشتياق أن يَخرُج إليّ فأراه. إنه يوقد ناره في نفوسنا، ويظهر عمله فينا، إن وجدها طاهرة من رطوبة الشهوات المادية (مز 39:105) . الشيخ الروحاني (يوحنا الدّلياتي) سَأَلُوا فَأَتَاهُمْ بِالسَّلْوَى، وَخُبْزَ السَّمَاءِ أَشْبَعَهُمْ [40]. جعل الله البرية القفر تفيض على شعبه التائه بالخبز واللحم والماء. إنه الأب السماوي الذي يعرف ما هو لنفعنا، يهتم حتى بطعامنا الجسدي. أما من جانبنا فيلزمنا ألا نشتهي شيئًا، بل نسأله أن يُطعِمنا بما يراه لائقًا بنا ولبنياننا. إنه يود أن يُدَرِّبنا على التمتع بخبز السماء وطعام والملائكة. شَقَّ الصَّخْرَةَ فَانْفَجَرَتِ الْمِيَاهُ. جَرَتْ فِي الْيَابِسَةِ نَهْرًا [41]. يُسَجِّل لنا موسى النبي هذا الأمر في (خر 17: 6 و عد 20: 11). ما هي الصخرة إلا السيد المسيح الذي بصليبه فجرَّ لنا ينابيع مياه الروح القدس، ووهبنا أن نشرب من النهر الذي يُفَرِّح مدينة الله. "يروون من دسم بيتك، ومن نهر نعمك تسقيهم" (مز 36: 8). "نهر سواقيه تفرح مدينة الله مقدس مساكن العلي" (مز 46: 4). "حول البحر إلى يبس، وفي النهر عبروا بالرجل هناك فرحنا به" (مز 66: 6). "ويملك من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض" (مز 72: 8). "مدت قضبانها إلى البحر، وإلى النهر فروعها" (مز 80: 11). "شق الصخرة فانفجرت المياه، جرت في اليابسة نهرًا" (مز 105: 41). "من النهر يشرب في الطريق لذلك يرفع الرأس" (مز 110: 7). * دعنا نتأمل الآن في كلمات الإنجيل التي أمامنا. "فالأردن" يرمز إلى "النزول إلى أسفل". وتقترب كلمة "يارد" (تك 5) من الجانب اللفظي من كلمة "الأردن"، إذا جاز هذا القول. إذ تؤدي إلى نفس معنى "النزول إلى أسفل". "فيارد" وُلِدَ من "مهللئيل"، كما جاء في كتاب "أخنوخ"، إذا تقبَّلنا صِدْق ذلك الكتاب، وذلك في الأيام التي فيها (نزل) أبناء الله، واتخذوا لأنفسهم بنات الناس. فبالنسبة لهذا النزول افترض البعض أن هناك إشارة مبهمة إلى "نزول" الأنفس إلى الأجساد. ناظرين إلى كلمتي "بنات الناس" كتعبيرٍ مجازي عن ذلك المسكن الأرضي. فإذا كان الأمر كذلك، فأي نهر سيكون إليه نزولهم، حيث لابد من أن يأتي المرء للتطهير، نهر ينحدر، لا من خلال نزوله هو، بل بنزولهم هم، أي الناس، إلا مخلصنا الذي يفرز الذين أخذوا أنصبتهم من موسى عن أولئك الذين حصلوا عليها من خلال يسوع (يشوع). فتيار هذا النهر، الذي يتدفق في مجراه يُفْرِحُ مدينة الله، كما ورد في المزامير (4:46). هذه المدينة التي ليست هي أورشليم المرئية، إذ ليس بجوارها نهر، بل كنيسة الله التي هي بلا لوم، المبنيِّة عل أساس الرسل والأنبياء، مع يسوع المسيح حجر الزاوية الرئيسي فيها. لا بد أن نفهم كلمة "الأردن" أنه كلمة الله الذي صار جسدًا وهيكلًا بيننا، يسوع حجر زاويتنا الرئيسي الذي يعطينا إنسانيته التي اتخذها كإرث. هذه إذ قد أُصْعِدَت إلى لاهوت ابن الله، قد غُسِلَت، ثم تقبَّلت في ذاتها حمامة الروح النقية والبريئة، وارتبطت بها إذ لا تستطيع الطيران بعيدًا عنها فيما بعد. العلامة أوريجينوس لأَنَّهُ ذَكَرَ كَلِمَةَ قُدْسِهِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ عَبْدِهِ [42]. لقد مرت فترة طويلة على الشعب كانوا يشعرون كمن في ظلمة ومرارة مع حيرة، لكن الله وهبهم بهجة عند خرجوهم، فامتلأتْ أعماقهم بالفرح والتسبيح لله من أجل غِنَى نعمته. فَأَخْرَجَ شَعْبَهُ بِابْتِهَاجٍ، وَمُخْتَارِيهِ بِتَرَنُّمٍ [43]. وَأَعْطَاهُمْ أَرَاضِيَ الأُمَمِ. وَتَعَبَ الشُّعُوبِ وَرَثُوهُ [44]. في الوقت المُعَيَّن، إذ امتلأ كيْل الوثنيين، طُرِدوا من أراضيهم، وفقدوا تعب أياديهم، ليرثه المؤمنون المُقَدَّسون له. * لذلك على الذين يتمتعون بخيرات هذه الحياة أن يفكروا بحكمة أن هذه الخيرات هي في حوزتهم لكي تُحَفِّزهم للحياة الأفضل. لكنها في بعض الأحيان تؤدي بهم إلى لعنة أبدية مريرة. لأجل ذلك وعد الله بأرض كنعان لشعب إسرائيل ليحثهم في الأخير على الرجاء في الأمور الأبدية. ولأن هذا الشعب الذي لم يتعلم بعد قد ذاق شيئًا ما من الأمور الوقتية التي وعدهم بها الله، ووثقوا بتلك الوعود التي كانت في المنظور البعيد. وحتى يتقوى أيضًا رجاءهم بالأبديات، لم يدفعهم هذا فقط إلى الأمور المادية، بل منها إلى الرجاء في السماويات. هذا يشهد به صاحب المزامير بوضوح حينما يقول: "وأعطاهم أراضي الأمم وتعب الشعوب ورثوه. لكي يحفظوا فرائضه ويطيعوا شرائعه" (مز 105: 44-45) . الأب غريغوريوس (الكبير) لِكَيْ يَحْفَظُوا فَرَائِضَهُ، وَيُطِيعُوا شَرَائِعَهُ. هَلِّلُويَا [45]. غاية أعمال الله وعجائبه أن يحفظ المؤمنون وصاياه ويطيعوه، فيصيرون أبناء مُقَدَّسين له! |
|