رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
طوبيت يفقد بصره [9- 10] وفي تِلكَ اللَّيلَةِ التي فيها دفنته عُدت إلى بيتي، وإذ تدنست دَخَلتُ ساحةَ داري وألقيتُ بِنَفْسي بجوار حائِطِ الدَّارِ مكْشوفَ الوَجهِ [9]. وكان في الحائِطِ عَصافيرَ فَوقي لم أرها، فوَقَعَ روثها الساخن في عَينَيَّ فأَحدَثَ بُقَعًا بَيضاءَ، فذهبتُ إِلى الأَطِبَّاءَ ِلكنهم لم يعينوني. وأَعالَني أَحيور قَبلَ أن يَذهَبَ إِلى المايس Elymais (جلمايس) . إذ دفن القتيل، عاد إلى بيته؛ وإذ حرص على طهارة البيت اغتسل وألقى بنفسه على جدار الساحة ليستريح، وكان مفتوح العينين. سقط على عينيه ذرف العصافير الساخن. فانطلق إلى الأطباء ليعالج عينيه، لكن لم ينتفع شيئًا، بل ازداد عماه حتى فقد بصره تمامًا. يرى القديس أغسطينوس أن الله يسمح أحيانًا لبعض الأتقياء أن يفقدوا نظرهم، مُقَدِّمًا لهم البصيرة الروحية التي للنفس. فطوبيت تعرَّض للعمى، ووهبه الرب البصيرة الداخلية ليُعلِّم ابنه طوبيا روح الحب والتقوى والتمييز. تأهَّل الابن أن يُرافِقَه رئيس الملائكة رافائيل في رحلته وقام بإرشاده ورعايته وسلك مثل أبيه طوبيت كإنسان الله. هذا ما تمتَّع به اسحق بن إبراهيم الذي ضعفت عيناه جدًا، وإن كان لم يُمَيِّز في البداية بين ابنيه عيسو ويعقوب، غير أنه بالبصيرة الداخلية باركهما لينال كل منهما سؤل قلبه. فيعقوب تمتَّع بالسماء المفتوحة، وعيسو تمتَّع بالقوة الجسمانية والبركات الأرضية. تمتَّع يعقوب بالبصيرة الروحية، وتنبأ لأولاده عما سيكونون عليه في الأجيال القادمة هم ونسلهم (تك 48). * يا أيها النور الذي رآك طوبيت حين أُغلِقَت عينيه. فعلَّم ابنه طريق الحياة، هذا الذي سار قبلاً بقدمي المحبة اللذين لن يضلاّ. وإسحق الذي رأى (بالبصيرة الداخلية) عندما تعتّمت عيناه الجسديتان، فلم يستطع أن ينظر بسبب الشيخوخة، فسمحت له أن يبارك ابنيه ويتعرف علهما (تك 27: 1). هذه البصيرة التي تمتع بها يعقوب عندما أُصيب بالعمى في شيخوخته، واستنار قلبه ورأى أولاده بنورٍ وما سيحدث لشعبه في المستقبل وتنبأ لهم. لقد وضع يديه على شكل الصليب بطريقة سرّية على حفيديه ابنيّ يوسف، وقد أراد والدهما إن يصحح الوضع إذ نظر ما هو بالخارج، أما (يعقوب) فكان مدركًا التمييز بينهما (تك 48: 13-19) . القديس أغسطينوس لقد تزكَّى طوبيت بالأكثر أمام الله باحتماله الألم، وقد مدحه الملاك رافائيل بعد ذلك قائلاً: "أما أنا فأظهر لكما الصحيح ولا أخفى عليكما كلمة من الحديث المكتوم. والآن عندما كنت تصلي أنت وسارة كنتك أنا قدمت ذكر صلوتكما أمام الرب. * لقد أُصيب بالعمى بروثٍ سقط من عش سنونو، لكنه لم يشتكِ ولا حزن ولم يقل: "هل هذا هو جزاء أتعابي؟" لكنه حزن بالأكثر أنه حُرِم من القيام بالالتزام بالدفن بسبب عينيه. وحسب عماه ليس عقوبة حلَّت عليه، بل عائقًا لممارسة العمل[9]. القديس أمبروسيوس إذ سند طوبيت الكثيرين في أرض إسرائيل وأرض يهوذا وفي السبي، أعطاه الرب نعمة في عيني أحيور ابن أخيه الذي توسَّط له عند الإمبراطور ليعود إلى عائلته في نينوى [10]. ألهب الرب قلب أحيور بالرحمة تجاه هذا البار الذي لم يتوقَّف عن مساندة بني قومه. عاد طوبيت إلى بيته مثقلاً بالتعب، ليس بحمله جثمان الميت ودفنه، وإنما لأن أعياد إسرائيل تحوَّلت إلى حزنٍ، وعوض تقديم تسابيح الفرح بعمل الله صاروا في حزنٍ ومرارةٍ. خارت قواه فارتمى على حائط ساحة بيته، وإذا به يفقد بصره بواسطة ذبل عصفور صغير كان واقفًا على الحائط. حقًا لم يكن قادرًا على دخول بيته والشركة في المائدة المُعَدة له، لكنه كان يلزم في حزنه أن يصرخ إلى الله، طالبًا أن يهبه مع شعبه التوبة عن خطاياهم، والرجوع إلى الله. كان طوبيت بارًا، وحسنًا أن يشعر بمرارة الخطايا وثمارها المُهلكة، غير أنه استسلم للحزن عوض الاتكاء على صدر الله! على أي الأحوال، لم ينس الربّ نقاوة قلب طوبيت وإيمانه بالله وأعماله المملوءة حبًا، لذا سمح له بهذه التجربة كي تحفظه في الحب والتواضع، فينمو في الإيمان، ويتمتع هو وأسرته مع كثيرين مثل رعوئيل وأسرته وأقربائه وكثير من الشعب بأعمال الله العظيمة. |
|