|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
موقفنا تجاه يسوع الذي يلقي النار والانقسام جاء يسوع لكي يلقي النار وليُحل الانقسام في الأرض، إذ ترتبط النار هنا بالدينونة، فتمرّ على أعمالنا فتنقّيها كما تنقّي المعادن. ويتوجب على المؤمن أن يتخذ قراره فيبدّل حياته "سيَظهَرُ عَمَلُ كُلِّ واحِد، فيَومُ اللّه سيُعلِنُه، لأَنَّه في النَّارِ سيُكشَفُ ذلِك اليَوم، وهذِه النَّارُ ستَمتَحِنُ قيمةَ عَمَلِ كُلِّ واحِد" (1 قورنتس 3: 12-13). وهكذا جاء يسوع ليحلّ الانقسام في الأرض. ولم يكن الرب يسوع في قوله هذا يشجع عصيان الوالدين، أو الصراع في البيت، بل أراد أن يُبيِّن أن وجوده يستلزم قراراً، وحيث أنَّ البعض سيتبعونه، والبعض الآخر لن يتبعوه، فلا بدَّ أن ينشب صراع. قد يفرق الالتزام المسيحي بين الأصدقاء والأحباء، فإن، قيَّمنا وأهدافنا لا بدَّ أن تفصلنا عن الآخرين كي نحمل صليبنا ونتبعه بحيث يكون الله الأولوية المطلقة في حياتنا. ولا يمكن قبول الرب إن لم نرضَ عن أعماله، وهي أعمال النار التي تُنقّي وتحرق جميع مشاعر التعلق الأرضية التي يتعلق بها القلب، وجميع الثروات والكنوز الباطلة. يريد يسوع أن يكون الله في المرتبة الأولى وبعد هذا تأتي محبَّة الوالدين. ينبغي أن نفضِّل ما لله، لأنه إن كان للوالدين أيَّة حقوق، ينبغي أن نضع من وهبنا الوالدين (أي الله) في المرتبة الأولى كما جاء في قوله تعالى "مَن كانَ أَبوه أو أُمُّه أَحَبَّ إِلَيه مِنّي، فلَيسَ أَهْلاً لي" (متى 10: 37). الله لا يمنعنا عن محبَّة والدينا، إنما عن تفضيلهما على الله، فالعلاقة الطبيعيَّة هي من بركات الرب، فلا يليق أن يحبَّ الإنسان العطيَّة أكثر من واهب العطيَّة وحافظها خاصة في موضوع الإيمان. ونستنتج مما سبق أنه حين يأخذ أحد أفراد العائلة موقفا تجاه يسوع على مستوى الإيمان، فهو مدعو أن يتبعه في الضيق والاضطهاد. وهذا الاضطهاد يُسمِّيه يسوع الانقسام. إذ ينقسم غير المؤمنين في البيت على الذي قَبِلَ الإيمان حتى يصل لدرجة أنهم يقتلوه، لأنه قبل الإيمان بالمسيح. فأتباع المسيح تُسبِّب له الضيقات كما جاء في سفر الرؤيا "هؤُلاءِ هُمُ الَّذينَ أَتَوا مِنَ الشَدَّةِ الكُبْرى، وقَد غَسَلوا حُلَلَهم وبَيَّضوها بِدَمِ الحَمَ" (رؤيا 7: 14). وإذا كان الاضطهاد يؤدي إلى عدم السلام الخارجي، لكن السيد المسيح يملأ قلب المؤمنين بسلامه. ومن يقبل المسيح في داخل قلبه يكون في قلبه سلام كما اكّد السيد المسيح " قُلتُ لَكم هذِه الأَشياء لِيكونَ لَكُم بيَ السَّلام. تُعانونَ الشِدَّةَ في العالَم ولكن ثِقوا إِنِّي قد غَلَبتُ العالَم" (يوحنا 16: 33). ومن هذا المنطلق، يتطلب الإيمان بالمسيح أحيانا الانقسام، وذلك حين يختار البعض إتِّباع المسيح بينما يرفض البعض الآخر ذلك. ليس هناك حل وسط في موقفنا تجاه المسيح. إمَّا أن نكون مع المسيح، وإمَّا أن نكون عليه (لوقا 11: 23). فهل نحن مستعدُّون أن نجعل نُصب عيوننا "مُبدِئِ إِيمانِنا ومُتَمِّمِه، يسوعَ الَّذي، في سَبيلِ الفَرَحِ المَعْروضِ علَيه، تَحَمَّلَ الصَّليبَ مُستَخِفًّا بِالعار" (عبرانيين 12: 2)؟ حياة المسيحي هي صورة لحياة المسيح، وبالتالي عليه مقاومة مكايد الشرير والشر والخطيئة حتى بذل الدم كما يوصي صاحب الرسالة إلى العبرانيين " فإِنَّكم لم تُقاوِموا بَعدُ حتَّى بَذْلِ الدَّمِ في مُجاهَدَةِ الخَطيئَة "(عبرانيين 12: 4). ليكُن كلّ مسيحيّ، على مِثال مُعلّمه يسوع وعلى خُطى البابا فرنسيس غير خائفٍ من أن يكون «آية مُعرّضة للرفض» (لوقا 2: 45) وألاّ يتردّد بأن يكون ناراً تُضيء وتٌنَقّي، بغَضّ النظر عما يُمكن أن تكون النتائج. "فإِنَّكم لم تُقاوِموا بَعدُ حتَّى بَذْلِ الدَّمِ في مُجاهَدَةِ الخَطيئَة"(عبرانيين 12:4). وقد وجّه البابا فرنسيس إلى الشباب في القدّاس الختامي للأيّام العالميّة للشبيبة هذه الكلمات: "اذهبوا بدون خوف، للخدمة، اذهبوا، وألقوا نارًا على الأرض، تكون قادرة على إشعال نار مصابيح أُخر". في هذا الصدد تذكر حوار لإرمياء نبي مع الله:" قالَ لَيَ الرَّبّ: لا تَقُلْ “إنِّي وَلَد “فإنَّكَ لِكلِّ ما أُرسِلُكَ لَه تَذهَب وكُلَّ ما آمُرُكَ بِه تَقول. لا تَخَفْ مِنُ وُجوهِهم فإِنِّي مَعَكَ لِأُنقِذَكَ، يَقولُ الرَّبّ ثُمَّ مَدَّ الرَّبّ يَدَه ولَمَسَ فَمي وقالَ لِيَ الرَّبّ: هاءنَذا قد جَعَلتُ كلامي في فَمِكَ. أُنظُرْ، إِنِّي أَقَمتُكَ اليَومَ على الأُمَمِ وعلى المَمالِك لِتَقلَعَ وتَهدِم وتُهلِكَ وتَنقُض وتَبنِيَ وتَغرِس» (ارميا 1: 6-10). مَن يقبل رسالة الرّبّ اليوم عليه بالصمود وبقبول التطهير المسموح من الرّبّ في حياته الخاصة. |
|