رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب من هو الإنسان؟ البابا شنوده الثالث القلب أهمية القلب ودخوله في كل عمل البابا شنودة الثالث لعل من أبرز الأمثلة على أهمية القلب، هي قول الكتاب في سفر الأمثال: "فوق كل تحفظ أحفظ قلبك، لأن منه مخارج الحياة" (أم23:4). ذلك لأنه من القلب يصدر كل شيء، وهو الذي يعبر عن حقيقة الإنسان، وعن خفاياه ونواياه. والله يعرف كل ما في قلب الإنسان. لذلك قيل عنه إنه "وازن القلوب" (أم2:21) وأنه "فاحص القلوب" (مز9:7) (رؤ23:3). القلب هو مركز المشاعر، ومركز العواطف، ومركز الحب. والرب يريد هذه المشاعر والعواطف القلبية، لذلك قال: "يا ابني، أعطني قلبك" (أم26:23). وإن أعطيتني قلبك، كنتيجة طبيعية: سوف "تلاحظ عيناك طرقي". والحياة الروحية ليست مجرد ممارسات في العبادة، أو فضائل ظاهرية، إنما هي حياة قلبية، حياة قلب يرتبط بالله بعلاقة الحب، وكل فضائله وعباداته وممارساته، تكون نابعة من هذا القلب، ومزينة بعلامة الحب. هي ليست مجرد ممارسات من الخارج يمارسها الإنسان.. ولا مجرد ناموس، أي وصايا تنفذ حرفيًا.. أنما الحياة الروحية -قبل كل شيء- هي حياة القلب مع الله. وما أجمل قول المزمور في مثل هذا المعنى: "كل مجد ابنة الملك من داخل" (مز44). مع أنها "مشتملة بأطراف موشاة بالذهب، ومتزينة بأنواع كثيرة "إلا أن كل مجدها من الداخل، في قلبها في روحها.. وسنرى الآن علاقة القلب بالمشاعر وباللسان والفكر والإرادة، وبالتوبة والعبادة وكل الحياة مع الله. القلب مصدر المشاعر فيه الحنو والطيبة، أوفيه القسوة والشدة. فيه الإيمان والثقة، أو فيه الشك وفقدان السلام. فيه التواضع والوداعة، كما قيل عن السيد المسيح إنه وديع ومتواضع القلب (مت29:11). لا تظن أن الاتضاع هو أن يقول إنسان كلام أتضاع. مثل أن يقول "أنا خاطئ. أنا لا استحق شيئًا". فقد يقول هذا، ولا يحتمل مطلقًا أن يقول له أحد: أنت خاطئ أو أنت مخطئ!! التواضع الحقيقي هو تواضع القلب. والكبرياء هي ارتفاع القلب. أول خطية في العالم، كانت خطية قلب، خطية كبرياء. بها سقط الشيطان، إذ ارتفع قلبه. وعلى ذلك وبخه الرب قائلًا: "وأنت قلت في قلبك: أصعد إلى السموات، أرفع كرسي فوق كواكب الله.. أصير مثل العلي" (أش13:14، 14). وعن الكبرياء يقول الكتاب "قبل الكسر والكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم18:16).هي أذن خطية في داخل الإنسان، في قلبه قبل أن تأخذ مظهرًا خارجيًا. القلب أيضًا فيه الخوف، كما فيه الاطمئنان. أمر واحد يحدث لاثنين: أحدهما يخاف ويرتعش ويتخيل له نتائج مرعبة. بينما الآخر يقابله بكل سلام واطمئنان. ويفكر في هدوء كيف يتلافى نتائجه السيئة.. حسب قلب كل واحد، تكون مشاعره لذلك يقول الكتاب "تقو وليتشدد قلبك" (مز14:27). إن القلب يشمل كل شيء فيك ومنك. كل الفضائل مصدرها القلب. وكل الخطايا مصدرها القلب. كلمات لسانك راجعة إلى قلبك. لأن الكتاب يقول "من فضلة القلب يتكلم الفم" (مت34:12). وكذلك الفكر أيضًا "الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح، يخرج الصالحات. والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر" (لو45:6). إن كان في قلبك حب، يظهر الحب في معاملاتك. وإن كانت في قلبك عداوة أو كراهية، يظهر كل ذلك في تصرفاتك. بل يبدو في لهجة صوتك وفى نظرات عينيك. ومصدر ذلك هو القلب.. إلا لو كان هناك رياء وأظهر الإنسان غير ما يبطن. وذلك أيضًا ينكشف.. القلب والفكر القلب والفكر يعملان معًا. كل منهما سبب ونتيجة. مشاعر القلب تسبب أفكارًا في العقل. والأفكار تسبب مشاعر في القلب. إن اشتهيت خطية، تجد هذه الشهوة تجلب لك أفكارًا من نوعها. وإن فكرت في الخطية، يجلب لك القلب شهواتها. إن أردت صلاحًا لقلبك، أصْلِح إذن أفكارك. وابعد عن مصادر الفكر الخاطئة. أبعد عن الأفكار التي تأتيك من الكتب، أو من الحواس، أو من المعاشرات الردية، أو من مصادر أخرى.. حينئذ لا تضغط الأفكار على قلبك، وتصل إلى استقامة القلب وصلاحه. الوجوديون الذين رفضوا الله بقلوبهم: دخلت أفكار الإلحاد إلى أذهانهم. الإلحاد إذن قد يكون من الفكر والقلب معًا. ربما تكون بينك وبين إنسان محبة.. ويأتي ثالث فيغير فكرك من نحوه، تجد قلبك قد تغير أيضًا من نحوه. ومع تغير قلبك تتغير ملامحك ومعاملاتك..! تقول "أريد أن أعطى قلبي لله". أقول لك: أعطه فكرك أيضًا.. حسبما يكون قلبك، يكون فكرك. وحسبما يكون فكرك، يكون قلبك. لذلك حسنًا قال الكتاب "تحب الرب إلهك من كل قلبك.. ومن كل فكرك" (مت37:22). وتجديد الذهن يجلب تجديد القلب. وهكذا يقول الرسول "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو2:12)، فإن دخلت إلى ذلك أفكار جديدة، اقتنعت بها وآمنت بها، ستجد نفسك قد تغيرت تبعًا لها، شكلًا وقلبًا. وتجد ضميرك قد أخذ نوعية جديدة يقود بها قلبك. وهذا هو عمل العظات في تجديد الفكر والقلب. وبتغير الفكر والقلب، يتغير أسلوب اللسان أيضًا. وكل هذا لابد أن يؤثر على الإرادة. القلب والإرادة إذ ملأت محبة الله قلب إنسان، فإنه لا يستطيع أن يخطئ، لأن محبته لله هي التي تسيطر على تصرفاته. وهكذا تتجه إرادته نحو الله بالكلية.. أما إذا كان القلب غير كامل في محبته لله، فإن إرادته تكون متزعزعة. تتصرف حسب التأثيرات الخارجية عليها إن خيرًا، وإن شرًا. ولذلك حسنًا قال الكتاب "تحب الرب إلهك من كل قلبك "وعبارة "كل" هنا لها أهميتها.. فإن كان كل القلب لله، تكون كل الإرادة لله. أيضًا إن كان القلب يتميز بالجدية والتدقيق، والالتزام بالقيم والمبادئ، فإنه على حسب تمسكه بكل هذا، تكون إرادة الإنسان قوية. والقلب المتقلب، تكون إرادته متقلبة. هناك ارتباط إذن بين القلب والفكر، وبين القلب واللسان، وبين القلب والإرادة، وبين القلب والفضيلة.. القلب واللسان كل ما تتكلم به، يصدر عن قلبك، لذلك يقول الكتاب: "من فضلة القلب يتكلم الفم" (مت34:12). ويشرع الرب ذلك فيقول "الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر" (لو45:6). إلا لو كان الكلام رياء، وليس من القلب. أي أن يتكلم الإنسان بغير ما في قلبه، أو العكس ما في قلبه. وفى هذه الحالة إن قلت كلمة طيبة بفمك، وقلبك بعكس هذا، فإن الله يحاسبك على ما في قلبك، وليس على ما قلته بلسانك. بل تضاف إلى خطية الرياء.. الله الذي يحاسبك في اليوم الآخر، هو فاحص القلوب (أر20:11). الكتبة والفريسيون المراءون، كانوا يتكلمون بالصالحات وهم أشرار. ولم ينفعهم كلامهم بشيء، بل أدانهم الله، وصب عليهم الويلات (مت23). وقال عنهم "إنهم ينقون خارج الكأس والصحفة، وهما من داخل مملوآن اختطافًا ودعارة" وأنهم "يشبهون قبورًا مبيضة: تظهر من الخارج جميلة، وهي من الداخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة" (مت25:23،27). المهم إذن في الداخل، في القلب، لذلك يقول المزمور: "كل مجد أبنه الملك من داخل" (مز13:45). على الرغم من أنها "مشتملة بأطراف موشاة بالذهب، ومزينة بأنواع كثيرة "فالكلام اللين وحده لا يأتي بنتيجة، وأن لم يكن صادرًا عن مشاعر حقيقية في القلب، وإلا فإنه ينطبق عليه قول المزمور "كلماته ألين من الزيت، وهي سيوف مسلولة" (مز21:55). إنسان تعتذر إليه فلا يقبل اعتذارك. لأنه يحس تمامًا أن كلماتك ليست صادرة من قلبك، وأنها مجرد كلام.. تقول "أخطأت"، ونبرات صوتك ذاتها لا تعبر عن أسفك وندمك، لأنها غير مختلطة بمشاعر قلبك. فتبدو رخيصة غير مقبولة.. الإنسان اللماح الحساس يستطيع أن يكتشف حقيقة الكلام، وهل هو صادر من القلب.. سواء أكان كلام مديح، أو كلام اعتذار، أو كلام نصح.. فالصوت يكشفه، وملامح الوجه تكشفه، وما هو داخل القلب يمكن إدراكه وكشفه، ولا يمكن للألفاظ أن تخفيه.. ما أعمق أهمية القلب في العلاقة مع الله ومع الناس. الحياة مع الله تبدأ حياتك مع الله من قلبك.. تبدأ بالإيمان، وبالإيمان من عمل القلب.. وبالإيمان تثق بوجود الله عمومًا، وبوجوده في حياتك بصفة خاصة. وفى حياتك معه تتكل عليه، كما يقول الحكيم "توكل على الرب من كل قلبك، وعلى فهمك لا تعتمد" (أم5:3). وفى اتكالك عليه، تسلمه حياتك، وتثق بقيادته لها.. وكل هذه مشاعر قلب.. وفى حياتك معه تقول له كل حين: "مستعد قلبي يا الله، مستعد قلبي" (مز7:57). ونحن نرتل هذه العبارة في ثاني مزمور من مزامير صلاة الساعة السادسة.. نحن مستعدون لعمل الله فينا مستعدون لعمل الله فينا، مستعدون للشركة مع الروح القدس الحال في قلوبنا، مستعدون لطاعة وصاياه.. وعن هذه الوصايا يقول الرب "ليحفظ قلبك وصاياي" (أم 1:3). ويقول المرتل في المزمور: "خبأت كلامك في قلبي، لكيلا أخطئ إليك" (مز119). إذن وصايا الله لابد أن تكون في القلب، في عمل المشاعر في مركز العاطفة، وهكذا لا نخطئ إليه.. لذلك قال الله للشعب،حينما سلمه الوصايا"ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك، وقصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك.." (تث6:6).. وهكذا إذا كانت كلمات الرب في قلب الإنسان يستطيع أن يلهج بها نهارًا وليلًا، كما أمر الرب عبده يشوع (يش8:1)، وكما قيل في المزمور الأول عن الرجل البار. "لكن في ناموس الرب أصبحت مسرته، وفى ناموسه يلهج نهارًا وليلًا". ما دامت كلمات الرب أصبحت مسرته، فمعناها أنها صارت موضع محبته، ودخلت إلى قلبه. وعن هذه المحبة يتحدث داود النبي كثيرًا وترددت في صلواته عبارة "أحببت وصياك"، "وجدت كلامك كالشهد فأكلته"، "فرحت بوصاياك كمن وجد غنائم كثيرة".. وهكذا يتغنى بوصاياه.. إن وصية الله تصبح صعبة علينا، إن تركناها خارج قلوبنا. إن لم نمزجها بعواطفنا، ونشعر بجمالها ونحبها.. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث |
كتاب أحد الشعانين - البابا شنوده الثالث |
كتاب التلمذة - البابا شنوده الثالث |
كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث |
كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث |