ها هو يعقوب في مصر وآثار غربته عليه. فقد وقف أمام أعظم ملك أرضى في ذلك الوقت قائلاً "سني غربتي مائة وثلاثون سنة، قليلة وردية (شريرة)". فهي بلا شك قليلة لو قورنت بأيام حياة آبائه. وهى ردية بسبب الفشل ونقص الإيمان.
مسكين يعقوب، فقد كانت حياته مليئة بالغم والحزن - كانت قاسية لأنه اضطر أن يترك حضن أمه آلتي أحبته وذلك نتيجة خداعه لأبيه. كما أنه هو نفسه خُدع من خاله لابان الذي خدمه 20 سنة وهو يتحمل حر النهار وبرد الشتاء. كما قد أذل بواسطة موضوع دينة ابنته، وكدر عند سكان كنعان بسبب العمل الدموي الذي ارتكبه شمعون ولاوي، ثم تألم آلاماً شديدة بسبب فقدان راحيل المحبوبة، كما انكسر قلبه بواسطة خطية رأوبين ابنه البكر. وأخيراً وليس آخراً حزن حزناً شديداً على يوسف المحبوب. لكن بعد كل هذا يقف أمام فرعون ويباركه وعليه آثار غربته.
إن طول حياتنا لا تُقاس بمجرد عدد السنين، لكن تُقاس باختبارات البركة فيها وتأثيرها على الآخرين، تلك الاختبارات آلتي فيها تمجد الله.
ومما تجدر ملاحظته أنه بدء من تكوين47: 31وفى ص 48 يظهر اسم إسرائيل. لقد قربت أيام موته، وفى ضعفه المتناهي ينحني على رأس عصاه "وسجد على رأس عصاه" (عب 11: 21 ) ، آي أحنى نفسه في سجود عميق. أليست نهاية حياته نهاية مجيدة، فبدلاً من أن ينشغل بفشله، يتكلم ليوسف وابنيه عن أمانة الله، فنقرأ "وقال إسرائيل ليوسف لم أكن أظن أنى أرى وجهك، وهوذا الله قد أراني نسلك أيضاً" (عب 11: 21 ) . وبارك يوسف وقال "الله الذي سار أمامه أبواي إبراهيم واسحق. الله الذي رعاني منذ وجودي إلى هذا اليوم، الملاك الذي خلصني من كل شر، يبارك الغلامين وليدع عليهما أسمي واسم أبوي إبراهيم واسحق، وليكثرا كثيراً في الأرض" (عب 11: 21 ، 16). وهو هنا يربط الماضي بالحاضر. فيذكر أمانة الله وهكذا يمنح البركة لابني يوسف وقد امتلأ قلبه بلمعان الرجاء عندما قال ليوسف "ها أنا موت ولكن الله سيكون معكم ويردكم إلى أرض آبائكم" (عب 11: 21 ) .
أيها الأحباء ليتنا نتكلم كثيراً عن أمانة الله، أكثر من الكلام عن فشلنا.