لَمَّا أَن أَخذَ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ يُدَوِّنونَ رِوايةِ الأُمورِ الَّتي تَمَّت عِندنَا،
تشير عبارة "أَخذَ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ يُدَوِّنونَ رِوايةِ الأُمورِ الَّتي تَمَّت عِندنَا" إلى مقدمة إنجيل لوقا على طريقة الكُتُّاّب اليونانيين المعاصرين له التي تكشف عن وجود سجلات مكتوبة قبل الشروع في تدوين الأناجيل الثلاثة: لوقا متى ومرقس. أمَّا عبارة " لَمَّا أَن " في الأصل اليوناني Ἐπειδήπερ (معناها بقدر ما هو كائن) فتشير إلى مصطلح الذي يؤكِّد حقيقة معروفة جيدًا. وهذا المصطلح تردَّد مرة واحدة فقط في العهد الجديد حيث يُنبئ لوقا أنه نوى أن يستخدم ما قام به الكثيرون من قبلٍ ليُعزِّز ما سيقوله هو، مؤكداً أن دقته مع هذه الكثرة من الناس ستأتي بالجديد الكامل.
أمَّا عبارة "أَخذَ كثيرٌ مِنَ النَّاس" في الأصل اليوناني ἐπεχείρησαν (معناها اخذوا في اليد) فتشير إلى مصطلح كان يستخدم في اللغة الطبِّية بكثرة، ويحمل معنى المُهمَّة الصعبة التي تَكللت بالنجاح الكامل (أعمال الرسل 13: 19)، حيث أنَّ الكثيرين هنا لم يكونوا شهود عِيانٍ بل نقلوا عن غيرهم بعكس متى ويوحنا اللذين كانا شاهدي عِيانٍ. فالأرجح أنَّ أولئك الكثيرين هم معلمو الإنجيل والمُبشِّرون به الذين كتبوا أخبارا مختصرة مما سمعوه من الرسل وغيرهم من وقت إلى وقت. ولعلَّ بعض المؤمنين منهم، الذين كانوا يكتبون ما هو مخزون في ذاكرتهم من مواعظ الرسل. أمَّا عبارة "يُدَوِّنونَ" في الأصل اليوناني ἀνατάξασθαι (معناها يرتِّب أو يصنّف) فتشير إلى تجميع وترتيب. مقولات وروايات شفاهيِّة ومكتوبة، وهذا يؤكد دقة التسليم الشفوي والمكتوب الذي تمَّ تسليمه من رسل المسيح، خاصة مرقس الإنجيلي ومتى الإنجيلي للمؤمنين الأوائل في الكنيسة الأولى.ولم يُستخدم هذا المصلح في العهد الجديد سوى هنا فقط، حيث استهل لوقا هذه المقدمة في ذكر ما سبقه في تدوين رواية البشرى السارة. لكن المؤلفات اندثرت جميعها. ويُعلق العلامة أوريجانوس قائلا" معنى كلمة "أَخذَ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ" أنهم حاولوا، وفي هذا اتهام موجَّه ضدَّهم ضمنيًا، إذ حاولوا كتابة الأناجيل دون إرشاد الروح القدس، أمَّا الإنجيليُّون متَّى ومرقس ولوقا ويوحنا فلم يحاولوا التأليف، إنما امتلأوا بالروح القدس، فكتبوا الأناجيل القانونيّة، ومنها وحدها نستقي إيماننا بربِّنا ومخلِّصنا". أمَّا عبارة "ήγησιν" (معناها رواية) فتشير إلى رواية التقليد الرسولي المُسلَّم للكنيسة من رسل المسيح. ولم تُستخدم هذه العبارة في العهد الجديد سوى هنا فقط. أمَّا عبارة "الأُمورِ الَّتي تَمَّت" في الأصل اليونانيεπληροφορημένων (معناها الأمور المتيقِّنة) فتشير إلى الأمور الواضحة الأكيدة التي حدثت والتي يعرفونها جيدًا ولا شك فيها، وهي الأمور الخاصة بحياة السيد المسيح وأعماله ورسالته الخلاصيّة كما تمَّت بيد الله، وهي من الأمور التي اتفق المسيحيون جميعاً على صحَّتها. وقد رُتّبت بأسلوب يسهل فيه إدراكها وذكرها والتعبير عنها. وهذا هو المصدر الأول لما كتبه في إنجيله. ويُعلق العلامة أوريجانوس "لقد عرف لوقا الأمور بكل يقين الإيمان والعقل فلم يتردّد في تصديقها، وهذا حال المؤمن المُحنَّك القوي الذي يسلك ويُفكِّر بالروح مميِّزًا الحق من الباطل". أمَّا عبارة " عِندنَا " في الأصل اليوناني ἐν ἡμῖν (معناها عندنا) فتشير إلى المؤمنين أعضاء الكنيسة، فقد تمت هذه الأمور بيننا وعشناها وحفظناها.