مملكة النحل _ باسيليوس

[sama smsma]

مملكة النحل _ باسيليوس






مملكة النحل

القديس باسيليوس الكبير

بعض المخلوقات غير العاقلة يعيشون مثل أعضاء في دولة، إذا أعتبرنا أنه من صفات المواطنة أن تكون نشاط وأعمال الأفراد تخدم الهدف المشترك للجماعة. هذا ما يمكننا نراه في واقع النحل. فهم يسكنون معاً، ويطيرون في الهواء سوياً، ويجتهدون في نفس العمل بعضهم مع بعض، لكن الشيء الملفت للنظر جداً هو أن النحل (الشغالات) يعملون تحت قيادة الملك، كما لقائد، ولا يسمحون لأنفسهم بالطيران نحو المروج والحدائق إلا إذا كان الملك يقودهم في الطيران.

في حالتهم، الملك لا يتم إختياره بالإنتخاب – إذ أنه في الحقيقة، كثيراً ما يؤدي ذلك إلى إنتخاب أسوأ الناس للمنصب، وذلك نتيجة لنقصان التمييز والحكم عند الشعب – ولا يملك أيضاً بإستخدام القرعة – إذ أن مقامرة القرعة أمر سخيف وكثيراً ما يمنح السلطان لأسوأ الناس جميعاً – ولا ينصَّب على العرش من خلال التوريث بالتعاقب، إذ أنه على الأغلب يفسد أبناء الملوك من خلال النعومة والتملق ويصيروا جهلة بكل فضيلة. لكن ملك النحل يحصل على مرتبته الأولى فوق الكل بالطبيعة، فهو يختلف عن بقية النحل في الحجم والشكل ورقة الطبع.

والملك له زبان لادغ، لكنه لا يستعمله للإنتقام لنفسه. فهناك ذلك الناموس الطبيعي غير المكتوب، وهو أن أولئك الذين ينصبوا في المراكز العالية للسلطة يجب أن يكونوا أكثر رفقاً في العقاب. إلا أن أولئك النحل الذي لا يتبع مثال الملك، يندم سريعاً على حماقته، ويموت بعد أن يلدغ نفسه.

لينتبه المسيحيين، الذين أخذوا وصية بأن لا يقابلوا الشر بالشر بل أن يقابلوا الشر بالخير (رو 7). خذوا النحل مثالاً جيداً لكم، الذي يبني خليته – قرص العسل – بدون أن يؤذي أحد، وبدون أن يقضي على ثمار أحد. يجمع الشمع علناً من الزهور ثم يمتص بفمه العسل – الرذاذ مثل الندى الموجود في الزهور – ثم يحقنه في تجاويف الشمع. في البداية يكون سائلاً ومع الوقت ينضج فيشتد كثافته ويحلو طعمه.

وقد فاز النحل بمدح لائق مشرف من سفر الأمثال، الذي يدعوه بالحكيم والنشيط. إذ يجمع هذا الغذاء بنشاط كبير، وبمجهوده ينتفع الملوك والعامة من العسل لفائدة صحتهم (أم 6: 10- 12 س). وبحكمة شديدة، تُصمّم مخازنها للعسل، إذ تبسط الشمع كغشاء رقيق، وتبني خلايا كثيرة ملاصقة بعضها لبعض، بحيث أن الجدران المتلاصقة للخلايا بالغة الصغر بأعدادها الكثيرة تدعم البناء الكلي. كل خلية مثبتة بالأخرى، منفصلة عنها وفي نفس الوقت ملتحقة بجدار رقيق. ثم تبنى تلك الغرف فوق بعضها دورين أو ثلاثة. والنحل يتجنب صنع أي تجويف غير متقطع لئلا يخترق السائل وينزلق خارجاً نتيجة وزنه.

لاحظ كيف أن أكتشافات علم الهندسة مجرد حدث عارض بالنسبة للنحل الحكيم جداً. فخلايا أقراص العسل كلها سداسية الأبعاد ومتساوية الأضلاع، ولا تستند الأضلاع بعضها على بعض في خط مستقيم، لئلا المساندة عند تطابقها مع الخلايا الفارغة تتسبب في كارثة، لكن زوايا الخلايا ذات الشكل السداسي تشكل قاعدة ودعم لتلك الخلايا المستندة عليها، بحيث تعزز وتساند بشكل آمن الأوزان التي فوقها، وتحفظ العسل السائل منفصل في كل خلية.