رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عاموس والشرور الاجتماعية هاجم عاموس الشرور الاجتماعية التى أبصرها فى إسرائيل ، هجوماً عنيفاً صريحاً لاذعاً ، وهذه الشرور الاجتماعية ليست قاصرة على إسرائيل القديمة ، إذ أن جرثومتها تكمن فى أعماق النفس البشرية الخاطئة ، ولذلك ما أكثر ما نراها فى قصة التاريخ فى الشرق والغرب معاً ، وما أكثر ما تراها - على وجه أدق وأخص - قبيل سقوط الدول العظيمة ، فالذين قرأوا تاريخ سقوط الدولة الرومانية القديمة ، أو الثورة الفرنسية ، أو الثورة الشيوعية يعلمون أن جميع هذه الدول سقطت بسبب نفس الشرور التى هاجمها عاموس قديماً .. والتاريخ يعيد نفسه كما يقولون ، ولذا سنرى : عاموس والشهوات الحسية إن أقسى مأساة تصاب بها أمة أو أسرة أو فرد ، هى الاستسلام للشهوات الحسية العالمية ، وقد انغمس إسرائيل فى هذه الشهوات إلى آخر مدى ، وليس أدل على ذلك من إنحراف الطبقة الأرستقراطية من النساء والرجال وراء جميع المتع واللذات ، وها عاموس فى الأصحاح الرابع من سفره يدعو النساء « بقرات باشان » إذ أبصرهن يرتعن كالبهائم دون فهم أو عقل أو إدراك ، فى رياض المتعة والشهوة والشرور ، بل كن يحرضن أزواجهن على الطاس والكأس ، وفى الأصحاح السادس يتحدث عما يصحب هذا الإغراق الحسى من آثام ودنايا ... فساسة صهيون والرؤساء فى جبل السامرة ، والنقباء فى أفضل مملكة فى الأرض ، الذين يأتى إليهم بيت إسرائيل ، يلتمسون الرأى والمعونة والإرشاد والمشورة ، هؤلاء قد استكانوا إلى الراحة والأطمئنان والكسل والجمود ، وإهمال الواجب ... ولم ينتهوا إلى هذا فحسب بل نسوا العبرة التى كان يمكن أن تأتى إليهم ممن سلكو ا ذات السبيل قبلهم من الأمم المجاورة ، وخربوا وهلكوا وضاعوا .. « أعبروا إلى كلتة وانظروا واذهبوا من هناك إلى حماة العظمة ثم انزلوا إلى جت الفلسطينيين » " عا 4 : 2 " ثم تأمل رعونتهم وحمقهم وغباوتهم إذ « يبصرون يوم البلية » بمثل ما تفعل النعامة الحمقاء المطاردة الهاربة المعيية ، عندما تدفن فى الرمال رأسها لتبعد عنها سهم الصياد وقوسه ، ... وانظر إليهم وقد أصيبوا بالبطنة ، فهم يتهالكون على الطعام : « الآكلون خرافاً من الغنم وعجولا من وسط الصيرة » " عا 4 : 4 " ومثل هؤلاء ، ليس أمتع إلى نفوسهم أو أحلى من جلسات الغناء الماجنة الخليعة : « الهاذرون مع صوت الرباب المخترعون لأنفسهم آلات الغناء كداود . الشاربون من كؤوس الخمر والذين يدهنون بأفضل الأدهان » " عا 4 : 5 و 6 " مع الجمود التعس عن الإحساس بالمسئولية وآلام الآخرين : « ولا يغتمون على انسحاق يوسف » ... وهل يفعل الإغراق فى الشهوات الحسية فى كل الأجيال والأمم والجماعات والأفراد ، غير ما فعل أيام عاموس ؟ وأليست الشراهة والدعارة ، والبلادة والاستهتار ، والإستباحة والحيوانية ، والضعة والبوهيمية ، وجمود الفكر تبلد الشعور والضمير ، هى الظواهر التى تصاحب عادة وأبداً – عابدى الجسد وأسرى البطن والشهوة واللذة ؟ !! .. عاموس والظلم وهل يمكن للشهوات أن تنمو فى تربة دون أن يتبعها الظلـــــم ؟ ، والظلــــم الرهيب الصارخ القاسى ؟؟ ! وقد صدر هذا الظلم أول ما صدر عن المرأة ، المرأة التى كان ينبغى أن تكون شعاراً للحنان والرقة والعطف ، فبقرات باشان يصفهن عاموس بالقول : « الظالمة المساكين الساحقة البائسين » " عا 4 : 1 " وأغلب الظن أن نساء إسرائيل قد ظلمن هؤلاء المساكين البائسين عن طريق أزواجهن وقد قسا الرجال بدورهم حتى كان يبلغ هذا الظلم مرتبة الإفناء : « المتهمون المساكين لكى تبيدوا بائسى الأرض » "عا 8 : 4 " وقد صاحب هذا الظلم الكثير من الآثام والدنايا والشرور ، فالرؤساء قبلوا الرشوة ، ومن ثم تفشى فى القضاء الاعوجاج ، ولم يستطع المسكين البائس أن يقف على قدميه ، فجاع وتعرى ، وبيع بثمن بخس رخيص : « الضعفاء بفضة والبائـــس بنعلين » " عا 8 : 6 " وغمر الغش الأسواق ، لنصغر الإيفة ونكبر الشاقل وتعوج موازين الغش » "عا 8 : 5 " كان ظلمهم الأكبر لنفوسهم وللحياة وللواجب ، هو طرحهم اللّه وراء الظهر ، وضياع العبادة الحية الحيقية الكريمة . عاموس والعقاب القاسى وهذا ينتهى بنا آخر الأمر ، إلى ما أعلنه عاموس عن العقاب الإلهى ... فالإله العادل القدوس ، هيهات أن يسكت أو يتغاضى أو يرضى عن آثام الناس وشرورهم ، أو كما قال أحدهم : « قد ينجو الناس من العقاب البشرى كثيراً ، فالعدالة البشرية ، إذ هى بشرية ، بعيدة عن الكمال ، ومع ذلك فإن من لا ينجون من هذا العقاب أكثر كثيراً ممن ينجون ، وقد يتأخر العقاب ، ولكنه سيأتى فى صورة ما ، بهذه الكيفية أو بتلك ، ولنفرض أن الناس نجوا من العقاب البشرى ، فهل يمكن أن ينجوا من مواجهة الضمير؟ ، ... وإذا أمكنهم إسكات الضمير ، فهل يمكنهم أن يخلصوا أولادهم من نتائج ما ارتكبوا من خطايا وشرور ؟؟ .. كلا ، فليس هناك من نجاة .. » ... لأن من يزرع للجسد فمن الجسد يحصد فساداً ، ... وقد زرع الإسرائيليون فحصدوا ، وحصدوا حصاداً قاسياً شديداً ، فقد جاءتهم الساعة التى تحول فيها كل مجدهم وعزهم إلى الهوان والجوع ، والخوف والشقاء ، فأين أيام بقرات باشان !! ؟ . لقد أخذن بخزائم فى الأنوف، وأخذت ذريتهن بشصوص السمك ، ومن الشقوق خرجن إلى السبى والعار والتعاسة والفجاعة ، ... وهكذا أيضاً سادة صهيون ونقباء السامرة الذين ألفوا الناعمات نراهم وقد سيقوا سوق الماشية إلى السبى والعار والتشريد !! .. جاء تغلث فلاسر ملك آشور وقضى على بيت إيل ، وجاء بعده شلمناصر وأخذ السامرة ، ... وعندما تبدأ أمة حياتها بالأصنام ، كما بدأ يربعام بعجول الذهب ، فإنها - إن آجلا أو عاجلا - ستتحطم هى وأصنامها معاً كما حدث لإسرائيل عام 722 ق. م. وليست إسرائيل وحدها بل كل أمم الأرض كما تشهد وتؤكد فصول التاريخ !! ... أو كما قال أحدهم : عندما لم يبق فى قرطاجنة سوى الغنى الفاحش ، والفقر الذريع ، سقطت قرطاجنة تحت أقدام الرومان ، وعندما نسيت روما هذا الدرس وتلاشت منها الطبقة المتوسطة سقطت عند أقدام الغزاة البرابرة الذين وفدوا إليها من الشمال !! .. هل لنا - كأفراد أو جماعات أو أمم - أن نطلب طلبة أجور ابن متقية مسا : « اثنتين سألت منك فلا تمنعهما عنى قبل أن أموت : أبعد عنى الباطل والكذب لا تعطنى فقراً ولا غنى ، أطعمنى خبز فريضتى لئلا أشبع وأكفر وأقول من هو الرب ، أو لئلا أفتقرو أسرق وأتخذ اسم إلهى باطلا » " أم 30 : 7 - 9 " . |
|