هل خلص الابن الضال في لحظة؟!
كما كان هدف مثل العشار هو التواضع، وليس الخلاص (لو 18: 9)، كذلك مثل الابن الضال، بل كل الإصحاح، عن التوبة (لو 15) وليس عن الخلاص.
كان الفريسيون والكتبة قد تذمروا لأن المسيح يقبل إليه العشارين والخطاة (لو 15: 1، 2) فذكر لهم الرب ثلاثة أمثلة عن رجوع الخطاة، هي الخروف الضال والدرهم المفقود، وارلابن الضال كلها قص عن سعى الرب وراء الخطاة وردهم، وقبول الراجعين منهم..
إنها قص عن التوبة، وليست قواعد عقائدية للخلاص..
ومع ذلك، فإن قصة الابن الضال، تحوى رمزوًا عميقة..
فلنتأمل إذن هذا المثل، ونفحص التوبة التي فيه.
لقد مرت على الابن لحظات مصيرية، جلس فيها إلى نفسه، وبحث حالته ومصيره، وقرر التوبة.
إنها لحظات مقدسة بلا شك، ولحظات مصيرية، ولكنها ليست لحظات خلاص لأن الخلاص لا يتم في لحظة ولا لحظات!
إن الجلوس مع النفس شيء، وتقرير المصير شيء، والتوبة شيء ولكن الخلاص شيء أكبر من هذا كله وهنا يبدو الفرق الواضح العميق بين التفكيرين الأرثوذكسي والبروتستانتي.
في التفكير البروتستانتي: الخلاص مجرد علاقة فردية بين الإنسان والله، لذلك يرون أنه يمكن أن يتم في لحظة.
أما في العقيدة الأرثوذكسية، فإن للكنيسة دورًا في الخلاص، باعتبارها أمنية على نعم الروح القدس التي في الأسرار المقدسة.
وهكذا يكون للكهنوت دور، كوكيل لله (تى 1: 7) وبالتالي لا يمكن أن يتم الخلاص في لحظة.
لقد جلس الابن الضال مع نفسه، واستعرض سوء حالته، وقرر التوبة ولكن هذه اللحظات المصيرية المقدسة، لم تكن لحظات خلاص.. فلماذا؟
أولا، لأنه كان لا يزال في أرض بعيدة، بعيدًا عن الآب وعن حضن الآب، وعن بيت الآب الذي هو الكنيسة. ولا يمكن أن يتم الخلاص، وهو بعيد عن الآب..
وقد شعر هو بهذا وبأهميته، فقال: أقوم واذهب إلى أبى، وأقول له أخطأت) (لو 15: 18) وقام وذهب إلى أبيه.
رجوعه إلى بيت الآب، معناه رجوعه إلى الكنيسة فالخلاص يتم في بيت الآب لذلك اشترك العبيد في القصة، وهم يرمزون هنا إلى الكهنة.
قال الأب لعبيده: (اخرجوا الحلة الأولى والبسوه واجعلوا خاتمًا يتم في يديه، وحذاء في رجليه وقدموا العجل المسمن واذبحوه، فنأكل ونفرح) وقال هذا قبل أن يقول: (لأن ابنى هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالًا فوجد).
لنرى ماذا تحمل هذه التفاصيل، من رموز وطقوس؟
لبس الحلة الأولى يرمز إلى المعمودية، وإلى البر.
يرمز إلى المعمودية، إن كان المثل عن غير المؤمنين. فالابن الضال يرمز إلى الأمم الذين تغربوا عن الرب في كورة بعيدة، بينما الابن الأكبر يرمز إلى اليهود..
ولبس الحلة هنا يذكرنا بقول الرسول: (لأنكم جميعًا الذين اعتمدتم للمسيح، قد لبستم المسيح) (غل 3: 27).
والحلة الجديدة ترمز أيضًا إلى (تبررات القديسين) بالنسبة إلى المؤمنين (رؤ 19: 8، حز 16: 10، أف 6: 14) ونلاحظ أن هذا البر في (حز 16) جاء بعد المعمودية والميرون. بعد (فحممتك بالماء) أى المعمودية (ومسحتك بالزيت) أي الميرون. ثم (ألبستك..) (حز 16: 9، 10).
أما الأكل من العجل المسمن المذبوح، فيرمز إلى الافخارستيا.
ونلاحظ أن هذا قد تم في مثل الابن الضال بعد التوبة والاعتراف وانسحاق القلب. بعد قوله: (أخطأت.. ولست مستحقًا أن أدعى لك ابنًا).
ونلاحظ أيضًا أن ذبح وتقديم العجل المسمن، تم بواسطة عبيد الآب، أي رجال الكهنوت، الذين لهم دور في القصة.
كما أن ذبح العجل يعنى سفك الدم، ويذكرنا بقول الرسول: (بدون سفك دم لا تحصل مغفرة) (عب 9: 22).
ما كان ممكنًا للابن الضال أن يخلص قبل ذبح العجل المسمن، وسفك دمه والتناول منه..
أما الخاتم في يده فيرمز إلى البنوة، وإلى أن نفسه قد صارت عروسًا للمسيح. والحذاء في رجليه، يرمز إلى حفظ الوصايا (أف 6: 15).
وهكذا نرى أنت قصة الابن الضال قد شملت:
أ الرجوع إلى النفس ولومها، والتوبة، والاعتراف والانسحاق.
ب الرجوع إلى الكنيسة، وإلى بيت الآب وحضن الآب
ج المعمودية، والبر.
د التناول من سر الافخارستيا، وحفظ الوصايا.
ه مشاركة عبيد الآب الذين هم رجال الكهنوت.
وواضح أن كل هذا، لم يتم في لحظة..
ومن له أذنان للسمع فليسمع.. (مت 13: 9).