|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لماذا لإله محب كلي السلطان أن يسمح بحدوث شر؟!
لماذا لإله السلطان يسمح بحدوث إن الشر والألم المتفشي من حولنا، يبدو أنه يصرخ ضد حقيقة وجود إله، أو على الأقل ضد أن يكون هذا الإله صالح وقدير[1]. وهذا ما عبر عنه أحد الفلاسفة بقوله: "إما أن الله يريد أن يمحو الشر ولا يستطيع، أو أنه يستطيع ولا يريد؛ أو أنه يستطيع ويريد. فإن كان يريد ولا يستطيع فهو عاجز؛ ولو كان يستطيع ولا يريد فهو شرير (غير صالح)؛ وإن كان يستطيع ويريد، فما تفسير وجود الألم والمعاناة والشر في العالم؟!"[2]. والمعضلة المسيحية تكمن في أن الوحي المقدس يقدم لنا ثلاث حقائق غير منسجمة معاً، وأي محاولة للتخلي عن إحداها ينحرف بالمسار نحو هرطقة[3]! تلك ائق هي: لماذا لإله السلطان يسمح بحدوث فهناك تناقض بين هذه الأضلاع، بحيث إذا صح إثنين منهن يصبح الثالث خطأ[4]! فإذا قلنا أن الله ضابط الكل وأنه صالح، فكيف للشر أن يحدث؟ وإذا قلنا أنه صالح والشر موجود، فهل معنى هذا أن الله ليس ضابطاً لكل شيء؟ ولذلك استغل الفليسوف الاسكتلندي "دايفيد هيوم" هذه الحجة ليدلل على أن الإيمان المسيحي لا يمكن أن يتماشى مع العقل[5]. هذا ما دفع مدارس فلسفية ولاهوتية عدة لمحاولة التوفيق بين هذه الأضلاع الثلاثة، ولكن للأسف كان عليها دائماً أن تضحي بإحداهن! فهناك من ضحى بحقيقة أن الله ضابط الكل وليس مسئولاً عن الشر، ليدافع عن حقيقة صلاح الله وواقعية وجود الشر والألم. وهناك من ضحى بصلاح الله، ليحافظ على حقيقة أن الله ضابط الكل ومهيمن على الجميع ولا شيء يحدث خارج مشيئته أو رغماً عنه. وهناك من دعى إلى أن الشر وهماً ولا يوجد شيء اسمه ألم، ليدافع عن حقيقة كون الله صالح وكونه ضابط الكل. ولكن يقدم لنا الكتاب المقدس الثلاث حقائق معاً، لنؤمن بها معاً، دون انتقاص لإحداهن في سبيل أخرى. فهو يؤكد لنا ان الله صالح وأنه ضابط الكل وأن الشر حقيقة واقعة. يقة الأولى: الله صالح: إن الخطأ الأول الذي وقع فيه البعض، هو تصريحهم سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أن الله هو مصدر أو الخالق الشر[6]. ولكن، كيف لهذا التصريح أن يتفق مع حقيقة صلاح الله وأنه لا يسر بالشر[7]؟ فالقول بأن الله خالق الشر يعني أيضاً ضمنياً أنه يرتكب الشر، وحاشا أن يكون الله كذلك[8]! فالله "نور وليس فيه ظلمة البتة" (1يو5:1)؟ وكيف لإله خلق الكون والإنسان حسن جداً أن يكون خالقاً للشر[9]؟ إن ذات هذه التساؤلات قد ساقها قديماً حبقوق النبي قائلاً: "عيناك أطهر من أن تنظرا الشر ولا تستطيع النظر إلى الجور، فلم تنظر إلى الناهبين وتصمت حين يبلع الشرير من هو أبر منه؟" (حب13:1). ومن أشهر المقاطع الكتابية التي تستخدم من قبل البعض لتبرير القول بأن الله خالق الشر هو قول أشعياء النبي: "أنا الرب وليس آخر. مصور النور وخالق الظلمة صانع السلام وخالق الشر. أنا الرب صانع كل هذه" (اش7:45)! وصحيح أن كلمة "شر" هنا هي بالعبري "רע"، وهي ذو معنى مزدوج فهي قد تشير إلى الشر بمفهومه الأخلاقي، وكذلك الشر بمفهوم الكوارث والشدائد[10]. ولكن سياق نص الأصحاح لا يتحدث عن الشر الأخلاقي، لكنه يتحدث عن سيادة الله وسلطانه وكيف أنه سيأتي بالملك الفارسي كورش ليحرر شعبه العاصي من شر السبي البابلي. فالشر المراد هنا هو الشر الطبيعي أو التأديبي وليس الأخلاقي. وهذا ما تؤكده الخلفية التاريخية للنص، فأقصى شر كان في مخيلة يهود زمن كتابة سفر اشعياء هو السبي، الذي مصدره كان الله كتأديب لهم[11]. فالله بحسب هذا النص هو خالق ومصدر الشر الذي آتى على شعبه بسبب عصيانه الذي هو السبي[12]. ولا تشير الآية بأي حال من الأحوال إلى أن الله خالق الشر الأخلاقي. فقول أن الله هو مصدر أو خالق الشر الأدبي يتعارض بقوة مع صلاحه، ومع قول الرسول يعقوب: "لا يقل أحد إذا جرب إني أجرب من قبل الله، لأن الله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب أحدا. ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته" (يع13:1-14). إن التجارب التي يتحدث عنها الرسول هنا هي التجارب الأخلاقية [هذا غير التجارب التي تحدث عنها بولس في (1كو13:10) بقوله أن الله يجعل معها المنفذ]. فالله بحسب هذه الآية ليس خالقاً للشر الأدبي والأخلاقي. يقة الثانية: الله ضابط الكل: الخطأ الثاني الذي وقع فيه البعض في محاولتهم للتوكيد على صلاح الله، هو قولهم بأن الشر الحادث في العالم يقع بمعزل عن مشيئة الله[13]؛ ولا شأن لله به. ويقدمون نظريتان شهيرتان لاثبات وجهة نظرهم: [1] انسحاب الله لصالح حرية الإنسان: تنادي هذه النظرية بأن الله خلق العالم ووضع له قوانين طبيعية ثابتة تحكمه. فالله لا يتدخل فعلياً في صنع الأحداث لكنه يراقبها من بعيد تاركاً ية للإنسان لإكتشاف هذه القوانين بطاعتها تارة وعصيانها تارة أخرى؛ وهو ما يسبب الحوادث والأمراض والمآسي[14]. فالله –كما يقول جريجوري بويد- فوق الزمن ولا يتأثر بأي شيء يحدث على الأرض وتفاعله مع العالم لا زمني[15]! ويشرح "مونت سميث" تلك النظرية بقوله: عندما صنع الله الطبيعة حد من سيادته، إذ التزم وارتضى بعدم التدخل فيها، تاركاً اياها تتحرك وفق مسارها[16]. بل ويذهب إلى أبعد من ذلك بقوله: "عندما خلق الله الإنسان بروح وفكر وشعور وإرادة، حد الله من سيادته بشكل كبير. كما أثار دهشة السماء حين منحه إرادة حرة، وضعت عليه قيداً؛ إذ سمحت للإنسان بأن يختار ما هو ضد إرادة الله الثابتة.. ولم يحقق الإنسان إرادة الله عندما أكل من الثمرة، وعدم تحقيق إرادة كائن ما هو بكل يقين تقييد له!"[17]. أو بحسب تعبيرات كوستي بندلي البليغة: "الله يمد الخليقة بالوجود وينسحب منها بآن، كي يتسنى لهذا الوجود أن يقوم بحد ذاته. ينسحب منها كما ينسحب البحر لتوجد القارات"[18]. ويرى الباحث، أن على الرغم من تبني الكثير من المفكرين المسيحيين هذا الإعتقاد، إلا أنه لا يعدو أن يكون أكثر من مجرد ترديد لذات نظرية "فولتير" القائل بأن الكون هو بمثابة ساعة حائط، صممها ساعاتي إلهي، ثم تركها تدور وشأنها[19]! وهو ذات اعتقاد الربوبيين الذين يرجعون سبب الشر والألم إلى ضعف الإنسان وجهله وعدم قدرته على فهم قوانين الطبيعة[20]. ويرى الباحث، أن هذه النظرية تنتقص من سيادة الله في سبيل التأكيد على حرية الإنسان المطلقة. فصحيح أن الله خلق هذا الكون ووضع فيه قوانين وضوابط ومنح فيه للإنسان إرادة حرة، ولكن هل معنى هذا أن الله ترك الإنسان فريسة لهذه القوانين الطبيعية القاسية[21]؟! هل كبل الله نفسه بهذه القوانين العمياء لتمنع يده من أن تفعل ما يريد؟ ألم يغير الله على مدار صفحات الوحي المقدس كثيراً جداً القوانين الطبيعية ليفعل ما يشاء[22]؟ فهو كما قال عنه المرنم: "كل ما شاء الرب صنع في السماوات وفي الأرض في البحار وفي كل اللجج. المصعد السحاب من أقاصي الأرض. الصانع بروقا للمطر. المخرج الريح من خزائنه" (مز6:135). وأيضاً: "الكاسي السماوات سحابا المهيئ للأرض مطرا المنبت الجبال عشبا. المعطي للبهائم طعامها لفراخ الغربان التي تصرخ" (مز8:147) فسيادة الله حقيقة كتابية واضحة تنبع من كونه هو الله والخالق والسيد لهذا الكون[23]. وسيادته سيادة كاملة ومطلقة ولا تمنح له من إنسان أو من موقفٍ[24]! فهو لم يخلق الكون وتركه للقوانين وسنن الطبيعة لتتحكم فيه؛ فهو إلى الآن "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب3:1). وكلمة حامل في الأصل اليوناني تعني أكثر من مجرد الحفظ والحماية، فهي "φέρω" وتعني أيضاً يحضرها ويسوقها ويحركها ويقودها[25]! فالرب يحرك ويهيمن ويقود ما ما يحدث كقول بولس: "حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته" (أف11:1). [2] الشيطان: التعليل الآخر الذي قدمه بعض المفكرين المسيحيين، هو قولهم أن الشر والألم الواقع على الأرض هو نتاج لتحركات الشيطان. فالشيطان يجول في الأرض كأسد زائر يبتلع، ويجرب، ويلطم بالأمراض، ويتسلط على البشر! فالله لا علاقة له مطلقاً بتحركات الشيطان، فهو لا يريد الشر ولا الألم، ولا يحطم ولا يدمر ولا يتواطأ مع أي قوة تنال من الإنسان من حياته ومن سعادته[26]. ولكن يرى الباحث، أنه إذا كان الله حقاً لا علاقة له ولا يسمح للشر أن يحدث؛ فكيف لنا أن نثق في أنه يجعل كل الأشياء تعمل معاً للخير؟! لو كان الشر يدخل عالمنا دون قصده وسماحه؛ فما الضامن ألا يباغتنا شراً في يوم يكون أكثر من احتمالنا ويتسبب في إنهيارنا ودمارنا[27]؟! فلا شيء يحدث في هذا الكون بمعزل عن سماح الله خيراً كان أو شراً؛ فلو كانت مشيئته ألا يحدث أمراً، لما حدث! فصفحات الوحي المقدس كثيراً ما تقدم لنا أنه حتى الشر الذي يحدث، هو جزءاً من ترتيب الله؛ ولا 33:11). |
|