رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
انحدار سليمان وموته يقدِّم لنا الكتاب المقدَّس قصَّة مؤلمة للغاية، وهي قصَّة انحدار شخصيَّة سليمان، ملخَّصها أنَّه قد ارتدَّ عن العبادة الحقَّة النقيَّة بسبب إغواء نسائه، الأمر الذي أشار إليه الكتاب المقدَّس بعد عدة قرون (نح 13: 26). سليمان الذي كرّس قلبه لمحبَّة الله، حوّله إلى النساء الغريبات. سليمان الذي بدأ برعاية شعبه بالحب انشغل بقصره الخاص والمنشآت الضخمة، فأرهق شعبه بالضرائب وأعمال السخرة. شعر بعض الدارسين وجود تحوُّل خطير ومتطرِّف من ملك يكرِّس طاقات شعبه لحساب مملكة الله، وينال شهرة عالميَّة في الحكمة والتقوى، إلى ملك يغرق في شهوات جسديَّة شبابيَّة، ويتعبَّد للأوثان! فظن البعض أن هناك مبالغة في الحديث عنه في الجانبين التقوى والشهواني! ادَّعى البعض أنَّه يستحيل أن ينقلب سليمان إلى هذه الصورة البشعة بعدما تمتَّع ببهاء عجيب! إنَّه درس عملي بشع يبرز عمليًا إمكانيَّة الانحراف والفساد، في أيّ سن، وتحت أي ظروف. ليس للمؤمن أن يتَّكل على خبراته الماضية وأعماله وقدراته وحكمته! لعبت بثْشَبع دورًا حكيمًا وهامًا في استلام سليمان الحكم وإحباط مؤامرة أخيه أدونيا. وقدَّمت لابنها وصايا تسنده في الحكم، وقد حذَّرته من الزواج بوثنيَّات (أم 31: 3)، لكنَّه لم يسمع لصوتها. لقد لمس بنفسه ما حلّ بأبيه داود وبكل أسرته بسبب سقوطه في الشهوة، ولم ينتفع سليمان من هذا الدرس الخطير. في الأصحاح السابق ذكر مخالفة سليمان الوصيَّة الإلهيَّة الخاصة بالملوك ألاَّ يبالغوا في اقتناء الخيل (تث 17: 16)، وألاَّ يكثروا الذهب والفضَّة. الآن يكشف هذا الأصحاح عن تجاهله الوصيَّة الإلهيَّة الخاصة بألاَّ يتزوَّجوا نساء غريبات وثنيَّات. هكذا قدَّم لنا الكتاب المقدَّس شخصيَّة سليمان كمثالٍ خطيرٍ للسقوط بعد التمتُّع بحكمةٍ سماويَّة ومجدٍ وعظمةٍ! وقد لمس سليمان بنفسه خطورة الارتباط بالوثنيَّات، فسجَّل لنا في سفر الأمثال أن محبَّة النساء طرحت كثيرين جرحى (أم 7: 26). النساء الوثنيَّات: خلال الخبرة العمليَّة يحذِّرنا الملك سليمان من حبائل المرأة الوثنيَّة، خاصة من صوتها الليِّن كالزيت، مخصِّصًا الأصحاحات 5-7 من سفر الأمثال لهذا التحذير. كل إنسان يميل بأذنيه الداخليتين إلى صوت المرأة الزانية المخادعة بالعذوبة الظاهرة لا يستطيع أن يميلهما إلى صوت الحكمة. يروي لنا سفر الملوك الأول القصَّة المُرّة لسليمان نفسه وقد مال بأذنيه للأجنبيَّات ففقد ملكوت الله الذي في أعماقه. "وأحبَّ الملك سليمان نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون... فأمالت نساؤه قلبه. وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى، ولم يكن قلبه كاملًا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه... وعمل سليمان الشرّ في عينيّ الرب ولم يتبع الرب تمامًا كداود أبيه" [1-6]. يطالبنا الحكيم أن نتجنَّب كل ما يمكن أن ينحرف بنا إلى خطيَّة الزنا، أو مجرَّد الميل إليها بالفكر. فإن أفكار الشهوة قاتلة لكل بذور الفضيلة، والذين يسقطون في حبائلها يصيرون على مقربة من أبواب الهاويَّة. إن كانت شفتا المؤمن المنصت لصوت الحكمة تحفظان معرفة، فإن شفتيْ المرأة المنحلَّة تنساب منهما كلمات معسولة ليِّنة كالزيت. "لأن شفتيّ المرأة الأجنبيَّة تقطران عسلًا، وحنكها ألْين من الزيت. لكن عاقبتها مُرَّة كالأفسنتين، حادة كسيفٍ ذي حدِّين" (أم 5: 3-4). كلماتها من الخارج حلوة كالعسل، وفي الداخل مُرَّة للغاية كالأفسنتين؛ من الخارج ليِّنة كالزيت ومن الداخل كسيفٍ قاتلٍ ذي حدِّين. غالبًا ما يُقصد بالشفتين والفم هنا القبلات المثيرة للشرّ مع الكلمات العاطفيَّة الغاشة. يتطلَّع الإنسان الحكيم إلى المرأة الشرِّيرة بفمها ذي الشفتين الناعمتين كعدوٍ خطيرٍ يقف ممسكًا بسيف ذي حدِّين. كل شفاه أشبه بحد سيف، أينما توجَّه السيف يقطع ويدمِّر... هكذا فم الشرِّيرة. * يقدِّم أحدهم هذه النصيحة: "لا تُلاحظ جمال المرأة الأجنبيَّة، ولا تلتقي بامرأة تُدمن الزنا. إذ تقطر شفتا الزانية عسلًا، الذي إلى حين يبدو ليِّنًا لحنجرتك، لكنَّه بعد ذلك تجده أكثر مرارة من الأفسنتين، وأكثر حدَّة من سيفٍ ذي حدِّين. فالمرأة الزانية لا تعرف كيف تُحب بل تصطاد؛ قبلاتها مملوءة سُمًّا، وفمها مخدِّر ضار. إن كان هذا لا يظهر في الحال، فبالأكثر يجب تجنبها، لأنَّها تحجب هذا التدمير وتختم على هذا الموت ولا تسمح له بالظهور في البداية. * تبدو ملامح الزانية مقبولة. أنا أعلم ذلك، إذ يقول الكتاب: "شفتا المرأة الأجنبيَّة تقطران عسلًا" (أم 5: 3). لهذا السبب احمل كل هذا التعب حتى لا تكون لك خبرة هذا العسل، فإنَّه في الحال يتحوَّل إلى إفسنتين. هكذا يقول أيضًا الكتاب المقدَّس: "هذا الذي إلى حين ليّن لحنجرتك، لكنَّه بعد ذلك تجده أكثر مرارة من الإفسنتين، وأشد حِدّة من سيفٍ ذي حدِّين" (أم 5: 3-4) LXX. القديس يوحنا الذهبي الفم |
|