رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قداسة البابا شودة الثالث محاسبة النفس يحتاج الإنسان كثيرًا إلى جلسة مع نفسه. يجلس إلى نفسه في هدوء، لكي يفحصها ويفتش دواخلها، ويراقب تصرفاتها ويحاسبها، حتى يكون في يقظة مستمرة... وهذه الرقابة الذاتية وملاحظة النفس لازمة لكل إنسان، مهما علا في حياته الروحية، ومهما ارتفع في منصبه... ولهذا فإن الشيطان يحاول بكل قوة أن يمنع كل إنسان من الجلوس إلى نفسه. ما أسهل أن يغرقه في مشغوليات عديدة جدًا تستغرق كل وقته، وتستحوذ على كل مشاعره، فلا يجد فراغًا يجلس فيه إلى نفسه! وإن كان إنسانًا خدومًا، يمكن أن يشغله بالخدمة ومتطلباتها، حتى يجعل الخدمة تشغله، بحيث لا يهدأ ليفكر في أخطائه في خدمته! وهكذا كثيرًا ما يعيش غالبية الناس في دوّامة دائمة، خارج أنفسهم! أما أنت أيها القارئ العزيز، فلا تكن من هذا النوع. بل اخرج من دوّامة المشغوليات، والتفت -ولو قليلًا- إلى نفسك. أنت محتاج أن تجلس إلى ذاتك، لأسباب كثيرة: منها أن تعرف أخطاءك، سواء كانت أخطاء اللسان، أو أخطاء الفكر أو الحواس أو مشاعر القلب، أو أخطاء الجسد. وبالجملة لتعرف أخطاءك ضد وصايا الله، وضد الناس، وضد نفسك، لتصلح كل هذه... بل لتدرس طباعك الثابتة فيك، ربما يحتاج بعضها أن يتغير! وأيضًا لتعرف الخطايا التي تتسمى بأسماء فضائل، وربما تفتخر بها! وكما تحاسب نفسك على السلبيات التي تقع فيها، حاسبها أيضًا على ما ينقصها من الفضائل. وكذلك من جهة توقف النمو الروحي، لأنه من المفروض أن تنمو روحيًا باستمرار... وكل إنسان عليه أن يضع أمامه عبارة الحكيم الذي قال: "احكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكم الناس عليك" ولكن كيف تكون محاسبة النفس بطريقة مثالية؟ + أولًا: يحاسب نفسه بكل صراحة، وبغير مجاملة للذات: وهنا يحاول الشيطان أن يمنعه بإحدى طريقتين: إما أن يقول له "لا تبالغ في حكمك على ذاتك، لئلا تقع في (عقدة الذنب) "Sense of Guilt" وإما أن يقول له: احترس من أن تقسو على نفسك، لئلا تقع في الكآبة Depression. والشيطان ليس مخلصًا في نصائحه، لأنه يريد أن يبعد الإنسان عن تبكيته لنفسه ليصلحها... أيضًا في محاسبة الذات : على الإنسان أن يحترس من أن يلتمس لنفسه الأعذار، كما تتغطى أخطاؤها بالتبريرات! النعمة قد تعمل في الإنسان كي يدرك أخطاءه، كما يتحول إلى مشاعر التوبة. ولكن الشيطان -إنه يريد أن يبعده عن تبكيت النفس والتوبة- يقدم له أعذارًا وتبريرات تغطى على الأخطاء! فليحترس كل أحد من تقديم مثل هذه الأعذار والتبريرات، لأنها لون زائف من الإشفاق على النفس، بالدفاع عنها، ومحاولة تخفيف الذنب الذي اقترفته، ليبعدها عن التوبة! فإن كنت يا أخي تحب نفسك حقًا، فلا تشفق عليها بهذا الإشفاق الخاطئ الذي يحرمها من مشاعر التوبة، والندم على ما فعلته! وهذا لا يفيدها بشيء. بل على العكس: قد تتعود النفس هذا الاعتماد على الأعذار والتبريرات، وتستمر في الأخطاء! كما أن الذي يحاول أن يعذر نفسه في أخطائه، قد يصبح ضميره من النوع الواسع الذي يبتلع كل خطأ دون أن يندم عليه! وربما يعتذر الإنسان عن أخطائه بسبب المعطلات الخارجية. هذه التي تعوق طريق الفضيلة، بينما كان عليه أن يجاهد لكي ينتصر على تلك المعوقات، فيغلبها دون أن تغلبه وتمنعه.. هوذا أبونا نوح البار، كان يعيش في جو في منتهى الفساد، وسط جيل شرير استحق أن يغرقه الله بالطوفان. ومع ذلك فإنه عاش في بره، وحفظ نفسه في الإيمان هو وأسرته. ولم يتأثر بالوسط المحيط... كذلك يوسف الصديق كانت الخطية تضغط عليه من زوجة سيده كل يوم. ومع ذلك رفض كل ذلك الضغط والإلحاح، ولم يخطئ. وتحمل ما لحقه من سجن وظلم وعار، لينتصر على الخطية. إذن الضغط الخارجي لا يستسلم له سوى الضعف الداخلي... أما الإنسان القوى من الداخل -من جهة قلبه وضميره- فإنه لا يعتذر مطلقًا بالضغوط الخارجية مهما كانت شديدة... فلا يلتمس أحد العذر، بأنه كان ضعيفًا، والخطية أقوى منه! الضعيف عليه أن يجاهد لكي يغلب وكل إغراءات الخطية، لكي يكون غالبًا لا منهزمًا أمامها، عالمًا أن النعمة سوف تسنده في جهاده، وواضعًا أمامه أن ملكوت الله لا يُعطى إلا للغالبين... ولا يقول إن الوصية كانت صعبة، لم أستطع تنفيذها.. إن أبانا إبراهيم، أب الآباء والأنبياء، استطاع تنفيذ وصية في منتهى الصعوبة، فأخذ أبنه الوحيد الذي يحبه ليقدمه ذبيحة لله... اقرأ إذن قصصًا عن الأبرار الذي انتصروا في حياتهم الروحية على الرغم من كل المعطلات الخارجية. فإنها قصص تشجعك وتقويك. إن الاعتذار بالضعف، ما هو إلا تدليل للنفس! وأمثال هذه الأعذار مجرد حيل للتخلص من تنفيذ وصايا الله. وهى غير مقبولة أمامه. مثال ذلك الذي يعتذر عن الصوم لضعف صحته. وكذلك الذي لا يدفع من ماله، ما هو حق الله عليه، معتذرًا بالظروف الاقتصادية، وبنفس السبب يعتذر من لا يفي بنذره... فليكن الضمير أقوى من كل تلك الحجج والأعذار. نتقل إلى محاسبة النفس فنسأل متى يحاسب الإنسان نفسه؟ هناك من يجلسون إلى أنفسهم لمحاسبتها في مناسبات: مثل نهاية عام وبداية عام جديد. ومن يحاسبون أنفسهم في آخر كل يوم على أخطاء النهار. ومن يحاسبون أنفسهم عقب الفعل الخاطئ مباشرة، فيبكتون ذاتهم على فعله ويندمون . أما الوضع الأمثل والأكمل، فهو أن يحاسب المرء نفسه قبل العمل: هل هذا يجوز أم لا يجوز؟ هل هو لائق أم غير لائق. ولا يتسرع مثلًا في الكلام، بل يزن كل كلمة قبل أن ينطقها، من جهة معناها وأسلوبها ومقدار وقعها على الناس. فإن اطمأن يلفظ تلك الكلمة... وبهذا يمكن تفادى الخطأ قبل وقوعه، أفضل من أن يقع المرء في الخطأ ويندم ويبكت نفسه عليه... |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
قداسة البابا شودة الثالث| فى الحكمة |
قداسة البابا شودة الثالث | المعرفة |
قداسة البابا شودة الثالث | كيف؟ |
قداسة البابا شودة الثالث الفضيلة |
قداسة البابا شودة الثالث قصص تدل على ذكاء |