رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أين نحن من التواضع، سر التوبة والصوم والصلاة؟ فإذا كان الكبرياء منبع كل الْخطايا والشرور(سى10: 15) فالتواضع بالتأكيد هو بداية كل خير! في الأمس، ذكرنا أهمّيّة الصّلاة في حياة الانسان المسيحي والتي من خلالها راحة وتجديد روحي، وسيلة اتصال ومصالحة، قوّة لمحاربة التّجارب، وفيها تحقيق المعجزات وتسليم كلّي للعناية الإلهية. واليوم، نعالج موضوع التواضع في ظل تعاظم جشع الانسان وطمعه بمال هذا العالم ناسيًا أن “مال هالدني باقي بهالدني”، فنرى عاطفة نرجسية بلا حدود تتملك على حياته وتجبره على فعل أي شيء للوصول الى منصب مهم أو الى تجميع ثروة “لا تحرقها النيران” على حساب أولاده وشريك حياته وعائلته، ومجتمعه وأبناء وطنه ناسيًا تعاليم الكتب المقدّسة في أن محبة القريب وصيّة الهية وملزمة على كل إنسان دعي على اسم الله. أما الحل، فلن يأتينا إلا من فوق: “فَإِذَا تَوَاضَعَ شَعْبِي الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ وَصَلَّوْا وَطَلَبُوا وَجْهِي، وَرَجَعُوا عَنْ طُرُقِهِمِ الرَّدِيةِ فَإِنَّنِي أَسْمَعُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَغْفِرُ خَطِيَّتَهُمْ وَأُبْرِئُ أَرْضَهُمْ.” (2 أخ 7:14) أين نحن من التواضع؟ أين نحن من سر التوبة؟ أين نحن من الصوم والصلاة؟ فإذا كان الكبرياء منبع كل الْخطايا والشرور(سى10: 15) فالتواضع بالتأكيد هو بداية كل خير! ولما كان الكبرياء هو سبب السقطة الأولى، حينما اعتقد آدم إنه بحريّة ارادته، وبقوّته الذاتية يمكنه أن يكون في عظمة الله، فمن خلال تواضع المسيح وطاعته نلنا الخلاص. اذ ترك المجد وصار مثل عبد وأطاع حتى الموت: “الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ”. (في 2: 6-8) 1- في أن في التواضع نعمة وانتصار على التّجارب بالاتضاع نَهزم الشّيطان وننتصر على التجارب: “يُقَاوِمُ اللهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً. فَاخْضَعُوا للهِ. قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ.”(يع4: 6، 7) يقول أحد القديسين: “إن الشياطين تخاف من المتواضع لأنهم يعرفون أنه صار مسكنًا للرّبّ.” ونقرأ في سيرة القديس أنطونيوس أنه رأى ذات مرّة شِبَاك الشّيطان منصوبة. تنهّد متسائلا “من يقدر أن يفلت منهم ؟” فاتاه صوت من السّماء قائلاً “المتضعون يفلتون.” 2- في أن في التواضع عظمة اقترب تلاميذ يسوع منه ليسألوه: “مَنْ هُوَ الأَعْظَمُ في مَلَكُوتِ السَّمَاوَات؟” (مت 18: 1) وربما كان كل واحد منهم همّه أن يعرف كيف له أن يحتل مركزًا أعظم ممّا لغيره! لأنه: “كَانَتْ بَيْنَهُمْ أَيْضًا مُشَاجَرَةٌ مَنْ مِنْهُمْ يُظَنُّ أَنَّهُ يَكُونُ أَكْبَرَ.” (لو 22: 24) تخيّل ماذا كان جواب الرّبّ؟! “فَمَنْ وَاضَعَ نَفْسَهُ… هُوَ الأَعْظَمُ في مَلَكُوتِ السَّمَاوَات” (مت 18: 4) يقول مار اسحاق السرياني “الاتضاع هو حلة اللاهوت التي لبسها رب المجد يسوع وكل من لبس هذه الحلة يكون شبه الله الذي لبسنا عندما خلّصنا.” والرّبّ، له المجد، أنزل المتكبّرين من ملائكة أشرار وبشر ورفع المؤمنين وأعطاهم سلطانًا أن يدوسوا الحيات والعقارب (لو19:10) “أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ.” (لو 1: 52) ويقول القديس أوغسطينوس في هذا السياق: “تواضع مع إلهك المتّضع، لكيما ترتفع فى إلهك الممجّد.” 3- في أن في التواضع خدمة الآخرين يعلّمنا الرّب يسوع أن للانسان دور مهم وملزم به وهو خدمة الآخرين: “كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ” (مت 20: 28) ونلاحظ في العشاء السرّيّ أن الرّب يسوع غسل أقدام تلاميذه بعد اتكاءهم كلّهم (يو13: 5) – حيث كانت العادة أن يقوم أحد العبيد بغسل الأقدام، وإذ لم يوجد بينهم عبد، ربما توقّع التلاميذ أن أصغرهم سنًا أو مركزًا يقوم بهذا العمل، لكن الرّب يسوع قام بنفسه بهذا الدّور – ثم خلع ثيابه وغسل أرجلهم. ولم يقف عند هذا الحد، لكنه اتزر بإزار، ولم يكتفِ بهذا لكنه ملأ المغسل بنفسه، ولم يأمر آخر أن يملأه. قام بأعمال الغسل بنفسه كلّها ليعلّمنا أن نمارس أعمالنا لا في شكليات بل بكل نشاطنا. (هذا ما ذكره القدّيس يوحنا فم الذهب). اذًا: “… مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا” (مت 20: 26) 4- في أن في التواضع احتمال الآخرين ومحبتهم يشجّعنا الرّسول بولس في رسائله على معاملة الآخرين بتواضع ووداعة وطول أناة. ” فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أن تَسلُكوا.. بِكُلِّ تَوَاضُعٍ، وَوَدَاعَةٍ، وَبِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ” (اف4: 2) و“الْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَحْبُوبِينَ أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفًا، وَتَوَاضُعًا، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ،” (كو 3: 12) ويطلب أن نجاهد في ضبط النفس “غَيْرَ مُهْتَمِّينَ بِالأُمُورِ الْعَالِيَةِ بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى الْمُتَّضِعِينَ…” (رو 12: 16) وهذا بالأصل ما علّمنا إياه الرّبّ يسوع في مسيرة حياته على الأرض، بحيث كان “لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ، وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ”. (متى 12: 19) 5- في أن في التواضع طاعة للإرادة الإلهية اليوم وأكثر من أي وقت مضى، نرى النّزعة الفرديّة تستشري بين البشر، والتي تعطي الأولويّة الى فكرة الفرد الذي يبني ذاته وفقًا لرغباته وعلى حساب أخيه الانسان، متناسيًا بذلك تعاليم الله. في حين نرى، نسبة تمرّد الأولاد على أهلهم تزداد لا بل تتضاعف، وزوجات تعتبر في طاعة أزواجهن أمرغير مقبول، وأزواج لا يهتمون كثيرًا لوصايا الرّبّ في أن يحبوا ويلتزموا بزوجاتهم، نرى الرّبّ يسوع، انسانًا وضع نفسه وأطاع إرادة أبيه: “يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ” (مت 26: 39) حتى الموت: “وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ”. (في 2: 8) نعم في التواضع ربح عظيم نقرأ في سفر يشوع أن حكمة الوضيع ترفع رأسه “حِكْمَةُ الْوَضِيعِ تَرْفَعُ رَأْسَهُ، وَتُجْلِسُهُ فِي جَمَاعَةِ الْعُظَمَاءِ” (سفر يشوع 11: 1) ويخبرنا الرّبّ يسوع أن للمتواضعين كرامة ومكانة حقيقية “لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ” (لو14: 11) وأنهم سيرثون الأرض “طُوبَـى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ” (مَتَّى 5: 5). إذًا، إن سمعتم صوته فلا تُقَسّوا قلوبَكُم: “اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ.” (الرّبّ يسوع) |
|