لما خلا الكرسي البطريركي بعد نياحة البابا سيمون الثاني، حاول شعب الإسكندرية أن يقيموا شخصًا يدعى اسحق بن أندونة، صاحب ديوان السلطان بالفسطاط على الكرسي البطريركي، نظرًا لثرائه الكبير ومركزه، وكان الرجل علمانيًا متزوجًا، وللأسف فإن أسقفيّ مصر وأوسيم حبذا هذا الاختيار. فما كان من بقية الأساقفة إلا أن عقدوا مجمعًا بالإسكندرية ووبخوا الأسقفين بقولهم: "أين تركتما خوف الرب وخالفتما القوانين حتى أنكما عَمَدْتُما برجل علماني متزوج بامرأة لتجلساه على كرسي مار مرقس الإنجيلي بخلاف ما جرت به العادة والقوانين؟" وكان في هذه الكلمات فصل الخطاب، فلزما الصمت وما عادا يذكران ذلك العلماني. عُرِض اسم القس يوساب المترهب بدير أنبا مقار، فأنفذ مجمع الأساقفة بعض الأساقفة وكهنة الإسكندرية إلى برية شيهيت. وبينما هم سائرون وضعوا علامة وقالوا: "إن كان الرب يختار تقدمة هذا الإنسان (يوساب) فإننا نجد باب قلايته مفتوحًا". ولما وصلوا إلى الدير اتجهوا نحو قلايته فوجدوه قائمًا وقد خرج ليغلق بابها، فكانت هذه العلامة أن الرب اختاره، وكانت رسامته سنة 830 م. أزمات ومشاكل وضيقات:
امتلأ تاريخ هذا البابا بالأزمات. ففي أيامه ثار البشموريون وكان ذلك في خلافة المأمون العباسي. وقد تعرض البابا يوساب للموت بضرب عنقه بالسيف بواسطة أخو الأفشين قائد الجيش بوشاية أسقفيّ تانيس ومصر. وفي أيامه أصدر المعتصم الخليفة العباسي أمرًا إلى واليه على مصر بتجريد الكنائس من زينتها ونزع الأعمدة الرخامية منها، ومن الكنائس التي خضعت لهذا الأمر كنيسة مارمينا بمريوط على يد لعازر النسطوري.
طلب الشعب إبعاد أسقفيّ تانيس ومصر، وانتهى الأمر بقطعهما من الكهنوت بقرار مجمعي. وقام البابا برسامة أسقفين بدلهما، كما رسم أساقفة كثيرين أوفدهم إلى أنحاء الكرازة المرقسية في أفريقيا والخمس مدن الغربية ومصر وأثيوبيا والنوبة. وكان البابا يُعِد شبانًا من الأفريقيين ممن كانوا يهدونهم ملوك أثيوبيا والنوبة المسيحيين ليكونوا بمثابة إرساليات للكرازة في بلاد أثيوبيا وغيرها من البلاد الأفريقية، وفتح البابا لهؤلاء الشبان مدرسة لتعليمهم قواعد الدين المسيحي في البطريركية، لكن أسقف مصر المقطوع من الكهنوت وشى إلى قاضي مصر أن هؤلاء الشبان مسلمون، فما كان من القاضي إلا أن أرسل وأحضر هؤلاء الشبان كما استدعى البطريرك وعنفه قائلًا: "لا ينبغي أن تخطف أبناء المسلمين لتنصرهم". فأجابه البابا: "هؤلاء نصارى أولاد نصارى أُرسِلوا إليَّ من ملكيّ النوبة وأثيوبيا"، فأتى القاضي بالشبان أمام البطريرك، ونظرًا لعظم تهديد القاضي لهم اعترفوا بالإسلام أمامه، وانتهى الأمر بأن صار هؤلاء الشبان عبيدًا واقتسمهم أعيان المسلمين.ولما أكمل سعيه الحسن أراد الله أن يريحه من أتعاب هذا العالم الفاني فنقله إليه، وكانت نياحته في يوم أحد من سنة 849 م. وقت تناول الأسرار المقدسة.