رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قرار الإمبراطور واعتقال كيرلس وممنون ونسطور وحزن مجمع أفسس وحَّد الإمبراطور الاقتراحين الأول والثاني، فأكد عزل كل من نسطور وكيرلس وممنون، وفي نفس الوقت أرسل يوحنا وهو أحد كبار رجال الدولة الرسميين (أمين خزانة الدولة) إلى أفسس، لنشر الحكم ولتوحيد الأساقفة المفترقين. تم توجيه المرسوم الذي أعلن فيه هذا القرار(1) إلى جميع رؤساء الأساقفة والأساقفة البارزين الذين كانوا قد استلموا دعاوى خاصة إلى مجمع أفسس... لا يجب أن نتعجب من أن الإمبراطور قد نطق بالحكم بعزل القديس كيرلس، لأنه هو نفسه كان عديم البصيرة والفهم اللازم للمسائل اللاهوتية، وإلا لما كان قد وضع نسطور تحت ظل حمايته في أول الأمر، ثم في فترة لاحقة، أوطاخي المضاد له. أما الأنطاكيون، وحتى المحافظين منهم وذوى المكانة الرفيعة مثل ثيؤدوريت أسقف قورش، فقد عملوا كل ما بوسعهم لاتهام عقيدة كيرلس بالأبولينارية، وتصرفاته بالظلم والانفعالية. فقالوا: "مثل خاله ثيؤفيلوس الذي اضطهد القديس يوحنا ذهبي الفم بسبب بُغضه الشخصي، هكذا يفعل كيرلس ضد نسطور. فهو يختمه بسمة الهرطقة من أجل أن يحطمه"(2). وسادت مثل هذه الاتهامات، إلى حد ما، حتى بين لاهوتيي الأرثوذكس، كما نرى من رسائل الأب القديس ايسذوروس Isidore أسقف بلوسيوم Pelusium (بجوار الإسكندرية) إلى القديس كيرلس(3)، حيث يذكر بوضوح أن هذه الشكاوى نشأت عن الجانب الأنطاكي في أفسس(4). فلا عجب إذا كان الإمبراطور ثيئودوسيوس الثاني الذي لم يتمتع بعقلية جبارة قد اقتيد إلى الخطأ، خاصة وأن مبعوثه كانديديان، كان متفقًا تمامًا مع الأنطاكيين. ومع ذلك فإن مرسومه كان له جانب أكثر شمولًا يستحق الاهتمام. فبعد الطريقة الدبلوماسية الماكرة، تم تجاهل الوضع الحقيقي للأمور، ألا وهو الوجود الفعلي لمجمعين متعارضين في أفسس. فقد عرض الأمر بطريقة توحي بأن جميع الأساقفة الموجودين في أفسس متحدون في مجمع واحد، وقد عزلوا نسطور من جانب ومن جانب آخر عزلوا كيرلس وممنون، كما لو كانوا متفقين على الإيمان الأرثوذكسي، حتى أنه لا يوجد شيء آخر ينبغي عمله، إلا تهدئة العداوة القليلة التي لا زالت قائمة، ثم يفترقوا بعد ذلك في سلام. ومن أجل بلوغ هذا السلام، قام الإمبراطور بنفسه بحث المجمع على ذلك، كما أرسل في الوقت نفسه رسالة إلى المجمع بنفس الغرض، من الأسقف أكاكيوس أسقف بيرويا Beroea (حاليًا حلب) في سوريا، البالغ من العمر أكثر من مائة سنة، وهو رجل له مكانته الرفيعة، وحيث إنه لم يتمكن من الحضور شخصيًا، ولكنه أراد أن يرسل مشورته ورأيه. اتجه المبعوث الجديد يوحنا إلى أفسس بهذه الرسالة من الإمبراطور، وتلك التي من الأسقف أكاكيوس وقد وصل هناك في أوائل شهر أغسطس(5). كما تتفق جميع الآراء. وقد كانت هناك مخاوف عظمى من أن قضية الأرثوذكسية في خطر، ولكن كيرلس سعى إلى إخماد هذه الفكرة بواسطة عظة ألقاها، غالبًا أمام أساقفة المجمع، فيها أشار إلى أن الاضطهادات والمضايقات دائمًا تساهم في خير (صالح) الأبرار(6)(7). وفى نهاية هذه العظة، كتبت ملاحظة بأنه ألقاها قبل القبض عليه، الذي تم بأمر المبعوث الجديد الكونت يوحنا، الذي أبلغ الإمبراطور بخصوص إجراءاته في أفسس قائلًا: "إنه بعد وصوله إلى أفسس مباشرة، قام بتحية الأساقفة الذين قابلهم من الطرفين، وأعلن لهم وللغائبين أيضًا، (لم يحضر كلا من كيرلس وممنون بصفة خاصة)، بأنهم ينبغي أن يجتمعوا جميعًا معًا في اليوم التالي في مقر إقامته. وفى نفس الوقت قرر الترتيب الذي ينبغي أن يدخلوا به، حتى لا تحدث صراعات في اجتماع الطرفين معًا. وقد حضر نسطور ويوحنا الأنطاكي في الصباح باكرًا جدًا، في الفجر، وبعد مضى بعض الوقت حضر كيرلس والأساقفة الآخرون، ممنون فقط هو الذي لم يحضر. وقد طالب أتباع كيرلس مباشرة باستبعاد نسطور لأنه معزول بالفعل، ولذلك لا ينبغي أن تتم قراءة رسالة الإمبراطور المقدسة في حضوره هو والشرقيين (الأنطاكيين). وفى نفس الوقت طالب الأنطاكيون بنفس الشيء بالنسبة لكيرلس وممنون، اللذين تم عزلهما أيضًا، وحدثت مناقشة طويلة وعنيفة بخصوص هذا الأمر. وبعد انقضاء جزء كبير من اليوم على هذا الحال، نجح الكونت بواسطة الإقناع تارة وبالضغط تارة أخرى، كما أقر هو نفسه بوضوح، بالرغم من معارضة طرف كيرلس، في قراءة الرسالة الإمبراطورية، دون حضور كيرلس ونسطور، والرسالة لم تكن في الواقع موجهة إليهما. وهكذا تم إعلان عزل كيرلس ونسطور وممنون، ووافق الأنطاكيون على ذلك، وصدقوا عليه، بينما أعلن الآخرون أن عزل كيرلس وممنون غير شرعي. ومن أجل منع حدوث إثارة أكبر، تعهد الكونت كانديديان بالتحفظ على نسطور (وقد كان مسجونًا في ذلك الوقت)، وسلم كيرلس إلى يد الكونت يعقوب Jacobus، كما أرسل ضباط مع كبير شمامسة أفسس، إلى ممنون الغائب، ليعلنوا له أمر عزله. بعد ذلك توجه يوحنا إلى الكنيسة ليصلى، وعندما علم بأن ممنون ما زال في مقر الإيبارشية، استدعاه فورًا للمثول أمامه. وردًا على مساءلته عن سبب عدم حضوره في الصباح، قدم ممنون عذرًا غير كافٍ، حتى أنه بعد ذلك مباشرة وبموافقته، ذهب إلى مقر الكونت، وهناك تم اعتقاله وتسليمه إلى يعقوب. وأخيرًا بذل يوحنا جهودًا مضنية لحض الأساقفة على السلام والاتحاد، وظل يعمل ذلك ثم يخبر الأباطرة بكل شيء له أهمية يجب أن يتم(8). من رسالتين موجهتين بنبرة النصرة من الأنطاكيين إلى أتباعهم نعلم أنه قد تم فصل كيرلس وممنون عن بعضهما البعض في حبس مشدد، وأنهما كانا مراقبين بواسطة كثير من الجنود(9). ومع ذلك، فقد ناشد المجمع الأرثوذكسي في رسالة واضحة إلى الأباطرة (في الشرق والغرب) معلنًا أن المرسوم الصادر من الكونت يوحنا قد تسبب في اضطراب عميق، وبرهن على أن خيانة وزيفًا قد أضلت آذان الأباطرة، اللذين كانا سابقًا محبين جدًا للحق. فقد عرض الأمر في المرسوم الإمبراطوري كما لو كان المجمع نفسه هو الذي نطق بالحكم بعزل كيرلس وممنون، ولكن لم يكن المجمع المسكوني، الذي كان متحدًا مع الكرسي الروماني والرسولي ومع كل الغرب وكل أفريقيا والليركوم Illyricum هو الذي فعل ذلك، ولكن على النقيض، فالكل معجب بهذين الأسقفين بسبب غيرتهما على الإيمان الأرثوذكسي، ويؤمنون أنهما أمام الناس وأمام السيد المسيح، مستحقان لأكاليل كريمة. أما نسطور، فهو فقط المنادى بالهرطقة الجديدة الخاصة بعبادة الإنسان، وهو الذي عزله المجمع، وأنهم قد أعلموا الأباطرة بذلك من قبل. علاوة على ذلك، فقد تألموا كثيرًا– وهذا أيضًا يمكن تفسير حدوثه فقط أنه كان نتيجة لخداع– أن يوحنا الأنطاكي وأتباعه، وأيضًا الكيلستيين Coelestians (البيلاجيين)، بالرغم من أنهم مدانون بواسطة المجمع المسكوني، قد حسبوا ضمن أساقفة المجمع، وأن المرسوم الإمبراطوري Sacra كان موجهًا إليهم، مثلهم في ذلك مثل باقي أساقفة المجمع. ثم تم عمل تقرير مختصر عن مسلك الأنطاكيين، وتاريخ انفصالهم عن المجمع، مع ملاحظة أنه لا يمكن قبولهم في شركة الكنيسة، لأنهم لم يوقعوا على عزل نسطور، بل اتفقوا معه بكل وضوح، وأيضًا بسبب وقاحتهم تجاه رؤساء المجمع (من خلال حكمهم ضد كيرلس وممنون)، فإنهم بذلك انتهكوا القوانين، كما أنهم تجرأوا وكذبوا وضللوا الأباطرة. لذلك تضرع المجمع أن يعيد الأباطرة كل من كيرلس وممنون، ويعملا (إمبراطور الشرق وإمبراطور الغرب) على الحفاظ على الإيمان بثبات، هذا الإيمان الموروث عن آبائهما، والذي كان منقوشًا في قلبيهما بالروح القدس، والمتضمن في بيانات المجمع الصادرة ضد نسطور. أما إذا كانا يريدان أن يعرفا ما حدث بين المجمع والأنطاكيين بدقة، فيمكنهما إرسال مبعوثين موثوق فيهم(10). والمعنى الخاص بالجملة الأخيرة سوف يقدم في نصه اليوناني كما هو، لأنه وفقًا لوجهة نظر تيلمونت Tillemont التي تستحق الالتفات تترجم: "إذا أراد الأباطرة أن يعرفوا ذلك بطريقة أكثر دقة، عليهم أن يأمروا المجمع المقدس بإرسال مبعوثين موثوق فيهم (إلى القسطنطينية)"$th agia sunodw epitrepein ekpemyai k.t.l%. وهذا الظن تؤيده الاعتبارات التالية: (أ) ليس إرسال مبعوث إمبراطوري جديد إلى أفسس، إنما إرسال مبعوثين من المجمع إلى القسطنطينية فقط هو الذي يمكن أن يكون مفيدًا، وبالتالي هو ما يرغب فيه المجمع (ب) لقد أقر الإمبراطور بالفعل إرسال مبعوثين من المجمع بعد ذلك (ج) وأن المجمع في رسالته اللاحقة، أكد بوضوح أن الأباطرة قد استجابا لمطالبهم وسمحا بإرسال مندوبين(11). بخصوص هذا الاقتراح الذي قدمه المجمع إلى الأباطرة، قام كيرلس بتوجيه رسالة من سجنه إلى الكهنة والشعب في القسطنطينية، وفيها يؤكد أن الكونت يوحنا (أو المرسوم الإمبراطوري) لم يقم بعرض القضية بطريقة صحيحة، فقد نسب عزل كيرلس وممنون إلى المجمع كذبًا. ولهذا السبب كان لزامًا عليهم أن يرسلوا تقريرًا جديدًا إلى الإمبراطور. لقد بذل المبعوث الإمبراطوري جهودًا مضنية من أجل أن يوحِّد بين المجمع وبين يوحنا الأنطاكي وأتباعه، لكن هذا لم يكن ممكنًا حتى يلغى الأنطاكيون قراراتهم غير القانونية، ويتقدموا إلى المجمع كمتوسلين petitioners ويحرِّموا عقيدة نسطور تحريريًا. وحتى يمكن الوصول إلى ذلك بطريقة أخرى، طلب الكونت من المجمع اعترافًا مكتوبًا بالإيمان، لكي يجعل الأنطاكيين يوقعون عليه، ثم يعلن: "لقد أعدت وحدة المنفصلين". لكن المجمع لم يوافق على ذلك، وقالوا إنهم موجودون في هذا المكان لا ليعطوا تقريرًا بخصوص إيمانهم، إنما ليعززوا الإيمان المتأرجح، وأن الإمبراطور لا يحتاج أن يتعلم إيمانهم الآن لأول مرة، لأنه معروف لديه منذ معموديته. وأضاف كيرلس أن الأنطاكيين لا يتفقون مع بعضهم البعض فيما إذا كانت مريم تلقب "والدة الإله" أم لا، فالبعض منهم يفضلون أن تقطع أياديهم على أن يقروا هذا التعبير. وقد عرَّف كل ذلك للقسطنطينيين، وخصوصًا رؤساء الأديرة، حتى لا يتمكن الكونت يوحنا عند رجوعه، من أن يحمل معلومات زائفة، يضلل الناس بها. فينبغي أن يستمر القسطنطينيون أيضًا في بذل الجهود لصالح المجمع، لأنه كان هناك بعض الأساقفة في أفسس، هو لا يعرفهم شخصيًا، لكنهم كانوا مستعدين أن يذهبوا معه إلى المنفى أو حتى إلى الموت. وقد كان هو نفسه مراقبًا بواسطة جنود كانوا ينامون أمام بابه، وكان كل المجمع في حالة إنهاك شديد، وقد توفى عدد من أعضائه، وآخرون كانوا في حالة فقر شديد حتى أنهم اضطروا لبيع ممتلكاتهم ليحصلوا بمشقة على ما هو ضروري للبقاء(12). تم توجيه رسالة أخرى بواسطة أعضاء مجمع أفسس إلى الأساقفة والشعب الحاضر في القسطنطينية، يقولون فيها أن أفسس تشبه سجن، تم حبسهم فيه لمدة ثلاثة أشهر (إذن لابد أن تكون الرسالة قد كُتبت في نهاية شهر أغسطس أو بداية شهر سبتمبر)، حتى أنهم لم يتمكنوا من إرسال رسول بالبر أو بالبحر إلى البلاط أو إلى أي مكان آخر، وكلما غامروا بذلك، يتعرض حاملو الرسائل أنفسهم إلى مخاطر لا تحصى على حياتهم، لذلك كانوا مضطرين إلى إخفاء أنفسهم بأنواع كثيرة من التنكر. والسبب في هذه الرقابة الصارمة نشأ نتيجة للتقارير الزائفة التي تم إرسالها من الجهات المختلفة إلى الأباطرة. فالبعض يتهمونهم (أساقفة المجمع) بأنهم سبب الانقسام، وآخرون يقولون أن المجمع نفسه هو الذي عزل كيرلس وممنون، وآخرون قد يؤكدون أن المجمع كان مستعدًا أن يصل إلى اتحاد ودي مع المجمع الزائف المنشق الخاص بالأنطاكيين. ومن أجل منع كشف هذه الأكاذيب، كان المجمع مُراقبًا بشدة، واستمرت الحرب بعنف ضده. فيجب على كهنة القسطنطينية إذن أن يطرحوا أنفسهم تحت أقدام الإمبراطور ويعرفوه بكل شيء. باقي محتويات الرسالة الأخرى تحوى المادة التي كان على القسطنطينيين أن يوصلوها للإمبراطور: أن المجمع لم يقم أبدًا بعزل كيرلس وممنون، ولكنه يوقر كليهما بأعلى درجات التكريم، ولن ينفصل أبدًا عن الشركة معهما، ومن ناحية أخرى، فإنه لن تكون له شركة مع المجمع الأنطاكي المنشق، لنفس الأسباب التي حددها المجمع بالفعل في رسالته إلى الإمبراطور، والتي يكررونها الآن، لأنهم في حالة الحصار هذه التي هم معرضون لها، لابد أن يشكّوا فيما إذا كانت الرسالة قد وصلت إلى الإمبراطور أم لا. وفي الختام، التمس المجمع من كهنة القسطنطينية التوسل إلى الإمبراطور باسم كل أعضاء المجمع، من أجل إعادة كيرلس وممنون، وتحرير أساقفة المجمع من سجنهم، وأن يعطوا الإذن إما أن يعودوا إلى أوطانهم أو أن يمثلوا أمامه، حتى لا يفنوا جميعهم بالمرض أو بالأسى. ومن أجل أن تكون الرسالة أكثر إيجازًا لم يوقِّع عليها جميع أساقفة المجمع إنما الرؤساء فقط -إن كان كيرلس وممنون أو جوفينال ومطران آخر- هذا أمر غير مؤكد. وقد أضيف في ملحق(13): "إننا نُذبح هنا من الحرارة، ويُدفن شخص كل يوم تقريبًا. جميع خدامنا أنهكوا ولا بُد من رجوعهم إلى بيوتهم. اذهبوا إذًا إلى الإمبراطور واعرضوا عليه أسى المجمع. وأخيرًا تأكدوا أنه مهما كان الاستخفاف بموتنا، فمن جهة السيد المسيح لن يحدث أي شيء غير ما قد قررناه"(14). يبدو أن هذه الرسالة قاطعت تلك التي أرسلها الأساقفة الحاضرون في القسطنطينية إلى المجمع بتاريخ 13 أغسطس. وقد عبروا فيها عن تعاطفهم الحي مع أحزان أعضاء المجمع، وأكدوا لهم أنهم يشعرون بالالتزام بالحضور شخصيًا إلى أفسس، ولكن الطريق بالبحر والبر مغلق أمامهم. ومع ذلك فإنهم يعملون من أجل المجمع في القسطنطينية، ويشعلون حماس الكثيرين، ويقودون عقول الناس إلى الانحياز له. ولذلك طلبوا من المجمع أن يعرفهم ما الذي يجب عليهم عمله، وعما إذا كان ينبغي عليهم الحضور إلى أفسس من أجل مشاركتهم في صراعهم وآلامهم(15). أما أسماء هؤلاء الأساقفة فقد تم التعرف عليها من الرد الذي أرسله المجمع إليهم، وهم أفلاليوس Eulalius، أفريخيوس Eurechius، وأكاكيوس Acacius، وكريسافيوس Chrysaphius، وارميا Jeremias، وثيئودول Theodule، وإشعياء Isaia. وقد عرَّفهم أعضاء المجمع بفرحتهم الشديدة لهذا التعاطف، وعرفوهم مرة أخرى بتقدم الأحداث وبأحوالهم الخاصة، وطلبوا من الأساقفة أن يبقوا في القسطنطينية، حتى يُعرِّفوا الإمبراطور بحالة المجمع من ناحية، ومن ناحية أخرى أن يعرفوا المجمع بما يحدث في القسطنطينية. ولأنه كانت هناك مخاوف من أن الأساقفة لم يخبروا بالرسائل السابقة، لذلك أرفقت نسخ منها، وفي نفس الوقت أرفق تقرير آخر موجه إلى الإمبراطور. والآن يستطيع الأساقفة، في حالة ما إذا كان الأباطرة قد استلما التقرير السابق، أن يذكِّروهما به، وإن لم يكن فسوف يعرف الأباطرة من الأساقفة ما أخفى عنهما بالخداع(16). في هذه الرسالة الثانية ترجى أعضاء المجمع بلجاجة أن يتحرروا أخيرًا من أحزانهم، وأن يعاد إليهم رؤساؤهم كيرلس وممنون، وقد عززوا مناشدتهم هذه بسرد قصير ومُفصَّل عن الطريقة والأسلوب التي بها انفصل الأنطاكيون عن باقي الأساقفة، وكيف اتحد الذين لهم الآراء النسطورية مع يوحنا الأنطاكي. وفي نفس الوقت، قرب نهاية الخطاب، كانت هناك ملاحظة حقيقية: إنه إذا أكد الأباطرة عزل نسطور كما حدث بالفعل، سوف يكون ذلك بالتأكيد متضاربًا وغير منسجم مع موافقتهم على ما يفعله أصدقاء نسطور، من أجل الانتقام له. وقد وقَّع على هذه الرسالة جوفينال أسقف أورشليم، الذي كان هو رئيس المجمع منذ أن تم حبس كيرلس(17). آخر وثيقة تم إرسالها من جانب الأرثوذكس في أفسس هي رسالة قصيرة من كيرلس إلى الأساقفة الثلاثة ثيئوبمبتوس Theopemptus، وبوتامون Potamon، ودانيال الذين أرسلهم المجمع في مرحلة سابقة، إلى القسطنطينية. في هذه الرسالة يقول إن عددًا من التهم الزائفة قد وُجهت إليه، بأنه قد أحضر معه خدامًا ونساءً من الأديرة، وبأن نسطور قد تم عزله فقط بواسطة خداعه (كيرلس)، وليس بإرادة المجمع. ولكن السبح لله فقد تبين للكونت يوحنا زيف هذه الاتهامات، وأدان الذين اتهموه بها. وبالإضافة إلى ذلك، وكنتيجة للمرسوم الإمبراطوري Sacra، كان لا يزال معتقلًا ولا يعرف إلى أي شيء يقوده هذا، ولكن كان ينبغي عليه أن يشكر الله لأنه استحق أن يُوضع في سلاسل من أجل اسمه(18). أما أعضاء المجمع فمن جانبهم لم يسمحوا لأنفسهم بأي حال من الأحوال أن يضلوا بأن تكون لهم شركة مع الأنطاكيين، وأعلنوا أنهم لن يفعلوا ذلك حتى يسحب هؤلاء قراراتهم الوقحة ضد رؤساء المجمع، ويعترفوا بالإيمان الصحيح، لأنهم كانوا ما زالوا نساطرة وكانت هذه هي نقطة التحول في المناقشة كلها(19). وفى نفس الوقت، أرسل كهنة القسطنطينية مذكرة إلى الإمبراطور ثيئودوسيوس الصغير بالنيابة عن مجمع أفسس موجهة إليه وإلى زميله في الإمبراطورية، وقد وضعوا في بدايتها قبل كل شيء القول أنه يجب أن يطاع الله أكثر من الحكام، ولذلك فقد صار من الواجب أن تقال كلمة صريحة. ثم أعلنوا أن عزل كل من كيرلس وممنون بواسطة الأنطاكيين ليس شرعيًا بالكلية، وأنهم يلتمسون من الأباطرة إعادة الأسقفين المستحقين وتأييد القوانين التي صاغتها الأغلبية في أفسس (مقابل الأنطاكيين). فإن كان كيرلس قائد kaqhghth.j (كاثيجيتيس) المجمع عليه أن يتحمل أي شيء ضد ما هو حق، فإن هذا يؤثر على كل المجمع الذي اتفق معه، وينبغي معاقبة كل الأساقفة بنفس الطريقة التي عوقب بها كل من كيرلس وممنون. لكن الأباطرة محبي الله يجب أن يفكروا في أن الكنيسة التي أعزوها كالمربية لا يجب أن تتمزق، وأن قرن الاستشهاد لا يجب أن يتجدد(20). إلى هذه الحقبة أيضًا ينتمي خطاب دلماتيوس Dalmatius القصير الموجه إلى المجمع (والذي سبق ذكره)، حيث يعلن استلامه للخطابات التي وجهت إليه، ويعبر عن أسفه بخصوص وفاة بعض أعضاء المجمع، ويؤكد لهم أنه كما كان (في الماضي) وإلى الآن فهو يتمم رغبات المجمع(21). كما تم إرسال خطاب آخر من أليبيوس Alypuis أحد كهنة كنيسة الرسل في القسطنطينية إلى كيرلس، فيه يهنئه على آلامه ويقارنه بأثناسيوس(22). أما كيرلس نفسه فقد طوع وقت الفراغ الذي فرضه عليه الحبس في صياغة شرح أوضح لحروماته الاثني عشر التي كثيرًا ما هوجمت |
|