|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وبَينَما هُما يَتَكَلَّمان إِذا بِه يقومُ بَينَهم ويَقولُ لَهم: السَّلامُ علَيكُم!، تشير عبارة "يقومُ بَينَهم" في الأصل اليوناني ἔστη ἐν μέσῳ (معناها وقف في وسطهم) إلى الظُّهور المسيح الخامس لتلاميذه بغتة، بعد لقائه مع تلميذيّ عِمَّاوُس. وقال يوحنا الإنجيلي أنَّ الأبواب كانت مغلقة في يوم قيامته (يوحنا 20: 19). فقد تراءى أولاً لمريم المِجْدليَّة (يوحنا 20: 11-18) وثانيا لبقيَّة النِّساء وهنَّ راجعات من القبر (متى 28: 9-10)؛ وثالثا لبطرس (لوقا 24: 34) ثم لتلميذي عِمَّاوُس (لوقا 24: 13؛ وخامسًا للتلاميذ كلهم مجتمعين كما ورد في هذه الآية. وهذا الظُّهور يُعد اهم ظهورات المسيح، حيث تمَّ ذكره أيضًا في إنجيل يوحنا (20: 19-23). وكان مراد المسيح القائم أقناع تلاميذه أنَّ جَسَده بعد القيامة بقي، كما هو ولم يكن شبحًا أو خيالاً أو طيفًا، حيث لمسه التَّلاميذ بأيديهم، وأكل ومعهم سمكًا مشويًا. ومن جهة أخرى، لم يكن جَسَد يسوع مجرد َجَسَد بشري كجَسَد لعازر بعد قيامته من الموت (يوحنا 1)، إنَّما كان جَسَدا حقيقيًا مثلما كان قب موته، لكنَّه الآن ممجدًا وخالدًا. فالرَّبّ يسوع كان قادرًا على الظُّهور والاختفاء؛ وسننال نحن مثل هذا الجَسَد عند قيامة الأموات، كما جاء في تعليم بولس الرَّسول "هذا شَأنُ قِيامَةِ الأَموات. يَكونُ زَرْعُ الجِسْمِ بِفَساد والقِيامةُ بِغَيرِ فَساد" (1 قورنتس 15: 42-50) ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم بقوله "جاء ذاك الذي كان مُشتهى جدًا، معلنًا ذاته لطالبيه ومنتظريه، لا بطريقة يمكن أن يُشك فيها، وإنَّما حّل بشهادة واضحة". وأمَّا عبارة "السَّلامُ علَيكم!" في الأصل اليوناني Εἰρήνη ὑμῖν (معناها سلام لكم) فتشير إلى امنيه سلام للتلاميذ. فيسوع لا يَعد السّلام بل يُعطيه. إنَّه سلام الانتصار على الخطيئة والموت، على الظُّلم والحقد والبُغض والعُنف. فالسّلام هنا هو "أول ثمرة من ثمار الصَّليب" (القديس يوحنا الذهبي الفم) وهو "السّلام الحقيقي وتحيَّة الخلاص" (القديس أوغسطينوس). سلام المسيح تحيَّة يوجِّهها السّيد المسيح لتلاميذه عند ظهوره لهم، كما سبق أن علم تلاميذه قائلًا " أَيَّ بَيتٍ دَخَلتُم، فقولوا أَوَّلًا: السَّلامُ على هذا البَيت" (لوقا 10: 5). سلامٌ يدلُّ على التَّحيَّة التي اعتاد التَّلاميذ أن يسمعوها من المسيح فعرفوه بها وتَحقَّقوا من محبته لهم وغفرانه لهم على تركهم إياه، وإنَّه سلام ينزع الخوف والشَّك. ويُعلق القديس غريغوريوس النِّيزينزي " قدَّم يسوع لتلاميذه "سلامه" الفائق، لا كعطيَّة خارجيَّة، إنَّما هبه تمس الأعماق في الداخل"؛ وبهذا حقَّق ما وعدهم به في ليلة آلامه " السَّلامَ أَستَودِعُكُم وسَلامي أُعْطيكم. لا أُعْطي أَنا كما يُعْطي العَالَم. فلا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم ولا تَفْزَعْ " (يوحنا 14: 17). تحيَّة سلام يسوع هي بركةٌ غير عاديَّة تحمل في طيّاتها قوة لطرد الخوف؛ وهي تحيَّة سلام للذين يحتاجون إليها بعد خوف يوم الجمعة العظيمة. وهذا السّلام مرتبطٌ بشخص يسوع، ويدلُّ على الخلاص الذي يمنحه يسوع لتلاميذه، فلا مكان بعد ذلك للاضطراب والخوف، بل هذا السّلام يُبدِّد كلَّ اضطراب أحدثه رحيله عنهم، كما قال لهم يسوع "لا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم. إنَّكم تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أَيضًا" (يوحنا 14: 1)، إنَّه سلام داخلي مع الله، ومع الإنسان نفسه ومع إخوته، وهو ثمر القيامة، وهو عطيَّة مجانيَّة، وهو إتمام وعود يسوع في كلامه الأخير "سَلامي أُعْطيكم" (يوحنا 14: 27). هذا السّلام يختلف عن أي سلام أرضي يتفاوض عليه البشر، هو السّلام الذي نرجوه عندما نُرنِّم "المجد لله في العلى وعلى الأرض السّلام ". قد عَّرفَ بولس الرَّسول هذا السّلام بقوله: "سلامَ اللهِ الَّذي يَفوقُ كُلَّ إِدراكٍ يَحفَظُ قُلوبَكم وأَذْهانَكم في المسيحِ يسوع" (فيلبي4 :7). "وقَد حَقَّقَ السَّلامَ بِدَمِ صَليبِه" (قولسي 1 :20)، وبكلمة موجزة "فإِنَّه سَلامُنا، فقَد جَعَلَ مِنَ الجَماعتَينِ جَماعةً واحِدة وهَدَمَ في جَسَدِه الحاجِزَ الَّذي يَفصِلُ بَينَهما، أَيِ العَداوة" (أفسس 2 :14). |
|