|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يروي لنا لوقا الانجيلي مَثل الابن الشاطر الذي يقرر مغادرة بيت العائلة. وليس فقط يغادر ولكنه يأخذ النصيب العائد اليه من المال. والذي يرمز الى خلع سلطان ابيه. ( يؤخَذُ الميراث عادةً عند الموت. هنا، يطلب الابن "نصيبه" في حياة أبيه، كأنه يريد أن يقول له: مــُتْ لكي أَرِثَكَ. ألا يُشبه هذا الابن آدم الذي أراد أن يقطــع صلته بالله؟!..) الــله لم يمت، ولكنَّ آدم هو الذي ألغاه من حياته، أماته.. الخطيئة هي أن نُلغي الله، أن نميته من حياتنا بعد أن نأخذ منه...! يقول نيتشه: يجب أن يموت الله لكي يحيا الإنسان.. وكأن الإنسان والله في صراع حول الوجود. نكتشف من خلال هذه القصة وجه الله الأب الحنون. الأب الذي ينتظر ويترقب عودة ابنه المبتعد عن بيته. لم يخلق الله الإنسانَ إلا لكي يمنحه ما له، ما عنده، ما هو. لكي يعيش معه في البيت المشترك بينهما. هذا هو معنى أنه خلق الإنسان على صورته ومثاله وسيَّده على الخليقة بأسرها. مشكلة الإنسان هي رغبته في الاستقلال. ويا ليته يستطيع! مع ذلك كله ليس قصد لوقا ان يتبسط في نوع الخطايا التي ارتكبها الفتى. هاجسه ان يقول ان هذا الشاب عانى بعد انفاقه كل شيء من المجاعة الشديدة التي حلت بالبلد وانه شكا من العوز. همّ البشير ان يوحي ان الولد امسى في فراغ وقلق وفي خيبة من خياره. قارن بين الفاقة التي وقع فيها والخيرات التي كانت تتدفق عليه في البيت الوالدي. الاجراء انفسهم في هذا البيت ينعمون بما لذ وطاب. "اقوم وامضي الى ابي فأقول له: يا ابت اني خطئت الى السماء واليك، ولست اهلاً بعد ذلك لان ادعى لك ابناً، فاجعلني كأحد اجرائك". مرارة الخطيئة دفعت الوليد الى تذكر الفرح الذي تعطيه البنوة وكأنه قال في نفسه: انا كنت في الاحضان وكنت سيداً بالسيادة التي تأتي من البنوة. شهوتي التي رنوت اليها عند المغادرة هي اوحت الي ان ابوة ابي كانت سيفا مصلتا علي. ما كنت اعرف ان ابي يحبني. ظننت انه يؤثر على اخي الاكبر. احببت ان اقتل ابي. كل انسان يقتل اباه او من جعلته الظروف اباً له. لكن المهذبين لا يقتلون، يمرمرون. والآباء حكماء وشيوخ، يتحملون. ولا مانع ان يقاسوا كما جعلونا بسلطانهم علينا نقاسي. فهم الابن ان كل هذا الكلام هراء ومراهقة. نضج المراهق الآن بسبب ذنوبه. ليس ان الذنب يبدع التوبة ولكن اذا حصلت هذه بنعمة من فوق تأتي التوبة كبيرة. "فقام ومضى الى ابيه. وكان لم يزل بعيداً اذ رآه ابوه، فتحركت احشاؤه واسرع فألقى بنفسه على عنقه وقبلّه طويلاً". قال الانجيل "قام". هذا ليس سهلاً من بعد السقوط. هذا امر فيه شجاعة وفيه صدق. وبعدما قام مضى بلا تردد. ولكن كيف رآه ابوه ولم يزل بعيداً؟ الحب جعل الوالد كل يوم ينتظر عودة ابنه الشريد. هو لم يتصالح وهذا الابتعاد. "تحركت احشاؤه" لان هذا الولد جاء من الحشا ولا يزال فيه، تشرد ام لم يتشرد. والحب واحد للابن الضال والابن البار. الوالد ترك السطح الذي كان يفتش منه على الوليد. لم ينتظره ان يصل هرع اليه وضمه ولم يوبخه على فعلته. ولم يلمه على طيشه. كان عارفاً ان حياة جديدة تنتظر هذا الشاب في عودته. اعترف الابن بالخطأ. كان والده قد سامحه قبل الاعتراف. لم يفكر بكبريائه المجروحة. لم يرد لابنه الا ان يسر من جديد كما كان يسر قديماً. مكانه محفوظ. فراغ هذا المكان آلم الوالد. لذلك "قال الاب لخدمه: اسرعوا فأتوا بأفخر حلة وألبسوه، واجعلوا في اصبعه خاتماً وفي رجليه حذاء، واتوا بالعجل المسمن اذبحوه فنأكل ونتنعم". هي الفرحة الكبرى. والحلة حلة العرس. والخاتم خاتم الوثاق الابدي. ولن يكون الولد حافياً كالعبيد لانه ابن والابن لن يكون ابداً عبداً. والوليمة هي القبول الكامل لهذا الازعر المهتدي. ويكمل الاب حديثه الى الخدم ويزكي ما طلبه "لان ابني هذا كان ميتاً فعاش، وكان ضالاً فوُجد". التوبة رجوع لا الى قواعد بل الى وجه وان يعرف الانسان نفسه حبيب الله. الواضح طبعاً ان الاب الذي يتكلم عليه الانجيل هو الله من حيث هو اب. وتالياً هي معرفة اننا مولودون منه بالنعمة والحق واننا عائدون اليه ان اردنا ان نحيا. نحيا من علمنا انه يرانا فننوجد. ولهذا قال المفسرون، هذا ليس مثل الابن الشاطر ولكنه مثل الاب الحنون. الابن ينوجد من هذا الاب فقط. ما من شك ان في الرجوع جهداً. ولكنه قبل كل شيء اكتشاف ان الله، اباً، محب. الله لا يستطيع ان يخرج من ابوته. وكل محاولة منا للخروج على هذه الابوة في تأكيد الذات المستقلة سراب. الحرية ليست في الخروج عن هذا الآب. انها في الحرية فيه. "وتعرفون الحق والحق يحرركم". مشكلتنا مع شعورنا ان الوصية الالهية تكبل. ولن ننعتق من هذا الشعور الا اذا بدا لنا ان الوصية تنفعنا في العمق. وعلى قدر ما تمارس الوصايا تراها اطلالة حب الهي لتقومك. فبسبب من رعونتك وانحباسك في العداء لله والعداء متأصل فيك تحس الامر الالهي مزعجاً. ذلك انك تآلفت وخطيئتك ولم تألف حلاوة الرب. واذا نمت فيك هذه القدرة على ايلاف السيد تشعر ان الخروج على هذه الإلفة هو الذي يعذبك. القضية ان تروض النفس على تذوق الله بحيث يصبح ذوقك اياه هو مناخك الطبيعي لكي تمسي الخطيئة هي المزعجة. المبتغى - اذا سادك الحب - ان ترى في الخروج عليه الطامة الكبرى. عند ذاك تضحي كارهاً للخطيئة، عائشاً في صداقة الرب، ملتمساً كل ما يجدده فيك فترى بعينيه وتفهم بفكره حتى تشتهي ان تشاء كل حين ما يشاء. عندما نعترف إلى الله أبينا بأننا أخطأنا، يمنحنا الكاهن، كما منح الخدم الابن، الحلَّة الجديدة لنعيش حالة جديدة من العلاقة البنوية لله أبينا. ويدعونا إلى "إعادة الارتباط" بالله الأب ومشاركته حياته. وبالتالي نستعد معاً ومع جماعة الله الأب، إخوتنا، لننطلق في عهدٍ جديد ونحتفل في وليمة الملكوت المتجلية في الإفخارستيا.. إنه العيد الكبير. |
16 - 07 - 2014, 11:09 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الابن الشاطر و الاب الحنون
مشاركة جميلة جدا ربنا يبارك حياتك |
||||
|