رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يونان 1 - تفسير سفر يونان
إرسال الرب يونان إلى نينوى: "وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاى قائلاً. قُم إذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لأنه قد صعد شرهم أمامى" (يون1: 1). ** البداية دائماً من عند الله: الله ينظر ويلاحظ كُل الكائنات على الأرض، فهو ضابط الكُل، وهو: "الذى يُريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون" (1تى2: 4). وهو الذي: "مؤدباً بالوداعة المقاومين عسى أن يُعطيهم الله توبة لمعرفة الحق. فيستفيقوا مِن فخ إبليس إذ قد إقتنصهم لإرادته" (2تى2: 25، 26). ويقول: "أنا أرعى غنمى وأربضها يقول السيد الرب. وأطلب الضال وأسترد المطرود وأَجبر الكسير وأعصب الجريح وأُبيد السمين والقوى وأرعاها بعدل" (حز34: 15، 16). ** الخادم لا يتحرك مِن ذاته: لا بد أن تكون دعوة الخادم مِن الله، وليست من ذاته، أو تحت تأثير أي اندفاع أو تهور. فهكذا كانت إرسالية كُل الرسل والأنبياء، لا أحد يتحرك مِن نفسه. فقد نبًه الرب الرسل بعد قيامته قائلاً لهم: "وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا أورشليم بل ينتظروا موعد الآب الذي سمعتموه منى.... لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لى شهوداً في أورشليم وفى كُل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض" (أع1: 4، 8). وهكذا صار مع صموئيل النبي وناداه ثلاثة مرات، ثم قال صموئيل: "تكلم يا رب لأن عبدك سامع" (1صم3: 9). وهكذا عمل الرسل إذ: "وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس أفرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه. فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادى ثم أطلقوهما" (أع13: 2، 3). والرب دائماً يسأل: "مَنْ أُرسل ومَنْ يذهب مِن أجلنا" (أش6: 8). لأن: "الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون. فأطلبوا مِن رب الحصاد أن يُرسل فعلة إلى حصاده" (مت9: 37، 38). ** دعوة الأمم: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كُل منْ يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه لمْ يُرسل الله إبنه ليدين العالم بل ليُخلٍص العالم" (يو3: 16، 17). الله لا يُفرق بين إنسان وإنسان، بل يشتهى أن يؤمن الكل به فيخلصون. وقد وقع اليهود في الخطأ حينما تصوروا أنهم فقط شعب الله المختار، وأن الله يرفض الأمم. مع أن الذي حدث: "أن (المسيح) جاء إلى خاصته وخاصتهُ لم تقبله. أما الذين قبلوه فأعطاهم سُلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه" (يو1: 11، 12). وكما قال بولس الرسول: "لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. لأن كُلكم الذين إعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح. ليس يهودي ولا يونانى. ليس عبد ولا حُر. ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع. فإن كُنتم للمسيح فأنتم إذاً نسل إبراهيم وحسب الموعد ورثة" (غل3: 26- 29). هروب يونان وهياج البحر: "فقام يونان ليهرب إلى ترشيش مِن وجه الرب فنزل إلى يافا ووجد سفينة ذاهبة إلى ترشيش فدفع أجرتها ونزل فيها ليذهب معهم إلى ترشيش مِن وجه الرب. فأرسل الرب ريحاً شديدة إلى البحر فحدث نوء عظيم في البحر حتى كادت السفينة تنكسر. فخاف الملاحون وصرخوا كُل واحد إلى إلههِ وطرحوا الأمتعة التي في السفينة إلى البحر ليُخففوا عنهم. أما يونان فكان قد نزل إلى جوف السفينة وإضطجع ونام نوماً ثقيلاً. فجاء إليه رئيس النوتية وقال له ما بالك نائماً. قُم أصرخ إلى إلهك عسى أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك. وقال بعضهم لبعض هلم نُلقى قُرعاً لمعرفة بسبب منْ هذه البلية. فألقوا قرعاً فوقعت القرعة على يونان. فقالوا له أخبرنا بسبب منْ هذه المصيبة علينا. وما هو عملك ومِن أين أتيت. ما هي أرضك ومنْ أي شعب أنت. فقال لهم أنا عبرانى وأنا خائف مِن الرب إله السماء الذي صنع البحر والبر. فخاف الرجال خوفاً عظيماً وقالوا لهم لماذا فعلت هذا. فإن الرجال عرفوا أنه هارب مِن وجه الرب لأنه أخبرهم. فقالوا له ماذا نصنع بك ليسكُنَ البحر عنا. لأن البحر كان يزداد إضطراباً. فقال لهم خذونى وإطرحونى في البحر فيسكُن البحر عنكم لأننى عالم أنه بسببى هذا النوء العظيم عليكم. ولكن الرجال جدًفوا ليُرجعوا السفينة إلى البر فلم يستطيعوا لأن البحر كان يزداد إضطراباً عليهم. فصرخوا إلى الرب وقالوا آه يا رب لا نهلك مِن أجل هذا الرجل ولا تجعل علينا دماً بريئاً لأنك يا رب فعلت كما شئت. ثم أخذوا يونان وطرحوه في البحر فوقف البحر عنْ هيجانه. فخاف الرجال مِن الرب خوفاً عظيماً وذبحوا ذبيحة للرب ونذروا نذورا. وأما الرب فأعد حوتاً عظيماً ليبتلع يونان. فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلث ليالٍ" (يون1: 3- 17). لقد كانت العثرة أمام يونان في دعوة الرب له، أنه دعاه لكي يذهب إلى مدينة مِنْ الأمم، وهو يهودي، علاوة على أنه كان يعلم تاريخ هذه الأمة وملوكها وكيف سبًبوا من الآلام لبنى اليهود، وبحسه البشرى كان يتمنى لهم الهلاك، فكيف يذهب ليُنبههم. فلم يجد حلاً إلا أن يهرب مِن وجه الرب، واختار مكاناً بعيداً جداً عنْ وطنه (ترشيش)، ولعله فكر في نفسه أنه لنْ يرى الرب هناك، مع أنه لو كان تذكر كلمات داود النبي القائل: "أين أذهب مِن روحك ومِن وجهك أين أهرب. إن صعدت إلى السموات فأنت هناك. وإن فرشت في الهاوية فها أنت. إن أخذت جناحى الصبح وسكنت في أقاصى البحر فهناك أيضاً تهدينى يدُك وتُمسكنى يمينُك" (مز139: 7- 10). لكان قد عرف أن الله مالئ السموات والأرض.. ** هياج البحر: لكن الله يُريد خلاص يونان وخلاص نينوى أيضاً، ولذلك استخدم الطبيعة ليُحاصر يونان، ويحميه مِن خطأه، ويُساعده على تتميم الرسالة التي دعاه إليها. واستخدم الرب كُل ما هو جميل مِن صفات الملاحين، بالرغم مِن أنهم أناس غير يهود، إلا أنهم كانوا ذو ضمير صالح، إذ اتجه كُل واحد إلى إلهه يستنجد به، في الوقت الذي نزل فيه يونان إلى قاع السفينة ونام نوماً ثقيلاً. وكانوا أيضاً غير مُتعصبين، إذ تركوا كُل واحد يصرخ إلى إلهه، بل وأيقظوا يونان ليصرخ هو أيضاً إلى إلهه. وكانوا أيضاً ذو قلب حنون، إذ أنهم بعد أن عرفوا أن هياج البحر عليهم كان بسبب يونان، وأن يونان أعطاهم الحَل بأن يُلقوه في البحر لكي يهدأإلا أنهم رفضوا ذلك في البداية وجدًفوا كثيراً ليُرجعوا السفينة إلى البر ولم يستطيعوا، وبعد أنْ تأكدوا أنْ ليس أمامهم طريق سوى أن يُلقوا بيونان في البحر، صرخوا إلى الله لكي لا يجعل الله عليهم دماً بريئاً، إنهم مملؤون بمخافة الله حتى وهم غير مؤمنين به. فليتنا نتعلم منهم عدم التسرع بحلول سريعة غاضبة لكي نُنجى أنفسنا، وننسى أن هناك أطرافاً أخرى قد تتأذى مِن تصرفنا، ليتنا نطلب أولاً نجاتنا ونجاة منْ معنا في طريق الحياة ولا نتصرف بأنانية تجعلنا نخسر كُل شيء. ** حوت يونان: وما زال الرب يُحلٍق حول يونان لكي يُنجيه مِن نفسه، فأعد حوتاً عظيماً ليبتلع يونان. ** بين يونان النبي والسيد المسيح: "وكان يونان في بطن الحوت ثلثة أيام وثلث ليال". صار يونان بتمرده وهروبه مِن وجه الرب، آية للمؤمنين جميعاً، إذ قال السيد المسيح: "لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلثة أيام وثلاث ليالِ. هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلثة أيام وثلاث ليالِ. رجال نينوى سيقومون في الديًن مع هذا الجيل ويدينونه لأنهم تابوا بمناداة يونان. وهوذا أعظم مِن يونان ههُنا" (مت12: 40، 41). لقد أعلن السيد المسيح للجموع عنْ دفنه في القبر ثلاثة أيام وثلاث ليالِ. وكما خرج يونان من بطن الحوت حياً، هكذا قام السيد المسيح مِن بين الأموات بعد ثلاثة أيام. ** صوم يونان(1): يقع صوم يونان دائماً قبل بدء الصوم المقدس الكبير بأسبوعين. مدة هذا الصوم حسب طقس الكنيستين السريانية والقبطية هو ثلاثة أيام. أما الأرمن فيصومونه خمسة أيام، ولا تعرفه الكنيسة اليونانية. دخل هذا الصوم إلى الكنيسة القبطية في أيام البابا إبرام بن زرعة (976- 979م.) البطريرك الـ62، وذلك في القرن العاشر. وقد ورد في قطمارس الصوم الكبير katameooc هكذا: [... ومِن أمره (أي البابا إبريم) أنه لم يرغب في البداية أن يصوم أسبوع هرقل(2) الجاري مُمارسته عند الأقباط. ولكنه صامه في مُقابل كونه فرض على الشعب القبطي أن يصوموا ثلاثة أيام على اسم يونان النبي، ونظراً لتقواه قبل الأقباط ممارسة هذا الصوم بغير تردد. وتُشير المصادر السريانية أن هذا الصوم يرجع إلى ما قبل القرن الرابع الميلادي، ونستدل على ذلك مِن ميامر مار إفرام السرياني وأناشيده. وكان عدد هذا الصوم قديماً ستة أيام، أما الآن فهو ثلاثة أيام فقط. وقد أُهمل هذا الصوم عبر الأجيال. ويذكر مار ديونيسيوس بن الصليبي (1171 م.) أن ماروثا التكريتي (649 م.) هو الذي فرضه على كنيسة المشرق في منطقة نينوى أولاً. ويقول ابن العبري نقلاً عنْ الآخرين أن تثبيت هذا الصوم جرى بسبب شدة طرأت على الكنيسة في منطقة الحيرة (وباء خطير فتك بالأهالي) فصام أهلها ثلاثة أيام وثلاث ليال إتماماً لوصية أسقفهم (مار سوريشو مطران) الذي أراد تقليد أهل نينوى لعل الله يستجيب ويُخلصهم مِن الوبأ، وبالفعل نجاهم الله مِن تلك التجربة. ومِن ثم ظلْ هذا الصوم يتأرجح حيناً مِن الوقت، إلى أن وجدناه قد صار صوماً مُستقراً في الكنيسة في قوانين ابن العسال في القرن الثالث عشر، حيث يقول: [والأصوام الزائدة على ذلك المُستقرة في البيعة القبطية. منها ما يجرى مجرى الصوم الكبير في التأكيد وهى جمعة هرقل مقدمة الصوم الكبير، وصوم أهل نينوى ثلاثة أيام]. كما ذكر هذا الصوم أيضاً ابن كبر (1324 م.) كصوم مُستقر في الكنيسة. ولما جاء البابا غبريال الثامن (1587- 1603 م.) البطريرك 97، أمر بألا تُصام أيام نينوى الثلاثة، ولكنه لم يجد صدى لأمره مِن جهة الناس. _____ الحواشي والمراجع: (1) أثناسيوس المقاري، "الدرة الطقسية للكنيسة القبطية": صوم نينوى والصوم المقدس الكبير، دار مجلة مرقس 2009م. ص 19- 56. وأيضاً القمص كيرلس كيرلس،:أصوامنا بين الماضي والحاضر"، كنيسة مارجرجس بخماروية، سنة 1982 م.، ص 136. (2) جاء في كتاب قطمارس الصوم الكبير حسب طقس الكنيسة القبطية ما يلي: [والأصوام الزائدة المُستقرة في البيعة القبطية منها ما يجرى مجرى الصوم الكبير في التأكيد وهى جمعة هرقل التي صارت مُقدمة الصوم الكبير... وذلك أنه لما رجع هرقل ملك الروم على بيت المقدس فوجده خراباً وقد هدم اليهود الكنائس والقبر المقدس وغيرها وأحرقوا النصارى بالنار، وطلب منه أهل القدس قتل اليهود، اعتذر لأنه أعطاهم الأمان واليمين، أي أقسم لهم، أما الأمان فقد علمه كُل أحد منهم احتالوا عليك فيه، وأما اليمين فنحن وجميع النصارى بكُل الأقاليم نصوم عنك أسبوعاً في كُل سنة على ممر الأيام وإلى انقضاء الدهر...] وكتب البطاركة والأساقفة إلى جميع البلاد بصوم هذا الأسبوع الأول مِن الصوم الكبير. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
تفسير سفر يونان - المقدمة |
تفسير سفر حجي - المقدمة |
تفسير سفر يونان - المقدمة |
تفسير سفر التكوين - المقدمة |
تفسير سفر التكوين - المقدمة |