مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي -
- قام لنقوم..
«بقوَّة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الربِّ يسوع»
(أع 4: 33)
هكذا دوَّن لنا سفر الأعمال فحوى الرسالة الكرازيّة التي انطلقت من أروقة أورشليم اليهوديّة لتزلزل المسكونة كلّها. القيامة هي لُغة إيماننا المسيحي بل ومنطقه، فهي معنيّة بحياتنا وكرازتنا. فالعالم لم يكن ليؤمن بإله مصلوب دونما قيامة، إنّها برهان فاعليّة الصليب. من جهةٍ أخرى، بدون القيامة نفقد قيامتنا الذاتيّة من انطراح الموت وسقطة الفناء والفساد الذي ألمّ بنا جرَّاء الخطيئة. نحن لا نؤمن بقيامة المسيح كإعجاب وانبهار بحدثٍ بطولي أشبه بمشاهد الدراما الأسطوريّة التي ينتصر في نهايتها البطل؛ كما حدث مع رومولوس الذي أسَّس مدينة روما وملك عليها (مدينة الله للقديس أغسطينوس: مجلّد3، كتاب 22، 6) فضُمَّ إلى مجمع الآلهة الرومانيّة، ولا كديونيسيوس بن زفس الذي قيل إنّه صعد إلى السماء بعد أنْ قُطِّع إربًا إربًا (الدفاع الأوّل عن المسيحيين للقديس يوستينوس، 54). إيماننا بالقيامة هو تلامسنا مع القيامة. فنحن لسنا مشاهدو الحدث ولكننا أطرافه؛ فجسد المسيح القائم من القبر حُمِلَت فيه الطبيعة البشريّة جُملةً، ليقوم بها، بقوة لاهوته، مُقدِّمًا إياها للآب، كطبيعة قائمة. لذا، فإنّ احتفالنا بالقيامة هو في واقعه احتفال بنجاتنا من الفخ الذي نُصب ليتصيَّدنا للهاوية.
المسيح قام، هذه نصف الحقيقة؛ إنه قام، لنقوم فيه، هذا هو النصف الآخر. وانطلاقًا من قيامة المسيح تستمد توبتنا شعلتها على الدوام دونما توقُّف. إنْ لم يكن المسيح قد قام فباطلة توبتنا وباطل سعينا للتحرُّر. هنا يلتقي اللاّهوت بالحياة. فالرجاء المسيحي والممارسة النسكيّة والسرائريّة تُبنى على وعي لاهوتي بحدث القيامة، الذي لولاه لما أمكننا معاودة التواصل مع الآب بعد خطايانا وآثامنا. المسيح قائمٌ كقوَّة تدفع الخائر على طريق الحياة الجديدة وتهب الرجاء لطرحَى الخطيئة. المسيح قائمٌ بنورٍ لا يخبو، كما هو منذ دحرجة القبر، ليُشجِّعنا على دحرجة حجارة قبورنا الذاتيّة.
إنْ كان الموت هو الفعل المُحرِّر -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى- فإنّ القيامة هي الحركة الأولى نحو العالم الجديد، إنّها الانتقال من المعرفة الإيمانيّة إلى المشاهدة والمعاينة. وانطلاقًا من المشاهدة التي رصدها لنا الإنجيليون بُني الإيمان المسيحي. وكأننا أمام ثلاث مراحل؛ بدأَت بالمعرفة الإيمانيّة الاستباقيّة (النبويّة)، حتّى كانت القيامة، والتي منها انطلق الإيمان، لا كرؤية استباقيّة، ولكن كرؤية مُحقَّقة في الزمان الحاضر، كعربون لملكوت الله.
ولكن، الإيمان المُستنِد على ضوء القيامة كان ولا يزال مُضطَّهدًا مُتألِّمًا مرفوضًا ممّن تمركزوا حول الجسد الفاسد والفاني. ويكتب القديس أغسطينوس في مؤلَّفه “مدينة الله” (مجلّد3، كتاب 22، 7) حول العَلاقة بين الإيمان القيامي واضطهاده وبين انتشاره وقبوله، فيقول: “وهكذا، وبالرغم من الاضطهادات العنيفة والرهيبة، فقد أصبحت قيامة المسيح بالجسد ودخوله المجد الأبدي.. موضوعَ إيمانٍ عميق ورسالةً جريئةً وبذارًا كُتب له أنْ يُخصب ويُكثِّر، في كلّ الأرضِ، دم الشهداء؛ لأنّ ما حكَى عنه الأنبياء، في العهد القديم، شهدت له المعجزات، حتّى ظهرت الحقيقة عينها، مناقضة للعادة، أكثر ممّا هي مناقضة للعقل، فاعتنق الكون، بإيمانٍ، ما كان يضطهده، بغضبٍ”.