الأقباط في عصر السلاطين المماليك 1250–1587 م - مقدمة
انتهت الدولة الأيوبية بموت الملك الصالح أيوب، حيث قامت دولة المماليك البحرية منذ عام 1250 إلى عام 1381، ثم تلتها دولة المماليك البرجية (الشراكة) منذ عام 1381 حتى فتح العثمانيين لمصر في عام 1517.
وكان هؤلاء المماليك (ومفردها مملوك = رقيق أو عبد) عبيدًا بيضًا يُشْتَرون بالمال من تجار النخاسة في أسواق الرقيق، أو من أسرى الحرب، وممن يُخْتَطَفون من الأطفال أو الشباب بأساليب الخداع والاستيلاء من جلابة الرقيق أو من يبيعونهم أهلهم خشية الفقر والفاقة، وكان معظم الجلابة أو تجار الرقيق في تلك الفترة من الأقاليم الجبلية الكائنة في شمال وشرق أوربا الوسطى، وكانوا في معظمهم من أصل تركي، أبشع الناس آنئذ طباعًا وتعاملًا.
وهكذا كان المماليك لا ينتمون إلى جنس بعينه أو إلى أصل واحد، فمنهم الأتراك ومنهم من حول بحر القلزم أو من القوماز في آسيا الصغرى وبلاد (أرمينيا جورجيا وما جاورهم الآن) وكان منهم عدد قليل من أوكرانيا ومن فارس وبلاد ما وراء النهر (دجله).
وكانت مصر بحكم موقعها وضعف القوات فيها وكثرة خبراتها والأطماع فيها كل هذا دفع إلى تشجيع تجار الرقيق هؤلاء في التواجد فيها فراجت تجارتهم النكراء هذه وأصبحت (بورصة) للمضاربة على أثمان هؤلاء البشر التعساء، ومن ثم نشأ هؤلاء أمام كل هذه العوامل والاجتماعية في شكل بناء نفسي فاسد جعل منهم شخصيات لا يمكن الجزم بكنهها وإنما كانوا مجموعة من مرضى نفسيين، ألقت ظلها على التعامل بينهم وبين الشعوب التي حكموها وبخاصة من حالتهم في الدين الذي فرض عليهم (الإسلام) خاصة وأن منهم من كان يدرك أنه من أصل مسيحي.
ومن هذا النسيج النفسي المتباين لم يكن سهلًا على هؤلاء المماليك مشاركة الشعب المصري آماله ولغته العربية التي يجهلونها، والإسلام الذي ادخلوا عليه وانتموا إليه بسطحية وليس عن إيمان، بل كل ما كانوا يتدربون عليه هو الطاعة العمياء (لأستاذهم) أو قائدهم أو من اشتراهم وأطعمهم من جموع وأنهم من خلاف، يحملوا شخصية في شخصيتهم وطباعه بين طباعهم، وماتوا فداءه.
ولم يدخل الجلابة برقيقهم إلى مصر فجأة وإنما شجعهم الملوك الأيوبيون في أواخر عهدهم على الشراء منهم ليكونوا حرسًا لهم وجنودًا مخلصين في جيشهم.
فاشترى الصالح نجم الدين أيوب ألفًا منهم جندهم لخدمته، بل ورفع منهم الكثيرين فكانوا أمراء الدولة وصحابها (وزراءها) وظل عددهم يتكاثر شيئًا فشيئًا وقويت شوكتهم، وألّفوا جيشًا جرارًا عظيمًا هدد أمن الدولة المصرية في أواخر عهده، واستغل الصراع الدائم بين البيت الأيوبي، فشعر المماليك بكيانهم، وقبضوا على زمام الأمور في مصر، وأنهم أرقى من المصريين وأقوى من سادتهم الأيوبيين، واستطاعوا بذلك إنشاء دولتهم على حطام دولة بنى أيوب.
إلا أنهم إزاء تكوينهم هذا وأصولهم المختلفة ظلوا في صراع وتباين جعلهم ينفصلون إلى قسمين قسم سكن حول ضفاف النيل في منطقة جزيرة الروضة التي يحددها النيل وكان يسمى البحر الأعظم فسموا بالمماليك البحرية، والقسم الآخر تخص أبراج قلعة صلاح الدين بالجبل، فسُمّوا بـ"المماليك البرجية". ولشعورهم بأنهم حماة بنى أيوب فأحسوا بأنهم أعلى قدرًا من المصريين جميعًا، وظلوا منفصلين عنهم بشكل عام وتعالوا على الأقباط منهم على وجه الخصوص، على الرغم من أن بعضًا من هؤلاء المماليك قد تزوجوا من بنات المسيحيين الأقباط، إلا أنها لم تكن علاقة قوية بينهم، وظلوا محتفظين بشخصيتهم المتعالية وما تميزوا به من كبرياء ممقوت، أورثهم صراعًا حادًا وداميًا مع بعضهم البعض، وكانوا في صراعهم يتداخل معهم المصريون علهم يلقمونهم عظمة من أسلافهم. وللأسف كم اشتركوا معهم في اضطهاد الأقباط تحت دعوى رابطة الدين.