رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
“أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ وَتَعَبَكَ وَصَبْرَكَ، وَأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَحْتَمِلَ الأَشْرَارَ، وَقَدْ جَرَّبْتَ الْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ رُسُلٌ وَلَيْسُوا رُسُلاً، فَوَجَدْتَهُمْ كَاذِبِينَ.” (رؤ2: 2) +++تفسير ابن كاتب قيصر 11- (1) فاكتب إلى ملاك الكنيسة التي لأفسس هذا ما يقول الذي في يده اليمنى السبعة النجوم الماشي في وسط سبع المنائر الذهب (2) إنى عارف بأعمالك وتعبك وصبرك لأنه لا استطاعة لك أن تحمل الشر وصرت مجربا للذين يقال لهم رسل وليس هم شيئا ووجدتهم رسل كذب (3) وهناك لك صبر وحملت هذه من أجل اسمى ولم تتعب (4) لكن لي عليك أن المحبة في الأول تركتها خلفك (5) فاذكر كيف سقطت وتب لئلا آتي إليك وأزعزع منارتك من موضعها إذا لم تتب (6) ولكن هذا الذي لك أنك تبغض أعمال المشاغبين الذين أنا أبغضهم أيضا (7) من له أذنان أن يسمع فليسمع ما يقوله الروح للكنائس ومن يغلب أعطه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس إلهى. مدينة أفسس التي بها الكنيسة هي رأس الكرسي الذي بشر فيه يوحنا الرسول قبل انتقال الرئاسة منها إلى القسطنطينية في أيام قسطنطين الكبير . ويقصد بالنجوم رؤساء الكنائس ، والمنائر هي الكنائس . فكأن تقدير الخطاب لرئيس كنيسة أفسس تلميذه : هذا ما يقوله الذي في قبضته الرؤساء وتحت حكمه الكنائس . قوله : « أنا أعرف أعمالك وتعبك وصبرك» ، الأعمال يريد بها اجتهاده في العبادة والنسك والزهد . والتعب يريد به النصب(الاجتهاد، التعب) في العلم والدأب(السعي، الاستمرار) في التعليم وإيداعه أذهان شعبه ، والصبر يريد به احتمال أرباب البدع ، وهؤلاء قوم من اليهود ثاروا في أيام الرسل بكل مكان يدعون الرسالة ، ويدعون إلى آراء رديئة ، وأن يتمسك بفرائض العتيقة(العهد القديم) كالختان ، وحفظ السبت ، والتعبيد في رؤوس الشهور ، وتنجيس مآكل وزيجات ، إلى غير ذلك. وقد تنبأ على هؤلاء بولس الرسول في كتاب أعمال الرسل ، في آواخر مملكة نيرون الكبير ، وتمت نبوته بعد نيف وثلاثين سنة في أواخر مملكة دمطيانوس ؛ ذلك أنه أرسل من بالطيس إلى أفسس يطلب شيوخ الكنيسة ، ثم قال لهم : «على أنفسكم وعلى جميع القطيع الذي ترككم روح القدس أساقفة مفتقدين له وقال أنا أعلم أنه من بعد مضيى سيدخل إليكم ذئاب صعبة ولا يشفقون على القطيع ، وسيقوم أناس منكم يقبلون كلاما مقلوبا ليجتذبوا التلاميذ خلفهم » وقد شكا جماعة الرسل كيطرس ويوحنا وبولس وغيرهم من مثل هؤلاء كثيرا في رسائلهم . وإنهم يتابعون آثار الرسل في كل جهة ، ويفسدون ضمائر المؤمنين بعدة مقاصد ، منها التصدر للتعليم واجتلاب الناس لطاعتهم ومنها إنهم يجعلون ذلك معاشا وبطنة وفسادا ، ومنها تعصبهم لليهودية فيدفعون إلى العمل بوصاياها ، ومنها أن يفسده ما رتبه الرسل ، إلى غير ذلك من الآراء الدنيئة والبدع الرديئة . ولهذا نطق الوعي في حق هذا الرئيس الذي لأفسس بأنك وإن كنت قد صبرت على هؤلاء واحتملتهم بدعة وتواضع من أجل اسمى ، فقد استعملت ذلك في غير مكانه ، وسقطت إذ أفسدت حال المؤمنين ومكنت الذئاب من الرعية حقيقة إن المحبة في الله والغيرة له تقتضي الإشفاق عليها والدفاع عنها ، ولكنك آثرت الراحة ، ولم تر الموافقة بل الامتناع * ، فذلك قوله : « لأنه لا استطاعة لك أن تحمل الشر» ، وإن كان احتمال هذا الشر خيرا في نفس الأمر ، وتجشمت(احتملت) الإغضاء(التغافل) لهم تواضعا كما ظننت ، وإنما خلدت إلى الراحة ، فذلك قوله : « وحملت هذه من أجل اسمى ولم تتعب» ، وبهذا الاعتماد فقد فرطت ولم تقم بشروط المحبة كما كنت ، فذلك قوله : «لكن لي عليك أن المحبة الأولى تركتها خلفك فاذكر كيف سقطت وتب» ، أي فتنبه لهذه السقطة وعد عنها وانتقل منها ، وإلا نزعت رئاستك إذا لم تحفظ شروطها ، وذلك قوله : «لئلا آتي إليك وأزعزع منارتك من موضعها إذا لم تتب» ، والمنارة ، وإن كان قد تقدم تفسير الفص لها بأنها الكنيسة ، فمراده بها رئاسة الكنيسة . فأطلق اسم المضاف إليه على المضاف ودليله القرائن. وقوله : « ولكن هذا الذي لك أنك تبغض أعمال المشاغبين الذين أنا أبغضهم أيضا » ، تقدير القول أما الذي عليك من المؤاخذة – وقد ألقيت عليك بسببها – فهي وإن كنت لم تحاجهم وتنبذهم فأنت كاره لهم . والمشاغبون هم المحاورون محاورة مستقبحة سفيهة بغير أدب ، وباستعمال ما لا يدخل في المطلوب . وهذه هي المشاغبة ، والقصد منها المغالبة والقهر ، لا طلب الصواب والحق ، وإليها أشار القديس يعقوب الرسول في رسالته بقوله : «ولا تفتخروا وتكذبوا على الحق فهذا العلم ليس من فوق بل من أسفل أرضى نفسانی شیطانی». وهذه هي العلة التي تغاضى هذا الأسقف عنها لأرباب البدع لأنه يحتاج في الأكثر أن يشابههم في أسلوبهم وهو مكره ، كما تقدم ، لكن أشد كراهة منه تمكين الذئاب من القطيع ، وعن مثل ذلك قيل «الطاعة أفضل من القرابين » . أما قوله : « من سمع له أذنان أن يسمع فليسمع ما يقوله الروح للكنائس» ، فتفسيره : من كانت له حاستا سليمتان وهو مقبل على السماع ، فليسمع ما يقوله الروح القدس للكنائس . وأما قوله : «ومن يغلب أعطه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس إلهي» يريد بهذه الغلبة ، الغلبة الروحانية ، وتجمع في ثلاثة أمور ، الأول : طاعة الله بعمل وصاياه ، والثاني : قهر الشيطان والإعراض عن غوايته ، والثالث : نصرة الحق ودفع الباطل عنه . أما قوله شجرة الحياة وقوله فردوس إلهى ، أورشليم السمائية ، فسيأتي الكلام عنها في مكانه بمشيئة الله |
|